ا‏لأمر ا‏لرابع‏: فی شمول ا‏لموصول للشبهات ا‏لموضوعیة وا‏لحکمیة

کد : 144216 | تاریخ : 30/11/1394

الأمر الرابع : فی شمول الموصول للشبهات الموضوعیـة والحکمیـة

‏ ‏

‏إنّما الکلام فی شمول الموصول فی قولـه «ما لایعلمون» للشبهات‏‎ ‎‏الحکمیـة وعدمــه ، فاعلم أنّـه قد یقال ـ کما قیل ـ باختصاصـه بالشبهات‏‎ ‎‏الموضوعیـة‏‎[1]‎‏ : إمّا لأنّ المرفوع فی الحدیث هو خصوص المؤاخذة ، والمؤاخذة‏‎ ‎‏علی نفس الحکم ممّا لایعقل .‏

‏وإمّا لأنّ وحدة السیاق تقتضی ذلک ؛ لأنّ المراد من الموصول فی «ما‏‎ ‎‏استکرهوا علیـه» وأخواتـه هو الموضوع ؛ إذ لایعقل الاستکراه ـ مثلاً ـ علی‏‎ ‎‏الحکم . ومقتضی وحدة السیاق أن یکون المراد بالموصول فی «ما لایعلمون»‏‎ ‎‏أیضاً هو الموضوع الذی اشتبـه عنوانـه ، فلایعمّ الشبهات الحکمیـة .‏

‏وإمّا لأنّ إسناد الرفع إلی الحکم إسناد إلی ما هو لـه ، وإسناده إلی الفعل‏‎ ‎‏إسناد إلی غیر ما هو لـه ، ولا جامع بینهما حتّی یمکن أن یراد من الموصول ،‏‎ ‎‏وحینئذٍ فمع قطع النظر عن وحدة السیاق ینبغی تخصیص الحدیث بالشبهات‏‎ ‎‏الحکمیـة ؛ لأنّ إسناد الرفع فیها إسناد حقیقی ، إلاّ أنّ وحدة السیاق اقتضت الحمل‏
‎[[page 509]]‎‏علی خصوص الشبهات الموضوعیـة .‏

هذا‏ ‏، وأنت خبیر بفساد جمیع هذه الوجوه‏ : أمّا الوجـه الأوّل فلأنّـه مبنی علی‏‎ ‎‏أن یکون المرفوع هو خصوص المؤاخذة ، وقد عرفت أنّ مقتضی التحقیق هو کون‏‎ ‎‏المرفوع هی نفس تلک العناوین ادعاءً ، بلحاظ خلوّها عن الحکم رأساً .‏

‏وأمّا الوجـه الثانی فلمنع اقتضاء وحدة السیاق ذلک ، بل نقول : إنّ وحدة‏‎ ‎‏السیاق تقتضی خلافـه ، کما أفاده فی «الدرر»‏‎[2]‎‏ ؛ لأنّ عدم تحقّق الاضطرار فی‏‎ ‎‏الأحکام ، وکذا الإکراه لایوجب تخصیص «ما لایعلمون» ، بل مقتضی السیاق إرادة‏‎ ‎‏العموم من هذا الموصول ، کإرادتـه من أخواتـه . غایـة الأمر : أنّ عموم الموصول‏‎ ‎‏إنّما یکون بملاحظـة سعـة متعلّقـه وضیقـه . فقولـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : «‏ما اضطرّ إلیـه‏» اُرید‏‎ ‎‏منـه کلّ ما اضطرّ إلیـه فی الخارج . غایـة الأمر : أنّـه لم یتحقّق الاضطرار‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی الحکم .‏

‏فمقتضی اتحاد السیاق أن یراد من قولـه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : «‏ما لایعلمون‏» أیضاً کلّ‏‎ ‎‏فرد من أفراد هذا العنوان . ألا تری أنّـه إذا قیل : «ما یؤکل» و «ما یری» فی قضیـة‏‎ ‎‏واحدة لایوجب انحصار أفراد الأوّل فی الخارج ببعض الأشیاء تخصیص الثانی‏‎ ‎‏أیضاً بذلک البعض ، کما هو واضح جدّاً .‏

‏هذا ، وذکر المحقّق العراقی ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ فی بیان منع‏‎ ‎‏وحدة السیاق المقتضیـة للحمل علی خصوص الشبهات الموضوعیـة ما‏‎ ‎‏ملخّصـه : أنّ من الفقرات فی الحدیث الطیرة والحسد والوسوسـة ، ولایکون‏‎ ‎‏المراد منها الفعل ، ومع هذا الاختلاف کیف یمکن دعوی ظهور السیاق فی إرادة‏‎ ‎‏الموضوع المشتبـه ، مع أنّ ذلک یقتضی ارتکاب خلاف ظاهر السیاق من جهـة‏
‎[[page 510]]‎‏اُخری ، فإنّ الظاهر من الموصول فی «ما لایعلمون» هو ما کان بنفسـه معروض‏‎ ‎‏الوصف وعدم العلم ، کما فی غیره من العناوین .‏

‏فتخصیص الموصول بالشبهات الموضوعیـة ینافی هذا الظهور ؛ إذ لایکون‏‎ ‎‏الفعل فیها بنفسـه معروضاً للجهل ، وإنّما المعروض لـه هو عنوانـه . وحینئذٍ یدور‏‎ ‎‏الأمر بین حفظ السیاق من هذه الجهـة بحمل الموصول فی «ما لایعلم» علی‏‎ ‎‏الحکم المشتبـه ، وبین حفظـه من جهـة اُخری ، بحملـه علی إرادة الفعل ، ولاریب‏‎ ‎‏أنّ الترجیح مع الأوّل بنظر العرف‏‎[3]‎‏ ، انتهی .‏

أقول‏ : لایخفی أنّ ذکر الحسد والطیرة والوسوسـة فی الخلق لایوجب‏‎ ‎‏الاختلاف فی الحدیث بعد کونها أیضاً من الأفعال . غایـة الأمر : أنّها من الأفعال‏‎ ‎‏القلبیـة ، کما هو واضح .‏

‏وأمّا ما أفاده‏‎[4]‎‏ من أنّ الحمل علی الشبهات الموضوعیـة یقتضی ارتکاب‏‎ ‎‏خلاف الظاهر من جهـة اُخری ففیـه أوّلاً : منع ذلک ؛ فإنّ الخمر إذا کان مجهولاً‏‎ ‎‏یکون اتصاف شربـه بشرب الخمر مجهولاً حقیقـة ، ولیس نسبـة الجهل إلیـه‏‎ ‎‏بالعرض والتبع ؛ ضرورة أنّـه مجهول حقیقـة ، وإن کان تعلّق الجهل بالخمر صار‏
‎[[page 511]]‎‏سبباً لمجهولیـة شرب الخمر ، إلاّ أنّها من قبیل الواسطـة فی الثبوت ، لا الواسطـة‏‎ ‎‏فی العروض ، وحینئذٍ فیصحّ رفع شرب الخمر لکونـه مجهولاً .‏

‏وثانیاً : أنّـه لو سلّمنا أنّ المجهول حقیقـة هو نفس عنوان الخمریـة فنقول :‏‎ ‎‏إنّـه لابأس فی أن یکون الخمر مرفوعاً بعنوانـه ، وحینئذٍ یترتّب علیـه رفع‏‎ ‎‏الأحکام الشرعیـة المترتّبـة علی الأفعال المرتبطـة بـه ، کالشرب ونحوه .‏

‏فالتحقیق فی الجواب عن دعوی وحدة السیاق ما ذکرنا ، ونزید علیـه : أنّ‏‎ ‎‏الموصول لایدلّ إلاّ علی معناه الإجمالی الإبهامی ، وهو شیء ثبت لـه الصلـة ،‏‎ ‎‏ولا تعرّض لـه إلی خصوصیات هذا الشیء ، ومقتضی وحدة السیاق هو الحمل‏‎ ‎‏الموصول فی جمیع الفقرات المشتملـة علیـه علی معناه الحقیقی ، کما لایخفی .‏

‏وأمّا الوجـه الثالث : فیرد علیـه ما حقّقناه فی المجاز من أنّ المجاز‏‎ ‎‏لایکون عبارة عن استعمال اللفظ فی غیر الموضوع لـه ، بل هو أیضاً ـ کالحقیقـة‏‎ ‎‏ـ عبارة عن استعمال اللفظ فی معناه الموضوع لـه ، غایـة الأمر : أنّـه قد ادعی‏‎ ‎‏کون المعنی المجازی من أفراد المعنی الحقیقی ، وحینئذٍ فنقول : إنّ إسناد الرفع‏‎ ‎‏إلی الموضوع المجهول لایکون مجازاً وإسناداً إلی غیر ما هو لـه ، بل إنّما هو‏‎ ‎‏إسناد إلی ما هو لـه ، غایـة الأمر أنّـه قد ادعی کونـه صالحاً لتعلّق الرفع بـه ، کما‏‎ ‎‏أنّک عرفت : أنّ نسبـة الرفع إلی الأحکام أیضاً لایکون إلاّ ادعاء ؛ لما عرفت من‏‎ ‎‏ثبوتـه بالنسبـة إلی الجاهل أیضاً ، ولایستفاد من الحدیث اختصاص الأحکام‏‎ ‎‏الواقعیـة بالعالم بها .‏

‎ ‎

‎[[page 512]]‎

  • )) فرائد الاُصول 1 : 320 ـ 321 ، کفایـة الاُصول : 387 ، دررالفوائد ، المحقّق الخراسانی : 190 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 441 .
  • )) نهایـة الأفکار 3 : 216 .
  • )) لایخفی عدم انطباق الجواب علی کلامـه ؛ لأنّ مراده ظهور فقرة «ما لایعلمون» فی کون متعلّق الجهل هو نفس الفعل بما هو ، لا عنوانـه الذی هو الخمر ، فمراده ظهورها فی تعلّق الجهل ، لابعنوان الخمریـة ، بل بنفس الفعل .     ولکن یرد علیـه الغفلـة عن ظهور الموصول فی کونـه متعلّقاً للحکم ، ولابدّ من تعلّق الجهل بهذه الجهـة ، ومن المعلوم أنّ متعلّق الحکم هو العنوان ، فلابدّ من کون العنوان مجهولاً ، ولا وجـه لدعوی الظهور فی متعلّق الجهل بنفس الفعل ، مع قطع النظر عن العنوان ، کما لایخفی .

انتهای پیام /*