الدلیل الخامس: آیتا القنطار والإفضاء
وقد استدلّ أیضاً بقوله تعالی: «وَإنْ أَرَدتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَکَانَ زَوْجٍ وآتَیْتُمْ إحْدَاهُنَّ قِنْطَاراً فَلاَ تَأْخُذُوا مِنْهُ شَیْئَاً أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَاناً وَإثْمَاً مُبِینَاً * وَکَیْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَی بَعْضُکُمْ إِلَی بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْکُمْ مِیثَاقَاً غَلِیظَاً».
طریق الاستدلال بالاُولی: إفادتها تحقّق الزوجیة والمهر، وإلاّ لما کان أخذه بهتاناً وإثماً مبیناً، وبإلغاء الخصوصیة منه ینسحب الحکم إلی کلّ عقد وقع وتحقّق بأیّ نحو کان.
وبالثانیة یظهر من بیان محتملات الآیة، فنقول: فیها احتمالان:
أحدهما: کون التعجّب معلولاً لإفضاء بعضهم إلی بعض وأخذهنّ المیثاق؛
[[page 136]]بحیث کانت الجهتان مؤثّرتین فی التعجّب من أخذ المهر.
والآخر: تعدّد العلّة؛ وهی الإفضاء، وأخذ المیثاق؛ بأن کان کلّ واحد منهما علّة مستقلّة. وعلی کلّ من الاحتمالین روایات.
والمراد من «الإفضاء» إمّا المواقعة، أو مجرّد الخلوة ورفع الستر، کما هو مدلول الروایات، وإمّا مجرّد المراودة ومقدّمات العقد، فتکون توطئة لأخذ المیثاق.
وأمّا وجه الاستدلال، فهو أنّ أخذ المیثاق علّة مستقلّة لعدم جواز استرجاع المهر، وهذه العلّة جاریة فی جمیع أبواب المعاملات، کالبیع، والإجارة، والصلح، وغیرها؛ إذ یکون المیثاق فی جمیعها میثاقاً غلیظاً، فیستدلّ بها علی عدم جواز الاسترجاع فی المعاطاة من الطرف الآخر، ولازم ذلک صحّتها وتحقّقها؛ فإنّها بیع عرفاً، ومیثاق بالفعل.
ولکنّ الإنصاف عدم دلالة الآیتین علی المقصود؛ إن لم نقل بدلالتهما علی ضدّه:
أمّا الاُولی فظاهر؛ إذ إلغاء الخصوصیة ـ لا سیّما من باب النکاح ـ لیس من المستطاع قبوله، ولیس نظر المستدلّ إلیها، وإنّما نظره إلی الثانیة.
وأمّا الثانیة، فلأنّ مناسبة الحکم والموضوع ـ أعنی جعل المهر لأجل التمتّع بالزوجة، لا لمجرّد العقد ـ وصریح بعض الروایات الصحیحة، یقتضی أن تکون العلّة للحکم شیئین: الإفضاء، وأخذ المیثاق معاً، فلیس کلّ
[[page 137]]منهما مستقلاً ّفی الحکم، فمفادها عدم جواز استرجاع المهر فیما إذا أفضی بعضهم إلی بعض، وأخذ المیثاق معاً، ففی صورة انتفاء أحد الأمرین لا حکم له، فالتصرّف بدون المیثاق وکذا المیثاق بدون التصرّف، لا یوجب حکم عدم الاسترجاع، فالمنع إنّما یکون فی صورة اجتماع الإفضاء وأخذ المیثاق، فالآیة تدلّ علی ضدّ المقصود حتّی فی باب النکاح، فضلاً عن سائر أبواب المعاملات.
مع أنّ أخذ المیثاق خاصّ بباب النکاح؛ إذ لیس فی بیع الخبز مثلاً وأمثاله من أنواع المعاملات، میثاق غلیظ، ولا یقول العرف: بأ نّه أخذ میثاقاً، وأمّا النکاح فلأجل أهمّیته وکثرة الدواعی فیه، یؤخذ فیه المیثاق غلیظاً، بل بأشدّ الغلظة، کیف وقد ورد فی بعض روایات الباب: «المیثاق هی الکلمة التی عقد بها، وأمّا قوله: «غَلیظاً»فهو ماء الرجل یفضیه إلی امرأته»؟!
والحاصل: أنّ مدار الاستدلال بالآیة علی استقلال المیثاق فی العلّیة لحکم عدم جواز الاسترجاع، ومع بطلانه وصیرورته جزء العلّة لا دلالة لها.
[[page 138]]