المبحث الثانی: فی أقسام البیع بحسب الأسباب

الثانیة: فی شمول الحدیث لجمیع التصرّفات

کد : 145208 | تاریخ : 12/12/1395

الثانیة: فی شمول الحدیث لجمیع التصرّفات

‏هل أنّ مفاد الحدیث یطابق قوله ‏‏علیه السلام‏‏: ‏«لا یحلّ لأحد أن یتصرّف فی مال‎ ‎غیره بغیر إذنه»‎[1]‎‏ بحیث کان التصرّف مقدّراً هنا، أو لا؟‏

‏الظاهر أنّ تعلّق عدم الحلّیة بالمال لیس باعتبار مقدّر، بل معناه أ نّه کلّ ما‏‎ ‎‏یکون جائزاً وحلالاً فی المال ـ من الانتفاعات والتقلّبات والتصرّفات؛ مع قطع‏‎ ‎
‎[[page 184]]‎‏النظر عن هذه الروایة ـ کان حراماً من دون رضا مالکه، وکأنّ هنا ادّعاءً؛ وهو أنّ‏‎ ‎‏المال صار بنفسه حراماً، وذلک لأنّه لا معنی لحرمة العین وحلّیتها إلاّ ادّعاءً،‏‎ ‎‏ومنشأ هذا الادّعاء أ نّه إذا لم یکن للمال أثر إلاّ وهو محرّم ولا انتفاع به إلاّ وقد‏‎ ‎‏منع منه، فکأ نّه صار بمنزلة المحرّم بنفسه ادّعاءً، والمصحّح لهذا الادعاء حرمة‏‎ ‎‏جمیع الانتفاعات والتقلّبات والآثار، وأمّا لو کان المحرّم بعضها وکان فیه أثر‏‎ ‎‏حلال معتدّبه، فلا یصحّ ذلک، وحیث إنّ الحرمة هنا قد تعلّقت بالمال بعنوان‏‎ ‎‏المالیة، وکان من آثاره المهمّة فی الانتفاع به النقل والانتقال بعناوین المعاملات،‏‎ ‎‏فبعید غایة البعد إرادة التصرّفات المباشریة فقط، کالأکل والشرب، ورکوب‏‎ ‎‏الدابّة إن کانت، ونحوها؛ إذ لا یصحّ ادعاء حرمة المال بقول مطلق والحال أ نّه‏‎ ‎‏یحلّ الانتفاع به بأنواع المعاملات، کالصلح، والهبة، والإجارة، والبیع، وهکذا.‏

‏وبالجملة: إذا کان للشیء خواصّ شائعة حلال وخواصّ حرام، فلا یصحّ‏‎ ‎‏ادعاء حرمته بقول مطلق، فحرمة الخمر والفقّاع مثلاً ادّعاء، تصحّ فیما إذا حرم‏‎ ‎‏جمیع انتفاعاتهما؛ بحیث صار الاجتناب عنهما مطلقاً واجباً، وما نحن فیه من‏‎ ‎‏هذا القبیل.‏

‏هذا، ولو سلّم أ نّه مجاز فی الحذف ـ بمعنی أنّ عدم الحلّیة اُسند إلی مقدّر ـ‏‎ ‎‏فلا نسلّم تقدیر التصرّفات الحسّیة والمباشریة فقط؛ إذ المقدّر المسند إلی العین‏‎ ‎‏إن کان معلوماً بالقرینة فبها، وإلاّ فمقتضی الإطلاق تقدیر کلّ ما یمکن فیه‏‎ ‎‏الحلّیة والحرمة بالنسبة إلی العین، فیقدّر جمیع الانتفاعات والتقلّبات الواردة‏‎ ‎‏علی المال، ولا تنحصر بالتصرّف المباشری کالأکل والشرب ونحوهما؛ لعدم‏‎ ‎‏قرینة علی تعیّنها بخصوصها، ومع عدمها لا وجه لتقیّده بها، وعلی هذا فالروایة‏‎ ‎‏ـ مع قطع النظر عن القرائن الخارجیة ـ یصحّ التمسّک بها.‏


‎[[page 185]]‎ولا یرد علیه ‏ما أورده الأصفهانی ‏‏قدس سره‏‏ علی دلیل السلطنة: «من أنّ حلّیته‏‎ ‎‏المنوطة بالرضا هی حلّیة التصرّف فی المال، لا حلّیة إزالة إضافة المال‏‎ ‎‏إلیه»‏‎[2]‎‏ .‏

وذلک ‏لأنّ إیراد السلطنة ـ علی فرض تسلیمه ـ مبنی علی عدم سلطنة ‏‎ ‎‏المالک علی إبقاء المال وإزالته، فلا ینافی سلطنة الغیر علی الإزالة لسلطنتها، وأمّا ‏‎ ‎‏هنا فلا معنی لهذا الإیراد؛ إذ مفاد الحدیث عدم حلّیة مال الغیر بالتصرّف فیه؛‏‎ ‎‏تسبیبیاً کان، أو مباشریاً، ولیس هذا منه فی شیء أصلاً.‏

إن قلت:‏ نعم، ولکن تعلّق الحلّ بعنوان ذاتی ـ وهو المال ـ یقتضی التکلیف؛‏‎ ‎‏لمناسبة الحکم لموضوعه، فیقدّر فیه التصرّفات المباشریة التی تجیء فیها‏‎ ‎‏الحرمة التکلیفیة.‏

قلت:‏ قد عرفت أ نّه مبنیّ علی الادعاء، ولیس بصحیح إلاّ علی تقدیر ‏‎ ‎‏عمومیة الحرمة لجمیع آثاره، ومع فرض التقدیر أیضاً لابدّ من کون المقدّر‏‎ ‎‏جمیع الانتفاعات والآثار والتصرّفات؛ لعدم القرینة علی تعیّن خصوص فرد ‏‎ ‎‏منها.‏

‎ ‎

‎[[page 186]]‎

  • ـ کمال الدین: 521/49؛ الاحتجاج 2: 559؛ وسائل الشیعة 9: 540، کتاب الخمس، أبواب الأنفال، الباب 3، الحدیث 7.
  • ـ حاشیة المکاسب، المحقّق الأصفهانی 1: 139.

انتهای پیام /*