حا‏ل ا‏لفتوی ا‏لمستندة إ‏لی ا‏لاُصول

کد : 145352 | تاریخ : 15/12/1394

حال الفتوی المستندة إلی الاُصول

‏ ‏

‏وأ مّا إذا استند إلی الاُصول کأصالتی الطهارة والحلّیـة فی الشبهات‏‎ ‎‏الحکمیّـة ، وکالاستصحاب فیها ، وکحدیث الرفع ، فالظاهر هو الإجزاء مع‏‎ ‎‏اضمحلال الاجتهاد .‏

أ‏ ‏مّا فی أصالتی الطهارة والحلّیـة‏ ، فلأنّ الظاهر من دلیلهما هو جعل‏‎ ‎‏الوظیفـة الظاهریّـة لدی الشکّ فی الواقع ، فإنّ معنی قولـه : « ‏کلّ شیء نظیف حتّی‎ ‎تعلم أنّـه قذر‏ »‏‎[1]‎‏ و « ‏کلّ شیء حلال حتّی تعرف أنّـه حرام بعینـه‏ »‏‎[2]‎‏ لیس أنّـه‏‎ ‎‏طاهر وحلال واقعاً حتّی تکون النجاسـة والحرمـة متقیّدتین بحال العلم بهما ،‏‎ ‎‏ضرورة أنّـه التصویب الباطل ، ولا معنی لجعل المحرزیّـة والکاشفیـة للشکّ مع‏‎ ‎‏کونـه خلاف أدلّتهما ، ولا لجعلهما لأجل التحفّظ علی الواقع ، بل الظاهر من‏‎ ‎‏أدلّتهما هو جعل الطهارة والحلّیـة الظاهریتین ، ولا معنی لهما إلاّ تجویز ترتیب‏‎ ‎‏آثار الطهارة والحلّیـة علی المشکوک فیـه ، ومعنی تجویز ترتیب الآثار تجویز‏‎ ‎‏إتیان ما اشترط فیـه الطهارة والحلّیـة مع المشکوک فیـه ، فیصیر المأتی بـه معهما‏‎ ‎‏مصداق المأمور بـه تعبّداً ، فیسقط أمره .‏

‏فإذا دلّ الدلیل علی لزوم إتیان الصلاة مع طهارة الثوب ، ثمّ شکّ فی طهارة‏‎ ‎


‎[[page 488]]‎‏ثوبـه ، دلّ قولـه : « کلّ شیء طاهر » ـ الذی یرجع إلی جواز ترتیب الطهارة علی‏‎ ‎‏الثوب المشکوک فیـه ـ علی جواز إتیان الصلاة معـه وتحقّق مصداق الصلاة بـه ،‏‎ ‎‏فإذا تبدّل شکّـه بالعلم لا یکون من قبیل کشف الخلاف کما ذکرنا فی الأمارات‏‎[3]‎‏ ،‏‎ ‎‏لأنّها کواشف عن الواقع ، فلها واقع تطابقـه أو لا تطابقـه ، بخلاف مؤدّی الأصلین ،‏‎ ‎‏فإنّ مفاد أدلّتهما ترتیب آثار الطهارة أو الحلّیـة بلسان جعلهما ، فتبدیل الشکّ‏‎ ‎‏بالعلم من قبیل تبدیل الموضوع لا التخلّف عن الواقع ، فأدلّتهما حاکمـة علی أدلّـة‏‎ ‎‏جعل الشروط والموانع فی المرکّبات المأمور بها .‏

‏وبالجملـة : إذا أمر المولی بإتیان الصلاة مع الطهارة وأجاز الإتیان بها فی‏‎ ‎‏ظرف الشکّ مع الثوب المشکوک فیـه بلسان جعل الطهارة ، وأجاز ترتیب آثار‏‎ ‎‏الطهارة الواقعیّـة علیـه ، ینتج جواز إتیان الصلاة المأمور بها مع الطهارة الظاهریّـة‏‎ ‎‏ومعاملـة المکلّف معها معاملـة الطهارة الواقعیّـة ، فیفهم العرف من ذلک حصول‏‎ ‎‏مصداق المأمور بـه معها ، فیسقط الأمر ، وبعد العلم بالنجاسـة لا یکون من قبیل‏‎ ‎‏کشف الخلاف کما فی الأمارات الکاشفـة عن الواقع .‏

ولا یبعد أن یکون الأمر کذلک فی الاستصحاب‏ ، فإنّ الکبری المجعولـة فیـه‏‎ ‎‏وهی قولـه : « ‏لا ینبغی لک أن تنقض الیقین بالشکّ أبداً‏ »‏‎[4]‎‏ لیس مفادها جعل‏‎ ‎‏الیقین أمارة بالنسبـة إلی زمان الشکِّ، ضرورة عدم کاشفیّتـه بالنسبـة إلیـه عقلاً ،‏‎ ‎‏لامتناع کونـه طریقاً إلی غیر متعلّقـه ، ولا معنی لجعلـه طریقاً إلی غیره ، فلا یکون‏‎ ‎


‎[[page 489]]‎‏الاستصحاب من الأمارات ، بل ولا یکون جعلـه للتحفّظ علی الواقع کإیجاب‏‎ ‎‏الاحتیاط فی الشبهـة البدویّـة فی الأعراض والدماء ، فإنّـه أیضاً خلاف مفادها‏‎ ‎‏وإن احتملناه بل رجّحناه سابقاً ، بل الظاهر منها أنّـه لا ینبغی للشاکّ الذی کان‏‎ ‎‏علی یقین رفع الید عن آثاره ، فیجب علیـه ترتیب آثاره ، فیرجع إلی وجوب‏‎ ‎‏معاملـة بقاء الیقین الطریقی معـه فی زمان الشکِّ، وهو مساوق عرفاً لتجویز إتیان‏‎ ‎‏المأمور بـه المشروط بالطهارة الواقعیّـة مثلاً مع الطهارة المستصحبـة ، ولازم ذلک‏‎ ‎‏صیرورة المأتی بـه معها مصداقاً للمأمور بـه ، فیسقط الأمر المتعلّق بـه .‏

‏وبالجملـة : یکون حالـه فی هذا الأثر کحال أصالتی الطهارة والحلِّ؛ من‏‎ ‎‏حیث کونـه أصلاً عملیّاً ووظیفةً فیزمان الشکِّ، لا أمارة علی الواقع ، ولا أصلاً‏‎ ‎‏للتحفّظ علیـه حتّی یأتی فیـه کشف الخلاف ، ویدلّ علی ذلک صحیحـة زرارة‏‎ ‎‏الثانیـة‏‎[5]‎‏ حیث حکم فیها بغسل الثوب وعدم إعادة الصلاة ، معلّلاً بأنّـه کان علی‏‎ ‎‏یقین فی طهارتـه فشکِّ، ولیس ینبغی لـه أن ینقض الیقین بالشکِّ.‏

وکذا الحال فیما إذا کان المستند حدیث الرفع‏ ، فإنّ قولـه : « ‏رفع ما‎ ‎لا‏ ‏یعلمون‏ »‏‎[6]‎‏ ـ بناءً علی شمولـه للشبهات الحکمیّـة والموضوعیّـة ـ لسانـه رفع‏‎ ‎‏الحکم والموضوع باعتبار الحکم ، لکن لابدّ من رفع الید عن هذا الظاهر حتّی‏‎ ‎‏بالنسبـة إلی الشبهات الموضوعیـة ، لأنّ لازمـه طهارة ما شکّ فی نجاستـه‏‎ ‎


‎[[page 490]]‎‏موضوعاً واقعاً ، ولا یمکن الالتزام بطهارة ملاقیـه فی زمان الشکّ بعد کشف‏‎ ‎‏الخلاف ، فلابدّ من الحمل علی البناء العملی علی الرفع وترتیب آثار الرفع‏‎ ‎‏الواقعی ، فإذا شکّ فی جزئیـة شیء فی الصلاة أو شرطیّتـه لها أو مانعیّتـه فحدیث‏‎ ‎‏الرفع یدلّ علی رفع الجزئیّـة والشرطیّـة والمانعیّـة ، فحیث لا یمکن الالتزام‏‎ ‎‏بالرفع الحقیقی لا مانع من الالتزام بالرفع الظاهری ، نظیر الوضع الظاهری فی‏‎ ‎‏أصالتی الطهارة والحلّیـة ، فیرجع إلی معاملـة الرفع فی الظاهر وجواز إتیان‏‎ ‎‏المأمور بـه کذلک ، وصیرورة المأتی بـه مصداقاً للمأمور بـه بواسطـة حکومـة‏‎ ‎‏دلیل الرفع علی أدلّـة الأحکام .‏

‏فتحصّل من جمیع ما ذکرنا : أنّ التحقیق هو التفصیل بین الأمارات‏‎ ‎‏والاُصول کما علیـه المحقّق الخراسانی  ‏‏رحمه الله‏‎[7]‎‏ .‏

‏هذا کلّـه بحسب مقام الإثبات وظهور الأدلّـة ، وأ مّا بحسب مقام الثبوت‏‎ ‎‏فلابدّ من توجیهـه بوجـه لا یرجع إلی التصویب الباطل .‏

‏ثمّ إنّـه ظهر ممّا ذکرنا أنّ القائل بالإجزاء لا یلتزم بالتصرّف فی أحکام‏‎ ‎‏المحرّمات والنجاسات ، ولا یقول بحکومـة أدلّـة الاُصول علی أدلّـة الأحکام‏‎ ‎‏الواقعیّـة التی هی فی طولها ، ولیس محطّ البحث فی باب الإجزاء بأدلّـة اُصول‏‎ ‎‏الطهارة والحلّیـة والاستصحاب هو التضیـیق أو التوسعـة فی أدلّـة النجاسات‏‎ ‎‏والمحرّمات حتّی یقال : إنّ الأمارات والاُصول وقعت فی رتبـة إحراز الأحکام‏‎ ‎‏الواقعیّـة ، والحکومـة فیها غیر الحکومـة بین الأدلّـة الواقعیّـة بعضها مع بعض ،‏‎ ‎‏وإنّ لازم ذلک هو الحکم بطهارة ملاقی النجس الواقعی إذا لاقی فی زمان الشکِّ. . .‏‎ ‎


‎[[page 491]]‎‏وغیر ذلک ممّا وقع من بعض الأعاظم علی ما فی تقریرات بحثـه‏‎[8]‎‏ ، بل محطّ‏‎ ‎‏البحث هو أنّ أدلّـة الاُصول الثلاثـة هل تدلّ بحکومتها علی أدلّـة الأحکام علی‏‎ ‎‏تقحّق مصداق المأمور بـه تعبّداً حتّی یقال بالإجزاء أم لا ؟‏

‏هذا مع بقاء النجاسات والمحرّمات علی ما هی علیها من غیر تصرّف فی‏‎ ‎‏أدلّتها ، فالشکّ فی الطهاره والحلّیـة بحسب الشبهـة الحکمیّـة إنّما هو فی طول‏‎ ‎‏جعل النجاسات والمحرّمات ، لا فی طول جعل الصلاة مشروطةً بطهارة ثوب‏‎ ‎‏المصلّی وبکونـه من المأکول ، والخلط بین المقامین أوقعـه فیما أوقعـه ، وفی‏‎ ‎‏کلامـه محالّ أنظار ترکناها مخافـة التطویل .‏

‏ثمّ إنّ هذا کلّـه حال المجتهد بالنسبـة إلی تکالیف نفسـه .‏

‎ ‎

‎[[page 492]]‎

  • )) تهذیب الأحکام 1 : 284 / 832 ، وسائل الشیعـة 3 : 467 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحدیث 4 .
  • )) الکافی 5 : 313 / 40 ، وسائل الشیعـة 17 : 89 ، کتاب التجارة ، أبواب ما یکتسب بـه ، الباب 4 ، الحدیث 4 ، مع اختلاف یسیر .
  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 422 ـ 423 .
  • ))  تهذیب الأحکام 1 : 421 / 1335 ، وسائل الشیعـة 3 : 466 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحدیث 1 .
  • ))  تهذیب الأحکام 1 : 421 / 1335 ، وسائل الشیعـة 3 : 466 ، کتاب الطهارة ، أبواب النجاسات ، الباب 37 ، الحدیث 1 .
  • )) الخصال : 417 / 9 ، التوحید : 353 / 24 ، وسائل الشیعـة 15 : 369 ، کتاب الجهاد ، أبواب جهاد النفس ، الباب 56 ، الحدیث 1 .
  • )) کفایـة الاُصول : 110 .
  • )) فوائد الاُصول ( تقریرات المحقّق النائینی ) الکاظمی 1 : 249 ـ 251 .

انتهای پیام /*