ا‏لأمر ا‏لثا‏لث‏: تفسیر وصفی ا‏لصحّـة وا‏لفساد

کد : 144402 | تاریخ : 02/12/1395

الأمر الثالث : تفسیر وصفی الصحّـة والفساد

‏ ‏

‏ذکر فی الکفایـة فی معنی الصحّـة والفساد ما حاصلـه : أنّهما وصفان‏‎ ‎‏إضافیّان ، ومعنی الأوّل هی التمامیـة ، والثانی هو النقص ، والصحّـة فی العبادة‏‎ ‎‏والمعاملـة بمعنیٰ واحد ، وهو التمامیـة ، والاختلاف فی الآثار المرغوبـة منهما‏
‎[[page 209]]‎‏التی بالقیاس علیها تتّصف بالتمامیـة ، وهکذا الاختلاف بین الفقیـه والمتکلّم فی‏‎ ‎‏تفسیر صحّـة العبادة إنّما یکون لأجل الاختلاف فیما هو المهمّ لکلٍّ منهما من‏‎ ‎‏الأثر بعد الاتّفاق علی أنّها بمعنی التمامیـة ، کما هی معناها لغةً وعرفاً‏‎[1]‎‏ .‏

أقول‏ : من الواضح أنّ الصحّـة والفساد لایساوقان التمامیـة والنقص‏‎ ‎‏بحسب اللغـة والعرف ؛ لما نریٰ بالوجدان من اختلاف موارد استعمالهما ، فلایقال‏‎ ‎‏علی الإنسان الفاقد للبصر مثلاً : إنّـه فاسد ، ولا علی الفاکهـة التی طرأ علیها بعض‏‎ ‎‏العوارض فأخرجها عمّا یقتضیـه بحسب نوعها : إنّها ناقصـة ، ولا علی البیت‏‎ ‎‏الخالیـة من السقف أو الجدار مثلاً : إنّـه فاسد ، بل یقال : ناقص ، ولا علی‏‎ ‎‏المعجون المشتمل علیٰ جمیع أجزائـه الغیر المترتّب علیـه الأثر المقصود منـه ؛‏‎ ‎‏لطروّ بعض العوارض علیـه : إنّـه ناقص ، بل یقال لـه : إنّـه فاسد .‏

‏وبالجملـة ، فاختلاف موارد استعمالهما ممّا لاینبغی الارتیاب فیـه .‏

والحقّ الذی یطابقـه الوجدان‏ : أنّ معنی التمامیـة یرجع إلی اشتمال الشیء‏‎ ‎‏المرکّب علیٰ جمیع ما اعتبر فیـه من الأجزاء والشرائط ، والنقص عبارة عن‏‎ ‎‏فقدانـه لبعض تلک الأجزاء أو الشرائط ، والتقابل بینهما تقابل العدم والملکـة .‏

‏وأمّا الصحّـة فهی عبارة عن کون الشیء فی وجوده الخارجی مطابقاً لما‏‎ ‎‏یقتضیـه طبعـه الأوّلی بحسب نوعـه والفساد عبارة عن خروجـه عن مقتضی‏‎ ‎‏طبعـه الأوّلی لطروّ بعض الأسباب الموجبـة لذلک ، وهو کالصحّـة أمر وجودی ،‏‎ ‎‏والتقابل بینهما تقابل الضدّین .‏

‏نعم ، لا ننکر أنّ الصحّـة قد استعملت فی العبادات والمعاملات بمعنی‏‎ ‎‏التمامیـة ؛ إذ العبادة الصحیحـة مثلاً هو ما کان جامعاً لجمیع الأجزاء والشرائط‏
‎[[page 210]]‎‏المعتبرة فیـه ، وکذا المعاملـة ، والفساد قد استعملت فیهما بمعنی النقص ، کما هو‏‎ ‎‏واضح ، ولکن هذا الاستعمال إمّا أن یکون اصطلاحاً خاصّاً من الفقهاء ، وإمّا أن‏‎ ‎‏یکون مجازیّاً ، وقرینتـه المشابهـة ؛ لأنّ الصلاة الفاقدة لبعض أجزائها مثلاً کأنّها‏‎ ‎‏قد خرجت عن مقتضی طبعها الأوّلی .‏

‏نعم علی التقدیر الثانی قد بلغ الآن إلیٰ حدّ الحقیقـة ؛ لعدم احتیاجـه إلی‏‎ ‎‏القرینـة أصلاً ، کما هو واضح .‏

‏ثمّ لایخفی أنّ التمامیـة والنقص وصفان إضافیان ، فیمکن أن یکون المرکّب‏‎ ‎‏تامّاً من حیث أجزائـه مثلاً ، وناقصاً من حیث شرائطـه ، والصحّـة والفساد فی‏‎ ‎‏العبادات والمعاملات وإن عرفت أنّهما یساوقان التمامیـة والنقص إلاّ أنّ أثرهما ـ‏‎ ‎‏وهو الإضافـة ـ لایسری إلی الصحّـة والفساد ؛ لأنّـه لایقال علی الصلاة الجامعـة‏‎ ‎‏لجمیع أجزائها الفاقدة لبعض شرائطها مثلاً : إنّها صحیحـة من حیث الأجزاء ،‏‎ ‎‏وفاسدة من حیث الشرائط ، بل أمرها یدور بین الصحّـة بقولٍ مطلق ، والفساد‏‎ ‎‏کذلک ، کما لایخفیٰ .‏

‏وهکذا المعاملات ، فإنّ أمرها أیضاً دائر بین الصحّـة فقط ، والفساد کذلک .‏

‏ثمّ إنّ الصحّـة والفساد وصفان واقعیّان لایختلفان بحسب الأنظار واقعاً ، بل‏‎ ‎‏مرجع الاختلاف إلیٰ تخطئـة کلٍّ من الناظرین نظر صاحبـه بمعنی أنّ المصیب إنّما‏‎ ‎‏هو نظر واحد فقط ، غایـة الأمر أنّ کلاًّ یدّعی إصابـة نظره ، وذلک لایقتضی‏‎ ‎‏اختلافهما بحسب الأنظار واقعاً .‏

فما فی الکفایـة‏ : من اختلافهما بحسب الأنظار ؛ لکون الأمر فی الشریعـة‏‎ ‎‏علی أقسام ، وقد وقع الخلاف فی إجزاء غیر الأمر الواقعی عنـه‏‎[2]‎‏ .‏


‎[[page 211]]‎ممنوع جدّاً‏ ؛ لأنّ هذا الخلاف مرجعـه إلیٰ ما ذکرنا من عدم اقتضاء ذلک‏‎ ‎‏الاختلاف بحسب الواقع ، بل نقول : إنّ مسألـة الإجزاء لا ربط لها بمسألـة‏‎ ‎‏الصحّـة أصلاً ؛ فإنّ معنی الصحّـة عبارة عن موافقـة المأتی بـه للأمر المتعلّق‏‎ ‎‏بنفسـه ، وأمّا الاکتفاء بـه عن الإتیان بالمأمور بـه بأمر آخر فهو أمر خارج عن‏‎ ‎‏معنی الصحّـة ، فالصلاة مع الطهارة المستصحبـة صحیحـة بمعنیٰ کونها موافقـة‏‎ ‎‏للأمر الظاهری المتعلّق بها ولو لم نقل بکونها مجزئةً بمعنی الاکتفاء بـه عن الصلاة‏‎ ‎‏مع الطهارة الواقعیـة المأمور بها بالأمر الواقعی ، فالصحّـة أمر ، والإجزاء أمر‏‎ ‎‏آخر .‏

‏نعم الإجزاء مترتّب علی الصحّـة بمعنی أنّ الإجزاء لو قیل بـه إنّما یتّصف‏‎ ‎‏بـه الصلاة الصحیحـة المطابقـة للأمر المتعلّق بها ؛ إذ الصلاة الفاسدة بحسب‏‎ ‎‏أمرها لایعقل أن تکون مجزئةً بالنسبة إلی أمر آخر کما هو واضح .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 212]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 220 .
  • )) کفایـة الاُصول : 220 ـ 221 .

انتهای پیام /*