فیما یدلّ علی عدم وجوب ا‏لاحتیاط فی ا‏لشبهة غیر ا‏لمحصورة

کد : 145504 | تاریخ : 16/12/1394

فیما یدلّ علی عدم وجوب الاحتیاط فی الشبهة غیر المحصورة

‏ ‏

‏ثمّ إنّـه تدلّ علی عدم وجوب الاحتیاط فیها وجوه :‏

منها‏ : دعوی الإجماع بل الضرورة من غیر واحد من الأعلام ‏‏قدس سرهم‏‎[1]‎‏ .‏

ومنها‏ : الأخبار الکثیرة الدالّـة علی عدم وجوب الاحتیاط فی مطلق‏‎ ‎‏الشبهات المقرونـة بالعلم الإجمالی أو خصوص الغیر المحصورة منها ،‏‎ ‎‏کصحیحـة عبداللّٰه بن سنان المتقدّمـة‏‎[2]‎‏ عن أبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ قال : « ‏کلّ شیء‎ ‎فیـه حلال وحرام فهو لک حلال أبداً حتّی تعرف الحرام منـه بعینـه‏ » .‏

‏وقد عرفت ظهورها فی الشبهـة المقرونـة بالعلم الإجمالی ، وهی وإن‏‎ ‎‏کانت شاملـة للمحصورة أیضاً ، إلاّ أنّـه لابدّ من تقیـیدها وحملها علی غیر‏‎ ‎‏المحصور .‏

‏ودعوی أنّ ذلک حمل علی الفرد النادر مدفوعـة جدّاً ؛ لمنع کون الشبهـة‏‎ ‎‏الغیر المحصورة قلیلـة نادرة بالنسبـة إلی المحصورة لو لم نقل بکونها أکثر ، کما‏‎ ‎‏یظهر لمن تدبّر فی أحوال العرف .‏

‏ومنـه یظهر الخلل فیما أفاده الشیخ الأنصاری فی الرسالـة فی مقام‏‎ ‎‏الجواب عن الاستدلال بالأخبار الدالّـة علی حلّیـة کلّ ما لم یعلم حرمتـه من أنّ‏‎ ‎‏هذه الأخبار نصّ فی الشبهـة البدویّـة ، وأخبار الاجتناب نصّ فی الشبهـة‏‎ ‎‏المحصورة ، وکلا الطرفین ظاهران فی الشبهـة الغیر المحصورة ، فإخراجها عن‏‎ ‎


‎[[page 132]]‎‏أحدهما وإدخالها فی الآخر لیس جمعاً بل ترجیحاً بلا مرجّح‏‎[3]‎‏ .‏

‏وجـه الخلل : ما عرفت من ظهور مثل الصحیحـة فی خصوص الشبهـة‏‎ ‎‏المقرونـة بالعلم الإجمالی ، لأنّ الشیء الذی فیـه الحلال والحرام هو عبارة عن‏‎ ‎‏المختلط بهما والشبهـة البدویّـة لا تکون کذلک .‏

‏وحینئذٍ : فبعد إخراج الشبهـة المحصورة ـ لحکم العقلاء باستلزام الإذن فی‏‎ ‎‏الارتکاب فیها للإذن فی المعصیـة ، وهو مضافاً إلی قبحـه غیر معقول کما عرفت ـ‏‎ ‎‏تبقی الشبهـة الغیر المحصورة باقیـة تحتها . هذا مضافاً إلی أنّـه لو سلّمنا‏‎ ‎‏الشمول للشبهـة البدویّـة فکونها نصّاً فیها وظاهراً فی الشبهـة الغیر المحصورة‏‎ ‎‏محلّ نظر ، بل منع ، کما لایخفی .‏

‏ویدلّ علی ما ذکرنا أیضاً ما رواه البرقی فی محکی المحاسن عن‏‎ ‎‏أبی الجارود قال : سألت أبا جعفر ‏‏علیه السلام‏‏ عن الجبن فقلت : أخبرنی من رأی أنّـه‏‎ ‎‏یجعل فیـه المیتـة ، فقال : « ‏أمن أجل مکان واحد یجعل فیـه المیتـة حـرم جمیع‎ ‎ما فی الأرض‏ ؟ ‏! إذا علمت أنّـه میتـة فلا تأکلـه‏ ‏، وما لم تعلم فاشتر وبِع وکُل‏ ‏،‎ ‎واللّٰه إنّی لأعترض السوق فأشتری اللحم والسمن والجبن‏ ‏، واللّٰه ما أظنّ کلّهم‎ ‎یسمّون‏ ‏، هذه البربر وهذه السودان‏ »‏‎[4]‎‏ . فإنّـه لو اُغمض النظر عن المناقشـة فی‏‎ ‎‏السند وکذا فی المضمون من جهـة صدورها تقیّـة ـ لما عرفت سابقاً من عدم‏‎ ‎‏حرمـة الجبن الذی علم تفصیلاً بوضع الأنفحـة من المیتـة فیـه عند علمائنا‏‎ ‎


‎[[page 133]]‎‏الإمامیّـة رضوان اللّٰه علیهم ، خلافـاً للعامّـة العمیاء ، والروایـة مقـرّرة لهذا‏‎ ‎‏الحکم ـ تکون دلالتها علی عدم وجوب الاجتناب فـی الشبهـة الغیر المحصورة‏‎ ‎‏واضحـة .‏

‏وما ادّعاه الشیخ ‏‏قدس سره‏‏ فی الرسالـة من أنّ المراد أنّ جعل المیتـة فی الجبن‏‎ ‎‏فی مکان واحد لا یوجب الاجتناب عن جبن غیره من الأماکن ، ولا کلام فی ذلک ،‏‎ ‎‏لا أنّـه لا یوجب الاجتناب عن کلّ جبن یحتمل أن یکون من ذلک المکان ،‏‎ ‎‏فلا دخل لـه بالمدّعی‏‎[5]‎‏ فیـه نظر واضح ؛ لأنّ الحکم بعدم وجوب الاجتناب عن‏‎ ‎‏الجبن فی مکان مع العلم بعدم کونـه من الأمکنـة التی توضع فیها المیتـة فی‏‎ ‎‏الجبن ممّا لا ینبغی أن یصدر من الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ، ولا أن یقع مورداً للشکِّ، کما‏‎ ‎‏هو واضح .‏

‏بل الظاهر أنّ المراد أنّ مجرّد احتمال کون الجبن موضوعاً فیـه المیتـة‏‎ ‎‏وأنّـه من الجبن المنقولـة من الأمکنـة التی یوضع فیها المیتـة فی الجبن‏‎ ‎‏لا یوجب الاجتناب عن کلّ جبن ، وهذا هو المطلوب فی باب الشبهـة الغیر‏‎ ‎‏المحصـورة ، کما أنّ قولـه ‏‏علیه السلام‏‏ : « ‏ما أظنّ کلّهم یسمّون‏ » ، ظاهـر فـی أنّ العلم‏‎ ‎‏بعدم تسمیـة جماعـة حین الذبح کالبربر والسودان لا یوجب الاجتناب عـن‏‎ ‎‏جمیع اللحوم . ودعوی أنّ المراد منـه عدم وجوب الظنّ أو القطع بالحلّیـة ، بل‏‎ ‎‏یکفی أخذها من سوق المسلمین ـ کما فی الرسالـة‏‎[6]‎‏ غریبـة جدّاً ومخالفـة‏‎ ‎‏للظاهر قطعاً .‏


‎[[page 134]]‎‏ثمّ إنّـه یدلّ علی عدم وجوب الاجتناب فی الشبهـة الغیر المحصورة‏‎ ‎‏الروایات الکثیرة الاُخر التی جمعها المحقّق الطباطبائی فی حاشیتـه علی‏‎ ‎‏المتاجر فی باب جوائز السلطان ، مثل صحیحـة الحلبی عن أبی عبداللّٰه ‏‏علیه السلام‏‏ قال :‏‎ ‎‏« ‏أتی رجل أبی ‏علیه السلام‏‏ ‏، فقال‏ ‏: إنّی ورثت مالاً وقد علمت أنّ صاحبـه الذی ورثتـه‎ ‎منـه قد کان یربی‏ ‏، وقد أعرف أنّ فیـه رباً وأستیقن ذلک ولیس یطیب لی حلالـه‏ ‏،‎ ‎لحال علمی فیـه‏ . . ‏. إلی أن قال‏ ‏: فقال أبو‏ ‏جعفر ‏علیه السلام‏‏ ‏: إن کنت تعلم بأنّ فیـه مالاً‎ ‎معروفاً رباً وتعرف أهلـه فخذ رأس مالک وردّ ما سوی ذلک‏ ‏، وإن کان مختلطاً‎ ‎فکلـه هنیئاً‏ ‏، فإنّ المال مالک‏ »‏‎[7]‎‏ . وغیرها من الروایات الاُخر من أراد الاطّلاع‏‎ ‎‏علیها فلیراجع الحاشیـة‏‎[8]‎‏ .‏

ومنها‏ : ما أفاده المحقّق المعاصر فی کتاب الدرر‏‎[9]‎‏ ، وتوضیحـه : أنّ تنجّز‏‎ ‎‏التکلیف عند العقلاء عبارة عن کونـه بحیث یصحّ للمولی الاحتجاج بـه علی العبد‏‎ ‎‏والمؤاخذة علی مخالفتـه ، وهذا المعنی غیر متحقّق فی الشبهـة الغیر المحصورة ،‏‎ ‎‏لأنّ احتمال الحرام قد بلغ من الضعف إلی حدّ لا یکون مورداً لاعتناء العقلاء‏‎ ‎‏واعتمادهم علیـه ، بل ربّما یعدّون من ترتّب الأثر علی هذا النحو من الاحتمال‏‎ ‎‏سفیهاً خارجاً عن الطریقـة العقلائیّـة ، ألا تری أنّ من کان لـه ولد فی بلد عظیم‏‎ ‎‏کثیر الأهل ، فسمع وقوع حادثـة فی ذلک البلد منتهیـة إلی قتل واحد من أهلـه ، لو‏‎ ‎


‎[[page 135]]‎‏ترتّب الأثر علی مجرّد احتمال کون المقتول هو ولده فأقام بالتعزیـة والتضرّع یعدّ‏‎ ‎‏مذموماً عند العقلاء مورداً لطعنهم ، بل لو کان مثل هذا الاحتمال سبباً لترتیب‏‎ ‎‏الأثر علیـه لانسدّ باب المعیشـة وسائر الأعمال ، کما هو واضح .‏

‏وبالجملـة : فالتکلیف وإن کان معلوماً لدلالـة الإطلاق علیـه أو نهوض‏‎ ‎‏أمارة شرعیّـة علی ثبوتـه ، إلاّ أنّ فی کل واحد من الأطراف أمارة عقلائیـة علی‏‎ ‎‏عدم کونـه هو المحرّم الواقعی ، لأنّ احتمالـه مستهلک فی ضمن الاحتمالات‏‎ ‎‏الکثیرة علی حسب کثرة الأطراف ، ومع بلوغـه إلی هذا الحدّ یکون عند العقلاء‏‎ ‎‏بحیث لا یکون قابلاً للاعتناء أصلاً . وحینئذٍ فیجوز ارتکاب جمیع الأطراف مع‏‎ ‎‏وجود هذه الأمارة العقلائیّـة بالنسبـة إلی الجمیع ، هذا .‏

‏ولکنّ المحقّق المزبور بعد توجیهـه جواز الارتکاب بما یرجع إلی ذلک‏‎ ‎‏قال : ولکن فیما ذکرنا أیضاً تأمّل ، فإنّ الاطمئنان بعدم الحرام فی کلّ واحد واحد‏‎ ‎‏بالخصوص کیف یجتمع مع العلم بوجود الحرام بینها وعدم خروجـه عنها ، وهل‏‎ ‎‏یمکن اجتماع العلم بالموجبـة الجزئیـة مع الظنّ بالسلب الکلّی ؟‏‎[10]‎‏ انتهی .‏

‏ولکن لا یخفی أنّ هذه الشبهـة إنّما تـتمّ لو کان متعلّق الاطمئنان متّحداً مع‏‎ ‎‏متعلّق العلم ، ولکنّـه لیس کذلک ، لأنّ المعلوم هو وجود الحرام بین هذه الأطراف ،‏‎ ‎‏ومتعلّق الاطمئنان هو خروج کلّ واحد منها بالقیاس إلی غیرها ، فحصل‏‎ ‎‏الاختلاف بین المتعلّقین . کیف ولو لم یمکن اجتماعهما لأجل التنافی یلزم ذلک فی‏‎ ‎‏الشبهـة المحصورة أیضاً ، فإنّـه کیف یجتمع العلم بوجود الحرام بین الإنائین مع‏‎ ‎‏الشکّ فی کلّ واحد منهما أنّـه هو المحرّم ، ومن المعلوم ثبوت التنافی بین العلم‏‎ ‎


‎[[page 136]]‎‏بالموجبـة الجزئیـة والشکّ فی السلب الکلّی ، والسرّ فی ذلک ما عرفت من‏‎ ‎‏اختلاف المتعلّقین ، فتدبّر ، هذا .‏

‏ویمکن إبداء شبهـة اُخری ، وهو أنّ الأمارة مطلقاً عقلیّـة کانت أو شرعیّـة‏‎ ‎‏إنّما تکون معتبرة مع عدم العلم بکونها مخالفـة للواقع ، سواء کان العلم تفصیلیّاً أو‏‎ ‎‏إجمالیّاً ، وفی المقام نعلم إجمالاً بأنّ واحداً من هذه الأمارات العقلیّـة المتکثّرة‏‎ ‎‏القائمـة علی خروج کلّ واحد من الأطراف بالقیاس إلی غیرها مخالف للواقع‏‎ ‎‏قطعاً ، للعلم الإجمالی بوجود الحرام بینها .‏

‏ولکن یدفع الشبهـة : أنّـه کما کانت الأمارة قائمـة علی عدم کون کلّ واحد‏‎ ‎‏من الأطراف بالقیاس إلی غیره هو المحرّم الواقعی ، کذلک هنا أمارة عقلائیّـة علی‏‎ ‎‏عدم کون کلّ أمارة بالقیاس إلی غیرها هی الأمارة المخالفـة للواقع ، لأنّ الشبهـة‏‎ ‎‏فیـه أیضاً غیرمحصورة ، فتأمّل .‏

‎ ‎

‎[[page 137]]‎

  • )) جامع المقاصد 2 : 166 ، روض الجنان : 224 / السطر21 ، الفوائد الحائریـة : 247 .
  • )) تقدّمت فی الصفحة 88 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 432 .
  • )) المحاسن : 495 / 597 ، وسائل الشیعـة 25 : 119 ، کتاب الأطعمـة والأشربـة ، أبواب الأطعمـة المباحـة ، الباب 61 ، الحدیث 5 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 433 .
  • )) نفس المصدر .
  • )) الکافی 5 : 145 / 5 ، وسائل الشیعـة 18 : 129 ، کتاب التجارة ، أبواب الربا ، الباب 5 ، الحدیث 3 .
  • )) حاشیة المکاسب ، المحقّق الیزدی 1 : 33 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 471 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 471 .

انتهای پیام /*