حکم العقد المقرون برضا المالک باطناً من دون الإذن
وأمّا البحث الثانی: وهو فیما لو رضی المالک بالعقد باطناً مع عدم ما یظهر رضاه؛ سواء علم العاقد رضاه عند العقد وقبله أو انکشف له بعده أو لم ینکشف وکان راضیاً واقعاً، فقد اختلف فی کونه من الفضولی، أو لا، أو تفصیل بین ما کان العاقد مالکاً غیر مأذون من التصرّف، کالراهن البایع بغیر إذن المرتهن والباکرة الرشیدة إذا عقد نفسها بغیر إذن أبیه، وبین ما کان العاقد غیر مالکٍ ولا مأذون منه. وبعبارة اُخری: التفصیل واقع بین ما کان الإجازة لحصول الاستناد والانتساب للعقد، وبین ما لم تکن إلا لجهة دخالة إذنه فیه مع استناد العقد إلی من له ذلک، فیکون من الفضولی فی الاُولی دون الثانیة.
وقبل الخوض فی المقصود لابدّ من تمهید مقدّمةٍ، وهی أنّ الإجازة هل تکون موجبةً لاستناد العقد إلی المجیز فصار الفعل فعله بها أو لیست شأنها إلا تنفیذ فعل الفضول وإمضاء عمله؟
لا إشکال فی أنّ ماهیة الإجازة وحقیقتها إنّما هی إنفاذ فعل المجاز له وتنفیذ
[[page 440]]أمره ولیست سبباً لصیرورته فاعلاً لما سبق من غیره، ولا فرق فی ذلک بین القول بأنّ العقد بمعناه المصدری یصیر فعله ومستنداً إلیه، وبین القول بأنّه بما هو اسم المصدر والمعنی الحاصل منه کان فعله بالإجازة؛ إذ الحاصل من المصدر کان بفعل غیره ولا یصیر مستنداً إلیه بالإجازة، فشأن الإجازة لیس إلا التنفیذ والإمضاء لما فعله الفضول. وإذا بنینا علی أنّ مفاد الأدلّة هو وجوب الوفاء لکلّ فرد بما هو عقده وبیعه فلا یشمل الأدلّة والإطلاقات لمثل الفضولی الملحوق بالإجازة، فلابدّ لتصحیحه من طریقٍ آخر حتّی یکون علی وفق القواعد، وذلک بأن یقال: معاملة الفضولی معاملة عرفیة عقلائیة دارجة بین العقلاء من الأوّل، وکان دأب الدلالین علیه، ولا یحتاج فی صحّته شرعاً إلی شمول الإطلاقات والأدلّة الإمضائیة، بل یکفی فیها عدم ثبوت ردع الشارع منه بعد ما کان بمرءی ومنظرٍ منه کغیره من الاُمور المصحّحة بذلک، ولم یثبت ردعه فیکون صحیحاً شرعیاً، وعلیه فصحّة بیع الفضولی وتوفیقه للقواعد لا تتوقّف علی ثبوت الاستناد بالإجارة لمشمولیته للأدلّة، بل یکفی فیها عدم ردع الشارع بعد تعارفه بین العقلاء.
ولکن إثبات تعارفه، بحیث یکون بمرءی ومنظر من الشارع مشکل، ولا یکفی فیه الارتکاز العقلائی ما لم یبلغ حدّ العمل، کما نقول به فی مسألة التقلید، حیث لا یصحّ التمسّک بارتکاز العقلاء فی تقلید المیّت ابتداءً برجوعهم إلی الموتی من أهل الخبرة ما لم یثبت عملهم به فی زمانه.
وعلی هذا، فلا یمکن ثبوت عقد الفضولی وصحّته بهذا وعرفت عدم شمول الإطلاقات له؛ لعدم تحقّق ما هو مناط الشمول من الاستناد.
وکالإجازة فی عدم تحقّق الاستناد الإذن السابق من المالک دون التوکیل
[[page 441]]ودون الأمر الموجب له، بأنّهما کانا من التسبیب العقدی والخارجی؛ إذ التوکیل إنّما هو إیکال الأمر إلی الوکیل، فیکون العقد محوّلاً إلیه من المالک، وکذا الأمر موجب لتحقّقه الخارجی، فیکونان من التسبیب فی تحقّقه ووقوعه وهو کالمباشرة مستند إلی المالک.
وأمّا الإذن السابق الذی لیس حقیقته إلا عدم المنع والرضا بفعله فهو أیضاً لا یوجب الاستناد إلیه وصیرورة فعله فعلاً لغیره، کما هو واضح والرضا السابق أو المقارن غیر المبرز أیضاً مثل الإذن فی عدم تحقّق الاستناد بهذا المعنی.
نعم، للعقد الواقع علی ماله مع الإجازة أو الإذن أو الرضا نحو تعلّقٍ وإضافةٍ إلیه، فهو عقد واقع علی ماله مأذون فیه من المالک أو مرضیّ به أو مجاز، وهذا التعلّق والإضافة غیر الاستناد الذی قد نفیناه؛ فإنّ الاستناد ـ بمعنی صیرورة الفعل أو الحاصل منه فعله ـ لیس بموجود هنا، بل الموجود إضافة وتعلّق لما وقع بفعل الفضول إلیه؛ لکونه واقعاً علی ماله ومأذوناً فیه أو مرضیّاً به أو مجازاً ولیس بأجنبیّ عنه کعقد غیره علی ماله.
ویمکن أن یقال بأنّ مفاد أوْفُوا بِالْعُقُودِ وإن لم یکن وجود الوفاء بمطلق العقود ولو کان أجنبیّاً عنه، حتی یقال: بأنّ الوفاء مختلف فوفاء صاحب العقد ومالکه بالالتزام بمضمونه وترتیب الآثار علیه ووفاء غیره الأجنبیّ ترتیب آثار الملک علی ما انتقل إلیه بالعقد.
ولکن لا نقول بانحصاره بالعقود المباشریة الصادرة من المالک ولا هی مع التسببیة الجامعة لعقد الوکیل والمأمور، بل مفاده أعمّ من ذلک کلّه وشامل لکلّ عقدٍ له نحو تعلّق وإضافة إلی المالک من حیث وقوعه علی ماله وکان مجازاً أو مأذوناً فیه أو مرضیّاً به، وعلیه، فالموارد الثلاثة ـ أعنی العقد المأذون فیه
[[page 442]]والمرضیّ به والمجاز ـ داخلة فی عموم أوفوا؛ لأنّ المتفاهم العقلائی منه أعمّ من ذلک، فیجب الوفاء علی کلّ مکلّف بالعقد المتعلّق به الواقع علی ماله وکان مرضیّاً به.
وکذا مفاد تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ أیضاً لیس التجارة الصادرة من المالک، بل مطلق التجارة المتعلّقة به الواقع علی ماله مع التراضی.
وعلی هذا، فالعقد المأذون أو المرضیّ به داخل فی عمومه ولیس من الأکل بالباطل، خصوصاً علی ما حقّقناه فی مفاد الآیة من عدم خصوصیة فی التجارة عن تراضٍ، بل المناط کلّ ما کان حقّاً مقابل الباطل وکان التجارة من أوضح مصادیقه، ولا إشکال فی صدق الأکل بالحقّ علی مثل هذه العقود، وحینئذٍ فالعقد الواقع من غیر المالک القارن لرضاه الباطنی خارج عن الفضولی ومشمول لعمومات الوفاء وإطلاقات الأدلّة کالمأذون فیه. ومعنی خروجه عن الفضولی عدم توقّفه علی الإجازة اللاحقة، ولا فرق فی شمول الإطلاقات بینه وبین الفضولی الملحوق بالإجازة عند لحوقها، ولیس خصوصیة فی الإجازة؛ إذ لو توقّف شمول الإطلاقات علی تحقّق الاستناد فی العقد وصیرورته عقداً له فلا یتحقّق ذلک بالإجازة أیضاً، ولو لم یتوقّف علیه وکان مجرّد الإضافة کافیة فیه، فهی موجودة عند تحقّق الإذن والرضا وعلیه، فلا وجه لتوقّفه علی الإجازة.
[[page 443]]
[[page 444]]