إشکال عدم صدق الأداء علی المنافع
وأمّا إشکال عدم صدق الأداء الذی ذکره المحقّق الأصفهانی فی التعلیقة مفصّلاً، ففیه:
أوّلاً: النقض بالمنافع غیر المستوفاة التی لم یأت زمانها، وکانت مورداً للإجارة الفاسدة، فإنّ الاستیلاء بالنسبة إلیها غیر متصوّر؛ لعدم وجودها وتدرّجها، فکما أ نّه یصدق الاستیلاء بتقدیر الوجود، فکذلک الأداء، فإنّه یصحّ اعتباره بتقدیر وجودها، فیندفع الإشکال فی الموردین بقضیة تقدیر وجودها.
وثانیاً: لیست العنایة فی الحدیث ببیان الأداء وکیفیته بجعله قیداً للموضوع، بل یکون ذکره لتحدید الموضوع، کما هو الظاهر من أمثال هذه الترکیبات؛ فإنّ قوله: «حتّی تعلم أ نّه قذر» لبیان موضوع الطهارة الظاهریة وتحدیده بالشکّ،
[[page 393]]فیکون بمنزلة قوله: «کلّ مشکوک طاهر» لا أ نّه قید للموضوع، بخلاف حدیث «علی الید...» فإنّ فعلیة الأداء تجتمع مع الأخذ فی مورد بقاء العین، دون تلفها، والمجتمع هو الشأنیة علی ما ذکره، فکأ نّه قال: «المأخوذ غیر المؤدّی یکون مضموناً علی الآخذ» ومن المعلوم شموله لما لیس قابلاً للأداء.
وکیف یعتبر إمکان الأداء، مع أنّ لازمه أن لا یستفاد منه الضمان إذا تلفت العین؛ لامتناع أدائها مع التلف؟! وقد عرفت وستعرف أ نّه دلیل الضمان عند التلف.
والحاصل: أ نّه لو فرضنا أنّ الخبر ناظر إلی حال الغایة أیضاً ـ حتّی یتقیّد بها موضوع الضمان ـ فلا محالة یتقیّد بإمکان الأداء الفعلی؛ إذ قوله: «تؤدّی» ظاهر فی الأداء الفعلی، ووقوعه غایةً یقتضی ـ بحسب الفرض ـ تقیید المأخوذ بما یمکن فیه الأداء؛ بحیث یدور الضمان الثابت بالخبر مع هذا الإمکان حیثما دار، ومن البیّن أنّ الأداء غیر ممکن إذا تلف، فیلزم عدم دلالة الحدیث علی ضمانه حینئذٍ، کما لا یخفی.
وثالثاً: لو سلّم ما أفاده فی معنی الخبر ـ حتّی لا یشمل بمنطوقه المنافع ـ لکن حیث إنّ المتبادر منه عند العقلاء أنّ تمام العلّة لثبوت المأخوذ علی العهدة، هو نفس أخذه، لا أ نّه جزؤها، وجزؤها الآخر إمکان الأداء، ولا سیّما وأنّ الأخذ تمام موضوع الضمان بحسب ارتکازهم، فبملاحظة هذه الجهة لا ریب فی إلغاء الخصوصیة عرفاً عمّا یمکن فیه الأداء؛ والتعدّی إلی کلّ مال مأخوذ، فهو وإن لم یدلّ علی ضمان المنافع بالمنطوق، إلاّ أ نّه یدلّ علیه بمفهوم الموافقة.
ورابعاً: ما ذکره «من أ نّه لمّا یکون السلب هو سلب المحمول ـ قضاءً للظهور العرفی فی القضیة السالبة ـ فلا یشمل الحدیث المنافع وإن جعل الأداء تحدیدا ً
[[page 394]]للموضوع؛ لأنّ السلب بالنسبة إلیها یکون بسلب الموضوع؛ من جهة عدم بقاء المنافع، وذلک بخلاف الأعیان، فإنّها تکون سالبة بسلب المحمول؛ من جهة ما فیها من شأنیة الأداء» غیر تامّ؛ لأنّ السلب بسلب المحمول، لابدّ وأن یکون مع بقاء ما هو الموضوع فی القضیة، لا مع فرض بقاء موضوع آخر، ومن الظاهر أنّ الموضوع هو نفس العین التی لا تکون باقیةً بعد التلف، فعدم الأداء یکون فیها بسلب الموضوع، وکون العین قابلة للأداء ما دامت موجودة لا یجعل السلب فی زمان تلفها سلباً بانتفاء الموضوع، فلیست القابلیة موضوعاً، بل نفس العین الخارجیة، فعلی هذا یکون السلب دائماً فی الأعیان التالفة بسلب الموضوع.
وخامساً: أنّ ما ذکره فی الجواب عن الإشکال الذی أورده علی نفسه «من أنّ طبیعی المأخوذ وطبیعی مالیته، یتلف بتلف العین؛ من جهة کون الطبیعی متکثّر الوجود فی الخارج» لیس بواقع فی محلّه؛ لأنّ ذلک تامّ بحسب الدقّة العقلیة وبحسب البرهان؛ فإنّ الطبیعی کما یوجد بوجود فرد ما، کذلک ینعدم بانعدام فرد ما، فطبیعی العین ینعدم بانعدام العین الشخصیة، ولکنّ هذا لیس بتامّ بحسب نظر العقلاء وما فی ارتکازهم؛ فإنّ المرتکز فی أذهانهم أ نّها تنعدم بانعدام جمیع الأفراد.
بل هذا الارتکاز أوجب وقوع هذا المعنی فی بعض کلمات بعض الأکابر من فنّ المعقول، ولذلک فقد اُجیب عن الإشکال الذی اُورد علی استصحاب الکلّی من القسم الثانی؛ أی «أنّ ما یحتمل بقاؤه هو الطبیعة الموجودة فی ضمن
[[page 395]]طویل العمر، وهو مشکوک الحدوث، والموجود فی ضمن القصیر مقطوع الارتفاع، فما یحتمل بقاؤه محتمل حدوثه، لا متیقّن، فلیس أحد الأرکان ـ أعنی الیقین السابق ـ محقّقاً».
فإنّه قد اُجیب عنه: «بأنّ وجود الطبیعی مقطوع الإضافة إلی أحد الفردین، کان حدوثه متیقّناً بوجود أحدهما، والآن یشکّ فی بقائه مقطوع الإضافة».
وأنت خبیر: بأ نّه لا یصحّ إلاّ علی أنّ المهملة تنعدم بانعدام جمیع الأفراد، لا بانعدام فرد ما.
فالحاصل: أنّ المعتبر فی معنی الحدیث هنا هو فهم العرف، وهم کیف یفهمون منه ما ذکره قدس سره؟! بل ارتکازهم علی أنّ الطبیعی لا ینعدم إلاّ بانعدام جمیع الأفراد، فهذا النحو من الجواب خروج عن مصبّ فقه الأحادیث وفهمها.
نعم، لو أجاب بأنّ المفهوم منه عرفاً أ نّه مغیّا بأداء الشخص المأخوذ، فیقیّد بإمکان أدائه، وهو لا یتصوّر إلاّ إذا کان الشخص باقیاً غیر تالف، لما کان خروجاً عن طریق فهم المعنی، لکنّه أیضاً محلّ منع؛ إذ أداء المثل أو القیمة من مراتب أداء الشخص المأخوذ عند العقلاء.
[[page 396]]