الاستدلال علی التخییر بین المتساویین بأدلّة العلاج
وقد یتمسّک للتخیـیر فی المتساویـین بأدلّـة علاج المتعارضین کموثّقـة سماعـة عن أبی عبداللّٰه علیه السلام قال : سألتـه عن رجل اختلف علیـه رجلان من أهل دینـه فی أمر کلاهما یرویـه ، أحدهما یأمر بأخذه ، والآخر ینهاه عنـه ، کیف یصنع ؟ قال : « یرجئـه حتّی یلقی من یخبره ، فهو فی سعـة حتّی یلقاه » .
تقریبـه : أنّ التخالف بینهما لا یتحقّق بصرف نقل الروایـة مع عدم الجزم بمضمونها ، ومعـه مساوق للفتوی ، فاختلاف الرجلین إنّما هو فی الفتوی ، ویشهد لـه قولـه : « أحدهما یأمر بأخذه والآخر ینهاه » . وهذا لا ینطبق علی صرف الروایـة والحکایـة ، فلابدّ من الحمل علی الفتوی ، فأجاب علیه السلام بأنّـه فی سعـة ومخیّر فی الأخذ بأحدهما .
بل یمکن التمسّک بسائر أخبار التخیـیر فی الحدیثین المختلفین بإلغاء الخصوصیـة ، فإنّ الفقیـه أیضاً یکون فتواه محصّل الأخبار بحسب الجمع والترجیح ، فاختلاف الفتوی یرجع إلی اختلاف الروایـة ، هذا .
وفیـه ما لا یخفی :
أ مّا التمسّک بموثّقـة سماعـة ، ففیـه أنّ قولـه : « یرجئـه حتّی یلقی من یخبره » معناه : یؤخّره ولا یعمل بواحد منهما ، کما صرّح بـه فی روایتـه الاُخری ، والمظنون أنّهما روایـة واحدة ، ومعنی « الإرجاء » لغةً وعرفاً هو
[[page 471]]تأخیر الشیء ، فقولـه بعد ذلک : « فهو فی سعـة » . لیس معناه أنّـه فی سعـة فی الأخذ بأ یّهما شاء کما أفاد المستدلِّ، بل المراد أنّـه فی سعـة بالنسبـة إلی نفس الواقعـة ، ومحصّلـه : أنّ الروایتین أو الفتوائین لیستا بحجّـة ، فلا تعمل بواحدة منهما ، ولکنّـه فی سعـة فی الواقعـة ، فلـه العمل علی طبق الاُصول ، فهی علی خلاف المطلوب أدلِّ.
وأ مّا دعوی إلغاء الخصوصیّـة وفهم التخیـیر من الأخبار الواردة فی الخبرین المتعارضین ، ففیـه : مع الغضّ عن فقدان روایـة دالّـة علی التخیـیر جامعـة للحجّیـة کما مرّ فی باب التعارض ، أنّ إلغاء الخصوصیّـة عرفاً ممنوع ، ضرورة تحقّق الفرق الواضح بین اختلاف الأخبار واختلاف الآراء الاجتهادیّـة ، فما أفاد من شمول روایات العلاج لاختلاف الفتاوی محل منع ، مع أنّ لازمـه إعمال مرجّحات باب التعارض فیها ، وهو کما تری .
فتحصّل من جمیع ما ذکرناه : أنّـه لیس فی أخبار الباب ما یستفاد منـه ترجیح قول الأعلم عند التعارض لغیره ، ولا تخیـیر الأخذ بأحد المتساویـین ، فلا محیص إلاّ العمل بالاُصول الأوّلیـة لولا تسالم الأصحاب علی عدم وجوب الاحتیاط ومع هذا التسالم لا محیص عن الأخذ بقول الأعلم ، لدوران الأمر بین التعیـین والتخیـیر مع کون وجوبـه أیضاً مورد تسالمهم ، کما أنّ الظاهر تسالمهم علی التخیـیر بین الأخذ بفتوی أحد المتساویـین وعدم وجوب الاحتیاط أو الأخذ بأحوط القولین .
[[page 472]]