الأمر الثالث : فی استغناء العامّ عن مقدّمات الحکمـة
ثمّ إنّ هنا إشکالاً ، وهو أنّـه لیس لنا لفظ عام یدلّ علی العموم مع قطع النظر عن جریان مقدّمات الحکمـة ، ضرورة أنّ کلمـة «کلّ» لا تدلّ إلاّ علی استیعاب أفراد مدخولـه ، وأمّا أنّ مدخولـه مطلق أو مقیّد فلایستفاد منها أصلاً ، فإنّها تابعـة لمدخولها ، فإن اُخذ مطلقاً ، فهی تدلّ علیٰ تمام أفراد المطلق ، وإن اُخذ مقیّداً ، فهی تدلّ علیٰ جمیع أفراد المقیّد ، فاستفادة العموم بالنسبـة إلیٰ جمیع أفراد المطلق موقوفـة علیٰ إحراز کون المدخول مطلقاً ، وذلک یتوقّف علی إجراء مقدّمات الحکمـة ، کما هو واضح .
وقد أجاب عنـه فی الدّرر بما لایرجع إلیٰ محصّل .
والتحقیق فی الجواب أن یقال : إنّ مقدّمات الحکمـة حیث تجری تکون نتیجتها إثبات الإطلاق فی موضوع الحکم بمعنی أنّ تمام الموضوع لحکمـه المجعول إنّما هی الطبیعـة معرّاة عن جمیع القیود ، وذلک حیث یکون الأمر دائراً بین کون الموضوع هی نفس الطبیعـة أو هی مقیّدة ، وأمّا فی أمثال المقام ممّا لایکون الموضوع هو الطبیعـة بل أفرادها ـ کما فیما نحن فیـه ـ فلا مجال لإجراء المقدّمات فی مدخول ألفاظ العموم بعد وضوح أنّ الموضوع لیس هو المدخول ، بل هو مع مضمون تلک الألفاظ الدالّـة علی استیعاب الأفراد .
نعم بعبارة اُخریٰ نقول : التعبیر بلفظ العموم الذی یدلّ علی الاستیعاب ظاهر فی کون المتکلّم متعرّضاً لبیان موضوع حکمـه ، والتعرّض ینافی الإهمال ،
[[page 265]]وحینئذٍ فالشکّ فی کون الموضوع هو جمیع أفراد الرجل مثلاً أو أفراد الرجل العالم ینشأ من احتمال الخطأ فی عدم ذکر القید ، وهو مدفوع بالأصل .
وبالجملـة ، فمجری المقدّمات هو ما إذا دار الأمر بین الإهمال وغیره ، وفی المقام لا مجال لاحتمال الإهمال بعد کون المتکلّم متعرّضاً لبیان الموضوع ، وأنّـه هو جمیع الأفراد ؛ إذ بعد دلالـة الکلام علیٰ هذه الجهـة یکون لا محالـة الشکّ فی سعـة الموضوع وضیقـه ، مستنداً إلی احتمال الخطأ فی عدم ذکر القید ، وقد عرفت أنّـه مدفوع بالأصل العقلائی الذی یقتضی العدم ، فظهر أنّ دلالـة مثل لفظـة «کلّ» علی العموم لا تحتاج إلیٰ مقدّمات الحکمـة أصلاً ، فتأمّل فإنّـه دقیق .
[[page 266]]