القول فی مقدّمة الحرام

کد : 147283 | تاریخ : 19/01/1394

القول فی مقدّمة الحرام

‏ ‏

‏قد أسمعناک قول الحقّ ، وعرّفناک مغزی البحث فی الملازمة وأنّ الحقّ‏‎ ‎‏عدمها ، وعلیه لایفرق بین مقدّمة الواجب والحرام ، وما إذا کانت المقدّمات تولیدیة‏‎ ‎‏أو غیرها بالبرهان المتقدّم .‏

وفصّل المحقّق الخراسانی‏ بین العلل التولیدیة التی یقع الحرام بعدها بلا‏‎ ‎‏انتظار حالة ، وبین ما یکون المکلّف مختاراً بعد إیجاد مقدّماته ؛ محتجّاً بعدم توسّط‏‎ ‎‏الاختیار فی الأوّل بینها وبین الفعل ، فیسری المبغوضیة إلی الجمیع ؛ لأنّه موقوف‏‎ ‎‏علی تمامها دون الثانی ؛ لتوسّطه بینهما ، فیکون المکلّف متمکّناً من ترک الحرام بعد‏‎ ‎‏حصول المقدّمات ، کما کان متمکّناً قبله ، فلا ملاک لتعلّق الحرمة بها . وأمّا الاختیار‏‎ ‎‏فلا یمکن أن یتعلّق به التکلیف ؛ للزوم التسلسل‏‎[1]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏


‎[[page 400]]‎وفیه :‏ أنّ النفس لمّا کانت فاعلة بالآلة فی عالم الطبیعة فلایمکن أن تکون‏‎ ‎‏إرادتها بالنسبة إلی الأفعال الخارجیة المادّیة جزءً أخیراً للعلّة التامّة ؛ بحیث لا‏‎ ‎‏یتوسّط بینها وبین الفعل الخارجی شیء من الآلات ، وتکون النفس خلاّقة بالإرادة ،‏‎ ‎‏بل هی تؤثّر فی الآلات والعضلات بالقبض والبسط ؛ حتّی تحصل الحرکات‏‎ ‎‏العضویة ، وترتبط بواسطتها بالخارج ، وتتحقّق الأفعال الخارجیة .‏

‏وبالجملة : أنّ جعل الإرادة هو الجزء الأخیر من العلّة التامّة ؛ بحیث یستند‏‎ ‎‏الفعل إلیها لا إلی فعل خارجی إرادی ممّا لایوجد بین أفعال الإنسان فی عالم‏‎ ‎‏المادّة ؛ إذ ما من فعل إرادی إلاّ یتوسّط بینه وبین الإرادة المتعلّقة به فعل إرادی آخر‏‎ ‎‏یمکن أن یقع تحت الأمر والزجر .‏

‏فلو فرضنا أنّ العاصی الطاغی قد هیّـأ جمیع المقدّمات ؛ من شراء الخمر‏‎ ‎‏وصبّه فی الإناء ورفع الإناء تجاه الفمّ وأدخل جرعة منها باطنه تعدّ جمیع‏‎ ‎‏المقدّمات ونفس الفعل اختیاریة غیر تولیدیة ، ومع ذلک لیست إرادة الشرب‏‎ ‎‏الموجودة بالفعل جزءً أخیراً للعلّة التامّة حتّی یقال بامتناع تعلّق التکلیف بها ، بل‏‎ ‎‏یتوسّط بینهما فعل إرادی آخر قابل لتوجّه التکلیف به ؛ من حرکات العضلات‏‎ ‎‏المربوطة بهذا العمل ، فإنّ الإرادة المتعلّقة بالعضلات غیر الإرادة المتعلّقة بالشرب ،‏‎ ‎‏کما مرّ تحقیقه فی إثبات الواجب المعلّق .‏

‏ومن المتوسّطات تحریک الفکّ وعقد الغلصمة وما أشبههما ، کلّ ذلک اُمور‏‎ ‎‏اختیاریة للنفس وتولیدیة للشرب قابلة لتعلّق التکلیف بها .‏

‏وقس علیه المشی ؛ فإنّـه لایتحقّـق بنفس الإرادة ؛ بحیث تکون الإرادة‏‎ ‎‏مبـدءً خـلاّقاً لـه ، مـن غیر توسیط الآلات وحـرکاتها وتحریک النفس إیّاهـا‏‎ ‎‏بتوسّط القوی المنبثّـة التی تحت اختیارها . نعم لا یتوسّط بین الإرادة والمظاهـر‏
‎[[page 401]]‎‏الأوّلیـة للنفس فـی عالـم الطبیعـة متوسّط .‏

‏فإن قلت : إنّ مسألة الثواب والعقاب والإطاعة والعصیان من المسائل العرفیة‏‎ ‎‏العقلائیة ، فلا یفید فیها التدقیقات الصناعیة ، والعرف یری آخر الأجزاء هو الإرادة‏‎ ‎‏التی لا یمکن التکلیف بها .‏

‏قلت : کلاّ ، قد أخطأت الطریق ؛ فإنّ المسألة عقلیة فی المقام ؛ حیث إنّ‏‎ ‎‏البحث عمّا یجوز أن یکلّف به وما لایجوز ، ولو فرض کون موضوع العصیان‏‎ ‎‏والإطاعة عرفیاً لابدّ حینئذٍ من إعمال الدقّة وتشخیص المتوسّطات بین الأفعال‏‎ ‎‏وإراداتها .‏

ثمّ إنّ شیخنا العلاّمة‏ ـ أعلی الله مقامه ـ قد فصّل بین ما یکون العنوان بما هو‏‎ ‎‏مبغوضاً من دون تقیید بالاختیار ـ وإن کان له دخل فی استحقاق العقاب ـ وبین ما‏‎ ‎‏یکون المبغوض الفعل الصادر عن إرادة واختیار :‏

‏ففی الأوّل تکون إحـدی المقدّمات لا بعینها محرّمـة ، إلاّ إذا وجـد ما عدا‏‎ ‎‏واحـدة منها ، فتحرم هـذه الباقیة بعینها ، وفی الثانی لا یتّصف الأجـزاء الخارجیـة‏‎ ‎‏بالحرمـة ؛ لأنّ العلّـة التامّـة للحرام هی المجموع المرکّب منها ومـن الإرادة ،‏‎ ‎‏ولایصـحّ إسناد الترک إلاّ إلی عـدم الإرادة ؛ لأنّـه أسبق رتبة مـن سائر المقدّمات‏‎ ‎‏الخارجیة‏‎[2]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّ إرادة الفعل لمّا لم تکن جزءً أخیراً للعلّة کما تقدّم ، بل الجزء‏‎ ‎‏الأخیر فعل اختیاری للنفس ، وهو کعلّة تولیدیة للفعل فلا محالة یکون هذا الجزء‏‎ ‎‏الأخیر محرّماً علی فرض الملازمة ؛ لعدم الواسطة بینه وبین المحرّم ؛ حتّی الإرادة .‏


‎[[page 402]]‎‏فإذا حرّم الشرب الإرادی فیتوقّف تحقّقه علی الشرب والإرادة المتعلّقة به ،‏‎ ‎‏فمع إرادة الشرب یتحقّق جزء من الموضوع ، وجزؤه الآخر یتوقّف علی أفعال‏‎ ‎‏اختیاریة ؛ منها تحریک عضلات الحلقوم وقبضها حتّی یتحقّق الاجتراع ، والجزء‏‎ ‎‏الأخیر لتحقّق الشرب هو هذا الفعل الاختیاری ، فیتعیّن الحرمة فیه بعد تحقّق‏‎ ‎‏سائـر المقدّمات .‏

‏وأمّا قضیة استناد الترک إلی عدم إرادة الفعل فصحیح ، لکن الکلام هاهنا فی‏‎ ‎‏مقدّمات وجود المبغوض وکیفیة تعلّق الإرادة التشریعیة بها وأنّه هل یتعلّق الإرادة‏‎ ‎‏علی فرض الملازمة بالزجر عن المقدّمات الخارجیة أولا ؟ فمع کون بعض‏‎ ‎‏المقدّمات الخارجیة الاختیاریة متوسّطاً بین إرادة الفعل وتحقّقه فلا محالة یصیر‏‎ ‎‏مبغوضاً ومنهیاً عنه بعد تحقّق سائر المقدّمات .‏

‏وبالجملة : بعد ما عرفت من توسّط الفعل الاختیاری بین تحقّق الشیء‏‎ ‎‏وإرادته ، وأنّ الإرادة لیست مولدة للفعل لایبقی فرق بین المقدّمات فی المحرّمات‏‎ ‎‏علی ما فصّله ‏‏قدس سره‏‏ .‏

ثمّ‏ إنّه بناءً علی الملازمة هل یحرم جمیع المقدّمات ، کما تجب جمیع‏‎ ‎‏مقدّمات الواجب أو یحرم الجزء الأخیر إذا کانت أجزاء العلّة مترتّبة ، أو الواحد من‏‎ ‎‏الأجزاء إذا کانت عرضیة ؟‏

‏التحقیق هو الثانی ؛ لمساعدة الوجدان علیه ، ولأنّ الزجر عن الفعل مستلزم‏‎ ‎‏للزجر عمّا یخرج الفعل من العدم إلی الوجود ، لا عن کلّ ما هو دخیل فی تحقّقه ؛‏‎ ‎‏لأنّ وجود سائر المقدّمات وعدمها سواء فی بقاء المبغوض علی عدمه ، والمبغوض‏‎ ‎‏هو انتقاض العدم بالوجود ، وما هو سبب لذلک هو الجزء الأخیر فی المترتّبات وفی‏‎ ‎‏غیرها یکون المجموع کذلک وعدمه بعدم جزء منه .‏


‎[[page 403]]‎وأمّا ما فی تقریرات بعض محقّقی العصر ‏رحمه الله‏‏ من قیاس مقدّمات الحرام‏‎ ‎‏بالواجب ، بتقریب : أنّ مقوّم الحرمة هو مبغوضیة الوجود ، کما أنّ مقوّم الوجوب‏‎ ‎‏محبوبیته ، ومقتضاه سرایة البغض إلی علّة الفعل المبغوض ، فیکون کلّ جزء من‏‎ ‎‏أجزاء العلّة التوأم مع وجود سائر الأجزاء بنحو القضیة الحینیة مبغوضاً بالبغض‏‎ ‎‏التبعی وحراماً بالحرمة الغیریة‏‎[3]‎‏ .‏

فلا یخلو عن موارد للنظر :

‏أمّا أوّلاً :‏‏ فلأنّ المبغوضیة لایمکن أن تکون مقوّمة للحرمة ولا المحبوبیة‏‎ ‎‏للوجوب ؛ لأنّهما فی الرتبة السابقة علی الإرادة المتقدّمة علی البعث والزجر‏‎ ‎‏المنتزع منهما الوجوب والحرمة . اللهمّ إلاّ أن یراد من المقوّمیة أنّ الحبّ والبغض‏‎ ‎‏من مبادئ الوجوب والحرمة .‏

وثانیاً :‏ أنّ مبغوضیة الفعل لا یمکن أن تکون منشأً لمبغوضیة جمیع‏‎ ‎‏المقدّمات ؛ لعدم المناط فیها علی نحو العامّ الاستغراقی ؛ لأنّ البغض من شیء‏‎ ‎‏لایسری إلاّ إلی ما هو محقّق وجوده وناقض عدمه ، وغیر الجزء الأخیر من العلّة أو‏‎ ‎‏مجموع الأجزاء فی غیر المترتّبات لاینقض العدم .‏

‏فإن قلت : فلیکن الأمر فی مقدّمة الواجب کذلک ، فیقال : إنّ الحبّ لا یسری‏‎ ‎‏إلاّ إلی ما هو محقّق لوجود المحبوب وطارد لعدمه ، وهو لیس إلاّ الجزء الأخیر من‏‎ ‎‏العلّة أو مجموع الأجزاء فی العرضیات ، ولا معنی لـ «وجوب» سوی الجزء الأخیر‏‎ ‎‏من أجزاء علل الواجب فی الطولیات .‏

‏قلت : فرق واضح بین مقدّمة الواجب والحرام ؛ فإنّ الواجب لمّا کان‏
‎[[page 404]]‎‏المطلوب تحقّقه ـ وهو موقوف علی جمیع المقدّمات ؛ بحیث یکون کلّ واحد‏‎ ‎‏دخیلاً فیه ـ فلا محالة علی الملازمة تتعلّق الإرادة بکلّ واحد منها بما هو موصل ،‏‎ ‎‏بخلاف الحرام الذی یکون الوجود مبغوضاً ومزجوراً عنه ؛ فإنّ عدمه بعدم أحد‏‎ ‎‏مقدّماته ، فتعلّق إرادة الزجر بغیره یکون بلا ملاک .‏

وثالثاً :‏ أنّ ما أفاده بقوله : إنّ الجزء التوأم مع سائر الأجزاء مبغوض ، من ضمّ‏‎ ‎‏ما لیس بدخیل إلی ما هو دخیل ؛ فإنّ المجموع بما هو مجموع وإن کان مبغوضاً‏‎ ‎‏ـ لأنّه العلّة التامّة لتحقّق الحرام ـ لکن کلّ واحد لیس کذلک بنحو القضیة الحینیة ؛‏‎ ‎‏لعدم الملاک فیه .‏

‏هذا ، وقد سبق أنّه ‏‏قدس سره‏‏ قاس الإرادة التشریعیة بالتکوینیة فی مقدّمات‏‎ ‎‏الواجب ، ومقتضی قیاسه عدم الحرمة هاهنا ؛ ضرورة أنّ من أراد ترک شیء‏‎ ‎‏لا یتعلّق إرادته بترک کلّ واحد من مقدّماته ، بل تتعلّق بترک ما هو مخرج مبغوضه‏‎ ‎‏إلی الوجود ، فتدبّر .‏


[[page 405]]

‎ ‎

‎[[page 406]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 159 ـ 160 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 130 ـ 132 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 403 .

انتهای پیام /*