استدلال المحقّق الشریف علی بساطة المشتقّ و نقده

کد : 147390 | تاریخ : 20/01/1394

استدلال المحقّق الشریف علی بساطة المشتقّ ونقده

‏ ‏

ثمّ‏ إنّ المحقّق الشریف استدلّ علی بساطة المشتقّ بامتناع دخول الشیء فی‏‎ ‎‏مفهوم الناطق ؛ لاستلزامه دخول العرض العامّ فی الفصل الممیّز ، ولو اعتبر ما صدق‏‎ ‎‏علیه الشیء انقلبت القضیة الممکنة إلی الضروریة‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه مواقع للنظر :

‏أمّا أوّلاً :‏‏ فلأنّ برهانه لایثبت إلاّ خروج الذات لا البساطة ، فلقائل أن یقول‏
‎[[page 169]]‎‏ـ کما اختار بعضهم‏‎[2]‎‏ ـ : إنّ مفاده هو الحدث المنتسب إلی الذات بنحو یکون‏‎ ‎‏الحدث والنسبة داخلتین والذات خارجة . اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ الشریف بصدد‏‎ ‎‏إثبات خروج الذات لا البساطة ، وهو غیر بعید عن ظاهر کلامه ، فراجع محکی‏‎ ‎‏کلامه فی شرح «المطالع» .‏

وأمّا ثانیاً :‏ فلأنّ المشتقّ بما له من المعنی الحدثی لایعقل أن یعدّ من‏‎ ‎‏مقوّمات الجوهر ؛ سواء کان بسیطاً أم مرکّباً ، فلو صحّ القول بنقله عن معناه علی‏‎ ‎‏البساطة فلیصحّ علی القول بالترکیب . نعم سیوافیک ـ بإذنه تعالی ـ أنّ المبدأ لا‏‎ ‎‏یشترط فیه سوی کونه قابلاً لاعتوار الصور والمعانی علیه ، وأمّا کونه حدثیاً فلیس‏‎ ‎‏بواجب ، بل هو الغالب فی مصادیقه .‏

وثالثاً :‏ أنّ ما لفّقه بصورة البرهان ـ بعد الغضّ عن أنّه لیس برهاناً عقلیاً ، بل‏‎ ‎‏مآله إلی التمسّک بالتبادر عند المنطقیین ـ إنّما یتمّ لو کان مفاد المشتقّ مرکّباً‏‎ ‎‏تفصیلیاً ، وقد عرفت أنّه لا قائل به ظاهراً ، وأمّا علی ما اخترناه من کون المتبادر‏‎ ‎‏هو البسیط الانحلالی فلا .‏

توضیح ذلک :‏ أنّ المحقَّق فی محلّه : هو أنّ ترکّب الجنس والفصل اتّحادی‏‎ ‎‏لا انضمامی‏‎[3]‎‏ ؛ لأنّ المادّة البسیطة إذا اتّصفت بالکمال الأوّل ـ أعنی الحرکة ـ‏‎ ‎‏وتوجّهت إلی صوب کمالاتها تتوارد علیها صور طولیة فی مـدارج سیرها ومراتب‏‎ ‎‏عـروجها ؛ بحیث تصیر فی کلّ مرتبـة عین صورتها علی نحو لا تقبل التعدّد‏‎ ‎‏والکثرة وجوداً ؛ وإن کانت تقبلها تحلیلاً . وهذا التدرّج والحرکة إلی أخذ الصور‏‎ ‎‏مستمرّ حتّی تصل إلی صورة لیست فوقها الصورة ، التی هی جامعة لکمالات‏
‎[[page 170]]‎‏المراتب الأوّلیة ، لکن بنحو الأتمّ والأبسط .‏

‏وهذه الوحدة الشخصیة والبساطة لایتنافیان مع انتزاع حدود عن الذات‏‎ ‎‏المشخّصة ؛ لأنّ أجزاء الحدّ لم تؤخذ بنحو یوجب الکثرة الخارجیة حتّی یباینه‏‎ ‎‏بساطتها ، بل الحدّ وترکّبه إنّما هما بتعمّل من القوّة العاقلة الناظرة فی حقائق الأشیاء‏‎ ‎‏وکیفیة سیرها ، فتنزع من کلّ مرتبة جامعاً ومائزاً .‏

‏وعلیه : فکما أنّ البساطة الخارجیة لاتضادّ الترکّب التحلیلی کذلک وعاء‏‎ ‎‏المفاهیم ومدالیل الألفاظ ؛ فإنّ تحلیل المشتقّ لاینافی بساطة مفهومه وکونه أمراً‏‎ ‎‏وحدانیاً ؛ إذ تحلیل مفهوم المشتقّ إلی الذات والحدث وانتزاعهما منه لیس إلاّ‏‎ ‎‏کانتزاع الجنس والفصل عن الموجود البسیط المتّحد جنسه مع فصله .‏

‏وبعبارة ثانیة : أنّ الحدّ التامّ لابدّ وأن یکون محدّداً ومعرّفاً للماهیة علی‏‎ ‎‏ما هی علیها فی نفس الأمر ، ولو تخلّف عنها فی حیثیة مـن الحیثیات لم تکن‏‎ ‎‏تامّـاً . وماهیة الإنسان ماهیـة بسیطة یکون جنسها مضمَّناً فی فصلها ، وکذلک‏‎ ‎‏فصلها فی جنسها ؛ لأنّ مأخـذهما المادّة والصورة المتّحدتان ، ولابـدّ أن یکون‏‎ ‎‏الحدّ مفیداً لذلک .‏

‏فلو کانت أجزاء الحدّ حاکیة عن أجزاء الماهیة فی لحاظ التفصیل لم یکن‏‎ ‎‏تامّاً ، فلا محیص عن أن یکون کلّ جزء حاکیاً عن المحدود بما هو بحسب الواقع‏‎ ‎‏من الاتّحاد ، وهو لایمکن إلاّ بأن یکون الحیوان الناطق المجعول حاکیاً عن‏‎ ‎‏الحیوان المتعیّن بصورة الناطقیة ؛ أی المادّة المتّحدة بتمام المعنی مع الصورة .‏

‏فالذات المبهمة المأخوذة علی نحو الوحدة مع العنوان فی المشتقّ صارت‏‎ ‎‏متعیّنة بالتعیّن الحیوانی ، فکأنّه قال : الإنسان حیوان متلبّس بالناطقیة ، وکانت‏‎ ‎‏الناطقیة صورة لهما ، وهی متّحد معهما ، لا أنّه شیء والناطق شیء آخر .‏


‎[[page 171]]‎‏هذا کلّه راجع إلی الشقّ الأوّل من کلامه ، وبالوقوف والتأمّل فیما ذکرنا یظهر‏‎ ‎‏ضعف الشقّ الثانی أیضاً ؛ إذ الانقلاب إنّما یلزم لو کان الذات مأخوذاً بنحو‏‎ ‎‏التفصیل ؛ بحیث یصیر قولنا «زید ضارب» إخبارین : أحدهما الإخبار عن کون زید‏‎ ‎‏زیداً ، ثانیهما الإخبار عن کونه ضارباً .‏

‏وقد أشرنا إلی أنّ الترکّب انحلالی ، ولو سلّمنا کون الذات مأخوذاً تفصیلاً‏‎ ‎‏لایوجب ذلک کونه إخبارین ؛ ضرورة أنّ القائل بأنّ زیداً شیء له القیام ، ما أخبر إلاّ‏‎ ‎‏عن قیامه ، لا عن شیئیته ، ولو فرض أنّ ذلک إخباران وقضیتان : إحداهما ضروریة ،‏‎ ‎‏والاُخری ممکنة فأین الانقلاب ؟ !‏

ثمّ إنّ هنا برهاناً آخر‏ لایقصر عن برهان الشریف ـ نقداً ودخلاً ـ وهو أنّ‏‎ ‎‏الضرورة قاضیة بأنّه لو قیل «الإنسان قائم» ، ثمّ قیل «الإنسان شیء أو ذات» ما فهم‏‎ ‎‏منه التکرار ، کما لو قیل : «إنّه إنسان ولیس بقائم» ما فهم منه التناقض ، وهما من‏‎ ‎‏آیات البساطة وعدم أخذ الذات أو مصداقها فیه .‏

وفیه :‏ أنّ المذکور ینفی أخذ الذات فیه تفصیلاً دون ما ذکرنا ؛ لأنّه لاینقدح‏‎ ‎‏منه فی الذهن إلاّ معنی واحد ، والتناقض والتکرار فرع کونه إخبارین وقضیتین ،‏‎ ‎‏وقد تقدّم أنّ هنا إخباراً واحداً عن قیامه ، لاعن شیئیته وقیامه .‏

‎ ‎

‎[[page 172]]‎

  • )) شرح المطالع : 11 / السطر الأوّل من الهامش .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 143 ، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 170 .
  • )) الحکمة المتعالیة 5 : 282 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 105 .

انتهای پیام /*