ا‏لجواب عن محذور اجتماع ا‏لمثلین أو ا‏لضدّین

کد : 144247 | تاریخ : 30/11/1394

الجواب عن محذور اجتماع المثلین أو الضدّین

‏ ‏

‏وأمّا اجتماع المثلین أو الضدّین أو النقیضین ، فلایخفی أنّـه یمکن توجیهـه‏‎ ‎‏بنحو لایرد علیـه ما حقّقناه فی مبحث اجتماع الأمر والنهی ، من عدم ثبوت‏‎ ‎‏التضادّ بین الأحکام أصلاً ، بأنّـه کیف یجتمع الإرادة الحتمیـة من المولی بفعل‏‎ ‎‏شیء أو ترکـه ، مع جعلـه قول العادل حجّـة ، الراجع إلی الترخیص فی الترک أو‏
‎[[page 420]]‎‏الفعل ، إذا قام علی نفی الوجوب أو الحرمـة .‏

وبعبارة اُخری‏ : معنی کون الشیء واجباً فی الواقع أنّـه أراد المولی بالإرادة‏‎ ‎‏الحتمیـة أن یوجده المکلّف فی الخارج ، وبعثـه إلیـه بالبعث الفعلی ، ومعنی‏‎ ‎‏حجّیـة قول العادل جواز تطبیق العمل علی طبق إخباره ومتابعـة قولـه ، فإذا أخبر‏‎ ‎‏بعدم وجوب ما یکون واجباً فی الواقع فمعنی حجّیـة قولـه یرجع إلی کون‏‎ ‎‏المکلّف مرخّصاً فی ترکـه ، وحینئذٍ فکیف یجتمع البعث الحتمی إلی الفعل‏‎ ‎‏والإرادة الحتمیـة مع الترخیص فی الترک .‏

ومن هذا التوجیـه یظهر‏ : أنّ أکثر الأجوبـة التی أوردها الأعاظم فی کتبهم‏‎ ‎‏ممّا لایرتبط بالإشکال ؛ ضرورة أنّ دعوی عدم کون المقام مشتملاً علی حکمین ؛‏‎ ‎‏لأنّ الحجّیـة غیر جعل الحکم ، أو دعوی کون الحکم المجعول هو الحکم‏‎ ‎‏الطریقی الغیر المنافی للحکم الواقعی ، أو غیرهما من الأجوبـة التی سیأتی‏‎ ‎‏التعرّض لبعضها ممّا لایرتبط بالإشکال ؛ لأنّ بعد تسلیم تلک الأجوبـة یبقی‏‎ ‎‏الإشکال بحالـه ، کما لایخفی .‏

والتحقیق فی الجواب أن یقال‏ : إنّـه لا إشکال فی کون الأحکام الواقعیـة‏‎ ‎‏الفعلیـة مجعولـة علی جمیع المکلّفین ، من دون أن یکون للعلم دخل فی فعلیتها ؛‏‎ ‎‏لما عرفت فی بعض المباحث السابقـة من أنّ المراد بالحکم الفعلی لیس إلاّ‏‎ ‎‏الأحکام التی اُعطیت بید الإجراء ، وکان المقصود بها أن یأخذها الناس ، ویعملوا‏‎ ‎‏بها .‏

‏وهذا لا فرق فیـه بین أن یکون المکلّف عالماً بها أو جاهلاً ، مضافاً إلی أنّ‏‎ ‎‏أخذ العلم بالحکم فی موضوعـه مستحیل بداهـة .‏

‏فالأحکام الفعلیـة ثابتـة بالنسبـة إلی جمیع المکلّفین ، کما أنّها ثابتـة‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی القادر والعاجز ، ولا اختصاص لها بخصوص القادر . نعم ، حیث‏
‎[[page 421]]‎‏یکون الجهل والعجز من الأعذار العقلیـة ؛ لعدم إمکان الانبعاث بالبعث مع الجهل‏‎ ‎‏بـه ، أو عدم القدرة علی الإتیان بالمبعوث فلا محالـة لایکون المکلّف معاقباً علی‏‎ ‎‏المخالفـة ومذموماً علیها ، وقد حقّقنا فی مبحث الترتّب من مباحث الألفاظ أنّ‏‎ ‎‏التکلیفین باقیان علی فعلیتهما فی صورة التزاحم . غایـة الأمر : أنّ عجز المکلّف‏‎ ‎‏صار سبباً لکونـه معذوراً فی مخالفـة أحدهما ؛ لعدم قدرتـه علی امتثالهما .‏

‏نعم ، بینـه وبین المقام فرق ، وهو أنّ مخالفـة المکلّف فی المقام ـ إذا‏‎ ‎‏أخطأت الأمارة ـ لا تکون مستندة إلی عذر عقلی ؛ لأنّـه لو لم تکن الأمارة حجّـة‏‎ ‎‏من قبل الشارع لما وقع المکلّف فی مخالفـة الواقع ؛ لأنّـه کان یعمل بمقتضی‏‎ ‎‏الاحتیاط الواجب بحکم العقل فی موارد العلم الإجمالی . وحینئذٍ فتکون‏‎ ‎‏المخالفـة مستندة إلی اعتبار الشارع قول العادل ، وأمثالـه من الأمارات .‏

وحینئذٍ فیمکن أن یقال‏ : بمثل ما مرّ فی الجواب عن محذور التفویت‏‎ ‎‏والإلقاء من أنّ جعل الشارع واعتباره للأمارات یمکن أن یکون بملاحظـة أنّـه لو‏‎ ‎‏لم تکن الأمارة حجّـة من قبل الشارع لکان مقتضی حکم العقل وجوب الاحتیاط‏‎ ‎‏علی الناس ، وحینئذٍ فیلزم الحرج الشدید ، والاختلال العظیم ، الموجب لرغبـة‏‎ ‎‏أکثر الناس عن الشریعـة ، وخروجها عن کونها سمحـة سهلـة ، وذلک یوجب انتفاء‏‎ ‎‏المصلحـة العظیمـة ؛ وهی مصلحـة بقاء الشریعـة .‏

‏فاعتبار قول العادل الراجع إلی الترخیص فیما لو أدّی علی خلاف الواقع ،‏‎ ‎‏وقام علی نفی وجوب الواجب الواقعی لیس إلاّ لملاحظـة حفظ الشرع الذی‏‎ ‎‏یکون ذا مصلحـة عظیمـة ، فیرخّص فی ترک صلاة الجمعـة الواجبـة واقعاً‏‎ ‎‏القائمـة علی نفی وجوبها الأمارة ، لا لعدم کونها ذا مصلحـة ملزمـة ، بل لرفع الید‏‎ ‎‏عن مصلحتها فی مقابل المصلحـة التی هی أقوی منها بمراتب .‏

‏فوجوب صلاة الجمعـة وإن کان حکماً فعلیاً إلاّ أنّ الشارع یرفع الید عن‏
‎[[page 422]]‎‏مثلـه من بعض الأحکام الفعلیـة لأجل مصلحـة هی أقوی المصالح وأتمّها ، فهو‏‎ ‎‏نظیر من یقطع یده لأجل حفظ نفسـه فیما لو توقّف علیـه ، فقطع الید وإن لم یکن ذا‏‎ ‎‏مصلحـة ـ بل یکون عین المفسدة ـ إلاّ أنّ معارضتـه مع شیء آخر أقوی منـه‏‎ ‎‏أوجب الإقدام علیـه ، مع کونـه ذا مفسدة ، کما لایخفی .‏

ثمّ إنّ ما ذکرنا‏ : یجری فی جمیع الأمارات والاُصول ، ولا اختصاص لـه‏‎ ‎‏بالأوّل ، فإنّ اعتبار قاعدتی الفراغ والتجاوز ، وإلغاء الشکّ بعد الوقت ، وعدم‏‎ ‎‏وجوب ترتیب الأثر علیـه ، مع أنّ ذلک قد یؤدّی إلی عدم الإتیان بالمأمور بـه ـ‏‎ ‎‏بعضاً أو کلاًّـ یمکن أن یکون لملاحظـة أنّ تفویض الناس إلی ما یقتضیـه عقولهم‏‎ ‎‏من ثبوت الاشتغال إلی أن یعلم الفراغ ربّما یوجب تنفّر الناس وإعراضهم عن‏‎ ‎‏أصل الشریعـة ؛ لعدم تحقّق العلم لهم بإتیان التکالیف واجدة لجمیع ما یعتبر فیها ،‏‎ ‎‏إلاّ قلیلاً ؛ ضرورة أنّ أکثرهم فی شکّ من ذلک غالباً . فهذه المصلحـة التی هو أقوی‏‎ ‎‏المصالح أوجبت رفع الید عن بعض المصالح الضعیفـة ، وإن کان الحکم علی‏‎ ‎‏طبقها حکماً فعلیاً ، وکان الإتیان بها محبوباً للمولی فی نفسها ، کما لایخفی .‏

فتلخّص من جمیع ذلک‏ : أنّ الحکم الواقعی الفعلی عند قیام الأمارة علی‏‎ ‎‏خلافـه یخرج عن الفعلیـة ، بمعنی أنّ المولی لایرید إجرائـه ، فیصیر کالأحکام‏‎ ‎‏الإنشائیـة التی لایکون المقصود بها عمل الناس علی طبقها ، إلاّ فی زمان ظهور‏‎ ‎‏دولـة الحقّ بقیام صاحب الأمر ‏‏علیه السلام‏‏ ، کالحکم بنجاسـة العامّـة علی ما فی بعض‏‎ ‎‏الروایات .‏

وأمّا ما أفاده بعض محقّقی العصر‏ ـ علی ما فی تقریرات بحثـه ـ : من أنّـه‏‎ ‎‏لایعقل الحکم الإنشائی ، بل الذی یکون فی الواقع هو إنشاء الأحکام ، وهو عبارة‏‎ ‎‏عن تشریعها وجعلها علی موضوعاتها المقدّرة وجودها بجمیع ما اعتبر فیها من‏‎ ‎‏القیود والشرائط علی نهج القضایا الحقیقیـة . ودعوی أنّ الحکم الواقعی فی مورد‏
‎[[page 423]]‎‏الأمارة لایکون فعلیاً واضحـة الفساد ، فإنّـه لایمکن أن لایکون الحکم فعلیاً إلاّ‏‎ ‎‏إذا اُخذ فی موضوعـه عدم قیام الأمارة علی الخلاف ؛ بحیث یکون قیداً فی ذلک ،‏‎ ‎‏ومعـه یعود محذور التصویب‏‎[1]‎‏ .‏

ففیـه‏ : أنّ المراد بالحکم الإنشائی هو الحکم الذی ینشأه العقلاء المقنّنین‏‎ ‎‏للقوانین العرفیـة فی اُمورهم الدنیویـة أیضاً ، ثمّ یخصّصونـه ببعض الأفراد ، أو‏‎ ‎‏یقیّدونـه ببعض القیود ؛ ضرورة أنّ العقلاء فی جعل القوانین لیسوا بحیث یجعلون‏‎ ‎‏القانون بجمیع خصوصیاتـه ؛ من حیث القیود أو الشمول ، بل ینشأون الأحکام‏‎ ‎‏بنحو العموم أو الإطلاق ، ثمّ یخصّصونـه أو یقیّدونـه .‏

‏کیف ، ولو قلنا بأنّ الأحکام الواقعیـة کانت مجعولـة علی موضوعاتها‏‎ ‎‏بجمیع ما اعتبر فیها من القیود والشرائط لم یبق وجـه للتمسّک بالإطلاق عند‏‎ ‎‏الشکّ فی کون الحکم مقیّداً ، أو فی تقیّده بقید آخر ؛ إذ مع فرض کون المتکلّم فی‏‎ ‎‏مقام البیان لابدّ لـه من بیان الحکم المتعلّق بالموضوع بجمیع ما اعتبر فیـه ، وعند‏‎ ‎‏ذلک لایبقی شکّ فی القید ، ومعـه لایجوز التمسّک بالإطلاق ، کما لایخفی .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 424]]‎

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 103 .

انتهای پیام /*