أقسام الماهیّـة
ثمّ إنّهم قسّموا الماهیّـة إلی الأقسام الثلاثـة : الماهیّـة اللاّبشرط والماهیّـة البشرط شیء والماهیّـة البشرط لا ؛ نظراً إلیٰ أ نّـه إذا لوحظت الماهیّـة مع أمر خارج عنها فإمّا أن تلاحظ مع وجودها أو مع عدمها أو لا مع وجودها ولا مع عدمها .
وقد اُشکل علیـه بأنّ القسم الأوّل ـ وهی الماهیّـة اللاّبشرط ـ عین المقسم ، فالتقسیم تقسیم إلی نفسـه وإلی غیره .
واُجیب عن ذلک بالفرق ؛ فإنّ المقسم هو اللاّبشرط المقسمی ، والقسم هو
[[page 343]]اللاّبشرط القسمی .
وقیل فی بیانـه : إنّ التقسیم إلی الأقسام الثلاثـة المذکورة لیس تقسیماً لنفس الماهیّـة ، بل المقسم إنّما هو لحاظها ، وحینئذٍ فالمراد بالماهیّـة اللاّبشرط هو لحاظها کذلک ، فالتفاوت بین المقسم والقسم إنّما هو باعتبار أنّ الأوّل هو مجرّد لحاظ الماهیّـة من دون ملاحظـة شیء معها ، والثانی هو لحاظها مجرّداً عن قید آخر وجودیّاً کان أم عدمیّاً ، کما أنّ المراد بالماهیّـة البشرط شیء هو لحاظها مشروطاً بـه ، وبالماهیّـة البشرط لا هو لحاظها مشروطاً بعدمـه .
هذا ولایخفیٰ : أنّ لازم کون التقسیم للحاظ الماهیّـة لا لنفسها أنّ کلّ أمر خارج عنها إذا لوحظت الماهیّـة بالقیاس إلیها ، یمکن اعتبار الأقسام الثلاثـة فیـه ، فإنّ باب اللّحاظ واسع ، فیمکن ملاحظـة الماهیّـة بالنسبـة إلی کلّ قید مشروطاً بوجوده أو بعدمـه أو غیر مشروطٍ بشیءٍ منهما ، مع أنّ ذلک مستبعد جدّاً ؛ فإنّـه کیف یمکن أن یکون مراد أساطین الحکمـة المتعرّضین لهذا التقسیم ذلک المعنی الذی هو مجرّد الاعتبار وصرف اللّحاظ وإن کان ظاهر عبائرهم فی بیان التقسیم ذلک ، لکنّـه لیس بمرادهم ، فالتحقیق أنّ هذا تقسیم لنفس الماهیّـة .
وتوضیحـه : أنّ کلّ ماهیّـة إذا لوحظت مع أمر من الاُمور الخارجـة عنها فإمّا أن تکون مشروطةً بوجوده واقعاً بحیث لایعقل الانفکاک بینهما فی نفس الأمر ولو مع عدم لحاظها کذلک ، وإمّا أن تکون مشروطةً بعدمـه واقعاً بحیث یستحیل اجتماعهما کذلک ، وإمّا أن لاتکون مشروطةً بوجوده ولابعدمـه ، بل یکون ذلک الأمر من العوارض التی قد یجتمع معها وقد یفترق عنها ولو مع لحاظها مشروطةً بوجوده
[[page 344]]أو بعدمـه .
فالأوّل : هی الماهیّـة البشرط شیء ، ومثالـه : ماهیّـة الجسم بالنسبـة إلی التحیّز ، فإنّها تکون دائماً مشروطـة بـه ، ویستحیل تحقّق الانفکاک بینهما ولولم تلاحظ کذلک .
والثانی : هی الماهیّـة البشرط لا ، ومثالـه : ماهیّـة الجسم بالنسبـة إلی التجرّد مثلاً ، فإنّها تکون دائماً متفرّقـة عنـه ، ولایعقل اجتماعهما .
والثالث : هی الماهیّـة اللاّبشرط ، ومثالـه : ماهیّـة الإنسان بالنسبـة إلی الکتابـة ، فإنّها لا تکون مشروطةً بوجودها دائماً بحیث کان الانفکاک مستحیلاً ، ولابعدمها بحیث کان الاجتماع محالاً ، بل ربّما توجد معها وربّما توجد منفکّة عنها .
وممّا ذکرنا یظهر : أنّ الماهیّـة بالنسبـة إلیٰ کلّ قید لوحظ معها لها أحد الأقسام الثلاثـة علیٰ سبیل المنفصلـة الحقیقیـة ، ولایعقل اجتماعها بالنسبـة إلیٰ قید واحد ، کما لایخفیٰ ، کما أ نّـه ظهر ثبوت المغایرة بین المقسم والقسم ، فإنّ المقسم هی نفس الماهیّـة المحفوظـة فی جمیع الأقسام الثلاثـة ، وبإضافـة شیء من الخصوصیّات المأخوذة فی الأقسام یتحقّق قسم منها ، کما لایخفیٰ .
ثمّ إنّـه أفاد المحقّق النائینی ـ علیٰ ما فی التقریرات ـ هنا کلاماً فی معنی الأقسام وبیان الفرق بین اللاّبشرط القسمی والمقسمی .
وفیـه ـ مضافاً إلی المناقضـة بین الصدر والذیل ـ وجوه من الخلل ، کما یظهر لمن راجعـه وتأمّل .
والإنصاف أنّ ما ذکرنا هو التقسیم المعقول الذی یمکن أن یکون مقصوداً لأساطین الحکمـة ، کما عرفت .
[[page 345]]