تنبیه : فی تحقّق معنی الزیادة
لا یخفی أنّ المحقّق النائینی قدس سره أفاد فی مقام بیان النسبـة بین حدیث « لاتعاد » وبین قولـه علیه السلام : « إذا استیقن » کلاماً فساده بیّن لکلّ من لاحظـه ، فراجع . وأعجب منـه ما قرّره الفاضل المقرّر فی ذیل التکملـة .
ومحصّل ما أفاده فیـه : أنّـه لا إشکال فی عدم تحقّق معنی الزیادة بفعل ما لا یکون من سنخ أجزاء المرکّب قولاً وفعلاً کحرکـة الید فی الصلاة إذا لم یؤت بها
[[page 266]]بقصد الجزئیّـة . وأمّا لو قصد بها الجزئیّـة فالأقوی البطلان ، لصدق الزیادة علی ذلک . هذا إذا لم تکن الزیادة من سنخ الأجزاء ، وإن کانت من سنخها فإن کانت من سنخ الأقوال فیعتبر فی صدق الزیادة علیها قصد الجزئیـة بها ، وإلاّ کان ذلک من الذکر والقرآن الغیر المبطل ، وإن کان من سنخ الأفعال فالظاهر أنّـه لا یعتبر فی صدق الزیادة علیها قصد الجزئیّـة ، فإنّ السجود الثالث یکون زیادة فی العدد المعتبر من السجود فی الصلاة فی کلّ رکعـة ولو لم یقصد بالسجود الثالث الجزئیّـة .
نعم لایبعد عدم صدق الزیادة مع قصد الخلاف ، کما إذا قصد بـه سجدة العزیمـة أو الشکر .
هذا ، ولکن یظهر من التعلیل الوارد فی بعض الأخبار الناهیـة عن قراءة العزیمـة فی الصلاة من أنّ السجود زیادة فی المکتوبـة أنّـه لا یعتبر فی صدق الزیادة عدم قصد الخلاف ، بل الإتیان بمطلق ما کان من سنخ أفعال الصلاة یکون زیادة فی المکتوبـة ، فیکون المنهی عنـه فی باب الزیادة معنی أعمّ من الزیادة العرفیّـة .
ولکن یمکن أن یقال : إنّ المقدار الذی یستفاد من التعلیل هو صدق الزیادة علی الفعل الذی لا یکون لـه حافظ وحدة ولم یکن بنفسـه من العناوین المستقلّـة ، وأمّا إذا کان من العناوین المستقلّـة ـ کما إذا أتی المکلّف بصلاة اُخری فی أثناء صلاة الظهر ـ فالظاهر أنّـه لا یندرج فی التعلیل ، لأنّ السجود والرکوع المأتی بهما لصلاة اُخری لا دخل لهما بصلاة الظهر ، ویؤیّد ذلک بل یدلّ علیـه
[[page 267]]ما ورد فی بعض الأخبار من أنّـه لو ضاق وقت صلاة الآیات وخاف المکلّف أنّـه لو أخّرها إلی أن یفرغ من الصلاة الیومیّـة یفوت وقتها ، صلّی الآیات فی أثناء صلاة الیومیـة ، وبعد الفراغ یبنی علیها ویتمّها ، ولیس ذلک إلاّ من جهـة عدم کون ذلک زیادة فی الصلاة الیومیـة .
وحینئذٍ : یمکن التعدّی عن مورد النصّ إلی عکس المسألـة ، وهو ما إذا تضیّق وقت صلاة الیومیّـة فی أثناء صلاة الآیات . فیمکن أن یقال : أنّـه یأتی بالیومیـة فی أثناء صلاة الآیات ولا تبطل بذلک ، فإنّ بطلان صلاة الآیات إمّا أن یکون لأجل الزیادة ، وإمّا لأجل فوات الموالاة . أمّا الزیادة : فالمفروض عدم صدقها علی مـا کان لـه عنوان مستقلِّ. وأمّـا فـوات الموالاة : فلا ضیر فیـه إذا کان ذلک لأجل تحصیل واجب أهمِّ. وعلی ذلک یبتنی جواز الإتیان بسجدتی السهو مـن صلاة فی أثناء صلاة اُخری إذا سهی المکلّف عنهما فی محلّهما وتذکّر بعدما شرع فی صلاة اُخری بناءً علی وجوب سجود السهو فوراً ، انتهی .
ویرد علیـه أوّلاً : أنّ ما ذکره من توقّف صدق عنوان الزیادة علی أن لا یکون الزائد بنفسـه من العناوین المستقلّـة مجرّد ادّعاء بلا بیّنـة وبرهان ، لأنّـه لا فرق فی نظر العرف فی صدق هذا العنوان بین الإتیان فی أثناء صلاة بسجدة ثالثـة ، أو بصلاة اُخری مستقلّـة ومشتملـة علی أربع سجدات لا محالـة لو لم نقل بأوضحیّـة الصدق فی الثانی ، کما هو واضح .
[[page 268]]نعم قد عرفت أنّـه یعتبر فی صدق الزیادة أن یکون الإتیان بالزائد بقصد الجزئیّـة ، وأنّ التعلیل الوارد فی بعض الأخبار الناهیـة عن قراءة العزیمـة فی الصلاة الدالّ علی أنّ السجود زیادة مع أنّـه لم یقصد بـه الجزئیّـة ، لابدّ من تأویلـه .
وثانیاً : سلّمنا اعتبار کون عدم الزائد من العناوین المستقلّـة ، ولکن نقول بأنّ سجدة العزیمـة أیضاً لها عنوان مستقلّ غیر مرتبط بالصلاة التی هی فیـه ، ولا فرق بینها وبین الإتیان بصلاة اُخری مستقلّـة أصلاً .
نعم لا ننکر أنّها وجبت بسبب قراءة آیـة السجدة التی هی جزء من السورة التی هی جزء للصلاة .
ولکن نقول : إنّ قراءة آیـة السجدة سبب لوجوبها والمسبّب مغایر للسبب ولـه عنوان مستقلِّ، کما هو واضح .
وثالثاً : أنّـه لو سلّمنا الفرق بین سجدة العزیمـة وبین صلاة اُخری مستقلّـة فلا نسلّم الفرق بینها وبین سجدتی السهو ، حیث یجوز الإتیان بهما فی أثناء صلاة اُخری دونها مستنداً إلی عدم کونهما من الزیادة بخلاف السجدة .
ورابعاً : أنّ ما أفاده من أنّـه ورد فی بعض الأخبار . . . إلی آخره ، فهو اشتباه محض ، لأنّ بعض الأخبار إنّما ورد فی عکس المسألـة الذی احتمل إمکان التعدّی عن مورد النصّ إلیـه ، وهو ما إذا تضیّق وقت صلاة الیومیـة فی أثناء صلاة الآیات ، فإنّـه قد ورد أنّـه یجوز رفع الید عن صلاة الآیات والإتیان بالیومیّـة فی
[[page 269]]أثنائها ، ثمّ البناء علی ما مضی من صلاة الآیات . ولکن لا یخفی أنّـه لا یجوز التعدّی عن مورد النصّ بعد احتمال أن یکون لصلاة الآیات خصوصیّـة موجبـة لجواز الإتیان بالفریضـة الیومیّـة فی أثنائها .
وکیف کان : فهذه الاشتباهات التی یترتّب علیها اُمور عظیمـة إنّما منشؤها الاعتماد علی الحافظـة الموجب لعدم المراجعـة إلی کتب الأخبار ومثلها .
ومن هنا تری أنّ حدیثاً واحداً صار منقولاً فی الکتب الفقهیّـة بوجوه مختلفـة وعبارات متشتّتـة ، ولیس منشؤها إلاّ مجرّد الاعتماد علی الحفظ ، مع أنّـه منشأ لفهم حکم اللّٰه ، فیختلف الفتاوی بسببـه ویقع جمع کثیر فی الخطأ والاشتباه ، فاللازم علی المحصّل الطالب للوصول إلی الحقّ أن لا یعتمد فی استنباط الحکم الشرعی علی خلفـه ، بل یراجع مظانّـه کرّة بعد کرّة حتّی لا یقع فی الخطأ والنسیان الذی لا یخلو منـه الإنسان ، ونسأل اللّٰه أن لا یؤاخذنا بما أخطأنا أو نسینا .
[[page 270]]