حول استدلال الشهید علی اعتبار الموالاة
والمهمّ ما ذهب إلیه الشهید رحمه الله وأوضحه الشیخ قدس سره: «من أنّ المسألة عرفیة عقلائیة، وأنّ الأمر المتدرّج الحصول شیئاً فشیئاً، إذا کانت له صورة اتصالیة فی العرف، فلابدّ فی ترتّب الحکم المعلّق علیه فی الشرع؛ من اعتبار صورته الاتّصالیة، فالعقد المرکّب من الإیجاب والقبول القائم بنفس المتعاقدین، بمنزلة کلام واحد مرتبط بعضه ببعض، فیقدح تخلّل الفصل المخلّ بهیئته الاتّصالیة، ولذا لا تصدق «المعاقدة» إذا کان الفصل طویلاً، کسنة، وسنتین، أو أزید. وانضباطه علی العرف؛ ففی کلّ مورد بحسبه، فیجوز الفصل بین کلّ واحد من الإیجاب والقبول، بما لا یجوز بین کلمات کلّ واحد منهما، ویجوز بین الکلمات بما لا یجوز بین الحروف، کما فی الأذان والقراءة.
وما ذکره حسن لوکان حکم الملک واللزوم فی المعاملة، دائراً مدار صدق «العقد» عرفاً، کما هو قضیة آیة الوفاء، وأمّا لوکان منوطاً بصدق «البیع»
[[page 317]]و«التجارة عن تراضٍ» فلا یضرّه عدم صدق العقد»، انتهی.
أقول: البحث هنا یقع من جهتین:
اُولاهما: أنّ العقد هل یکون من مقولة الألفاظ؛ بحیث کان مثل القراءة والأذان حتّی اعتبرت فیه صورة اتّصالیة عرفاً، أم لا؟
وثانیتهما: أ نّه علی فرض کونه من مقولة المعنی، هل یعتبر فی أسبابه الإنشائیة الموالاة، أم لا؟
أمّا الجهة الاُولی: فلا إشکال فی أ نّه لیس من مقولة الألفاظ عند العرف والعقلاء، فلیس هو شدّ الألفاظ، بل هو نفس المعاهدة والقرار، ولذا یقع بغیر لفظ.
وقوله تعالی: «أوْ یَعْفُوَ الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکَاحِ» لیس المراد منه ألفاظه؛ لعدم عقدة لفظیة بعد مضیّ زمان وقوعه، بل هو أمر اعتباری عقلائی؛ أعنی معاهدة الزوجیة، فأمرها بید الولیّ، وإلاّ فلیس اللفظ المعدوم شیئاً؛ حتّی یکون له صاحب أمر وید.
وأمّا الثانیة: فلا ریب فی أنّ العقلاء، کثیراً ما یتعاملون بالکتب مع تخلّل الفصل الطویل، فیکتب أحدهما القرار المعاملی، ویمهل الآخر إلی حین، وقد یمضیه وینفذه بعد فصل طویل من الزمان. وکذا المعاملات المعاطاتیة؛ تقع کثیراً ما بلا مراعاة الموالاة، فیعطی الثمن، ویأخذ المثمن بعد ساعة أو ساعات.
ولا فرق بین اللفظی، والکتبی، والمعاطاتی منها، فإذا قال الموجب: «بعت هذا بهذا» وبعثه إلی قبوله، وطلب المشتری مهلةً منه لینظر فیه من حیث النفع
[[page 318]]والضرر، فمضت ساعة، ثمّ قال: «قبلت» فلا ریب فی صحّته عند العقلاء؛ وعدم اعتبار إیجاب آخر فیه.
نعم، یعتبر عدم انصراف الموجب عنه، وعدم بلوغ الفصل إلی حدّ ینسی الإیجاب، أو یغفل عنه، فالمناط عند العرف بقاء المعاهدة والقرار المعاملی.
ولیس هو من قبیل القراءة والأذان، فإنّهما من مقولة الألفاظ والأصوات، فالمعتبر بقاء هیئتها الاتّصالیة العرفیة، وأمّا العقد فهو من مقولة المعنی، بمعنی المعاهدة، ولا یخلّ به ما یخلّ باللفظ.
[[page 319]]