تحقیق فیما نسب إ‏لی ا‏لشیخ ا‏لأنصاری قدس‏ سره

کد : 144479 | تاریخ : 03/12/1395

تحقیق فیما نسب إلی الشیخ الأنصاری قدس سره

‏ ‏

‏ثمّ إنّ ما نسب إلی الشیخ الأنصاری ‏‏قدس سره‏‏ من أنّ الملازمـة إنّما هی بین ذی‏‎ ‎‏المقدّمـة وبین المقدّمـة التی قصد بها التوصّل إلیـه بحیث یکون هذا القول فی‏‎ ‎‏عرض سائر الأقوال فی باب المقدّمـة لیست النسبـة إلیـه فی محلّـه ، فإنّ منشأ‏‎ ‎‏النسبـة إنّما هو ملاحظـة التقریرات المنسوبـة إلیـه ، ونحن بعد ملاحظـة هذا‏‎ ‎‏المقام منها صدراً وذیلاً لم نعرف وجهاً لهذه النسبـة أصلاً ؛ فإنّ المقرّر بعد حکایـة‏‎ ‎‏عبارة المعالم والإشکال فیها بالوجهین المتقدّمین شرع فی أنّـه هل یعتبر فی‏‎ ‎‏امتثال الأمر الغیری قصد التوصّل بها إلیٰ ذیها أم لا ، واختار الأوّل .‏

‏ثمّ ذکر فی تحقیقـه أنّ الأمر الغیری لایستلزم امتثالاً أصلاً ، بل المقصود‏‎ ‎‏منـه مجرّد التوصّل بـه إلی الغیر ، وقضیّـة ذلک هو قیام الواجب مقامـه وإن لم‏‎ ‎‏یکن المقصود منـه التوصّل بـه إلی الواجب ، کما إذا أمر المولیٰ عبده بشراء اللحم‏‎ ‎‏من السوق ، الموقوف علیٰ تحصیل الثمن ، ولکنّ العبد حصّل الثمن لا لأجل شراء‏‎ ‎‏اللحم ، بل لغرض آخر ، ثمّ بدا لـه الامتثال بأمر المولیٰ ، فیکفی لـه فی مقام‏‎ ‎‏المقدّمیـة الثمن المذکور من غیر إشکال ، إنّما الإشکال فی المقدّمات العبادیـة‏‎ ‎‏التی یجب وقوعها علیٰ قصد القربـة ، فهل یصحّ فی وقوعها علیٰ جهـة الوجوب‏‎ ‎‏أن لایکون الآتی بها قاصداً للإتیان بذیها أم یعتبر ؟‏

‏ثمّ فرّع علیـه بعض الفروعات ، وذکر أنّـه قد نسب إلی المشهور عدم‏‎ ‎‏الاعتبار .‏

‏ثمّ استند إلیٰ ما یقرّب مرادهم ، ثمّ استشکل علیـه بأنّ الإنصاف فساد ذلک‏‎ ‎‏الوجـه ؛ لأنّ النزاع إنّما هو فیما إذا اُرید الامتثال بالمقدّمـة ، وذکر أنّـه لا إشکال‏
‎[[page 79]]‎‏فی لزوم قصد عنوان الواجب إذا اُرید الامتثال بـه وإن لم یجب الامتثال‏‎[1]‎‏ ، إلیٰ‏‎ ‎‏آخر ما ذکره ، فإنّ الناظر إلیٰ هذه العبارات یقطع بأنّ النزاع فی اعتبار قصد‏‎ ‎‏التوصّل إلیٰ ذی المقدّمـة وعدمـه إنّما هو فیما إذا اُرید الامتثال بالمقدّمـة ، ومعنی‏‎ ‎‏الامتثال ـ کما صرّح بـه ـ أن یکون الداعی إلی إیجاد الفعل هو الأمر‏‎[2]‎‏ ، فلاربط‏‎ ‎‏لهذا النزاع بالمقام أصلاً ، فإنّ الکلام هنا إنّما هو فی الملازمـة وفی أنّ الأمر‏‎ ‎‏الغیری هل یتعلّق بذات المقدّمـة أو مع قید آخر .‏

‏ولایخفیٰ أنّ التأمّل فی عبارة التقریرات یعطی أنّ الواجب هو ذات‏‎ ‎‏المقدّمـة ، کیف وقد صرّح فی جواب المعالم بأنّ وجوب المقدّمـة إنّما یتبع فی‏‎ ‎‏الإطلاق والاشتراط وجوب ذیها ، وقد صرّح أیضاً بأنّ الحاکم بالوجوب الغیری‏‎ ‎‏لیس إلاّ العقل ، ولیس الملحوظ عنده فی عنوان حکمـه بالوجوب إلاّ عنوان‏‎ ‎‏المقدّمیـة والموقوف علیـه ، وهنا بعض القرائن الاُخر یظهر للناظر المتأمّل .‏

‏وکیف کان فمع قطع النظر عن انتساب هذا القول إلی الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فلابدّ من‏‎ ‎‏النظر فیـه ، وأنّـه هل یمکن الذهاب إلیـه أم لا ؟‏

فنقول : اعتبار قصد التوصّل فی المقدّمـة یمکن علیٰ وجوه :

الأوّل‏ : أن یکون الوجوب الناشئ من حکم العقل بالملازمـة مشروطاً بما‏‎ ‎‏إذا قصد التوصّل بها إلیـه بمعنیٰ أنّـه فی غیر هذه الصورة لا تکون المقدّمـة‏‎ ‎‏واجبـة .‏

الثانی‏ : أن یکون الوجوب ثابتاً لها فی هذا الحین ، والفرق بین الصورتین‏‎ ‎‏الفرق بین القضیّـة المشروطـة والحینیـة .‏


‎[[page 80]]‎الثالث‏ : أن یکون قصد التوصّل مأخوذاً فی متعلّق الأمر الغیری بمعنیٰ أن‏‎ ‎‏یکون قیداً للواجب لا للوجوب ، کما فی الصورتین المتقدّمتین .‏

‏إذا عرفت ذلک ، فنقول : کلّ هذه الاحتمالات فاسدة ، بل لایمکن اعتبار‏‎ ‎‏قصد التوصّل علیٰ غیر وجـه الأخیر من الصور المتقدّمـة .‏

أمّا الوجـه الأوّل‏ : فیرد علیـه ـ مضافاً إلیٰ ما عرفت من أنّ وجوب‏‎ ‎‏المقدّمـة یتبع فی الإطلاق والاشتراط وجوب ذیها ـ أنّـه لایعقل اشتراط الوجوب‏‎ ‎‏بخصوص قصد التوصّل الغیر المنفکّ عن إرادة متعلّق الوجوب ، فیرجع الأمر‏‎ ‎‏بالأخرة إلی اشتراط الوجوب بإرادة متعلّقـه ، فیصیر الوجوب مباحاً ، کما عرفت‏‎ ‎‏فیما أجاب بـه التقریرات عن عبارة المعالم ، بل نقول بأنّ الاستحالـة هنا أوضح‏‎ ‎‏ممّا یوهمـه عبارة المعالم ؛ لأنّ الوجوب بناء علیٰ قولـه لایکون مشروطاً بإرادة‏‎ ‎‏متعلّقـه ، بل بإرادة ذی المقدّمـة المتقدّمـة علیٰ إرادة المقدّمـة المتعلّقـة للوجوب‏‎ ‎‏الغیری ، وأمّا بناء علیٰ هذا القول یکون الوجوب مشروطاً بإرادة متعلّقـه .‏

‏ثمّ إنّ هذا الجواب یجری علی ال‏وجـه الثانی‏ أیضاً .‏

وأمّا الوجـه الثالث‏ : الراجع إلی اعتبار قصد التوصّل قیداً للواجب بحیث‏‎ ‎‏یجب تحصیلـه کسائر القیود المعتبرة فی الواجب فهو وإن کان ممکناً فی مقام‏‎ ‎‏الثبوت إلاّ بناء علیٰ ما اعتقده صاحب الکفایـة من أنّ الإرادة لا تکون من الاُمور‏‎ ‎‏الاختیاریـة‏‎[3]‎‏ ، فلایعقل أن تکون متعلّقةً للطلب أصلاً .‏

‏ولکن لایخفیٰ فساد هذا الاعتقاد فإنّـه یمکن للإنسان أن یوجد القصد‏‎ ‎‏المتعلّق ببعض الأشیاء ، نظیر أنّـه إذا سافر الإنسان إلیٰ بلد لایرید إقامـة عشرة‏‎ ‎‏أیّام فیـه ؛ لعدم کون الإقامـة فیها ذا مصلحـة لـه إلاّ أنّـه یعرض لـه بعض الاُمور‏
‎[[page 81]]‎‏المتفرّعـة علیٰ قصدها ، فیقصد ، فإقامـة العشرة وإن لم تکن محبوبةً لـه بالذات إلاّ‏‎ ‎‏أنّها تصیر محبوبةً بالعرض لمحبوبیة تلک الاُمور المتوقّفة علیٰ قصدها ، مثل ما إذا‏‎ ‎‏کانت الصلاة غیر المقصورة محبوبةً لـه دائماً ، فیرید الإقامة لذلک .‏

‏وبالجملـة ، فکون الإرادة من الاُمور غیر الاختیاریـة ممّا لم یعلم لـه وجـه‏‎ ‎‏أصلاً ، کیف والمعتبر فی صحّـة العبادات أن یکون الداعی إلی اتیانها قصد التقرّب ،‏‎ ‎‏فلو لم یکن القصد أمراً اختیاریاً ، لم یکن وجـه لاعتباره فیها ، کما لایخفیٰ فهذا‏‎ ‎‏الوجـه الراجع إلی أخذ قصد التوصّل قیداً للواجب وإن کان ممکناً فی مقام‏‎ ‎‏الثبوت إلاّ أنّـه لا دلیل علیٰ إثباتـه ، کما سیأتی وجهـه عند التکلّم فی مقام‏‎ ‎‏الإثبات إن شاء اللّٰـه تعالیٰ ، فانتظر .‏

‏هذا کلّـه فیما یتعلّق باعتبار قصد التوصّل فی وجوب المقدّمـة .‏

‎ ‎

‎[[page 82]]‎

  • )) مطارح الأنظار : 72 / السطر 9 .
  • )) نفس المصدر : السطر 24 .
  • )) کفایـة الاُصول : 89 .

انتهای پیام /*