الثالث‏: الحقّ خروج أسماء الزمان من محطّ البحث

کد : 147406 | تاریخ : 20/01/1394

الثالث : الحقّ خروج أسماء الزمان من محطّ البحث

‏ ‏

‏وهذا لأنّ جوهر ذاته جوهر تصرّم وتقضٍّ ، فلا یتصوّر له بقاء الذات مع‏‎ ‎‏انقضاء المبدأ ، وعلیه لایتصوّر له مصداق خارجی ولا عقلی کذلک ، ولا معنی لحفظ‏‎ ‎‏ذاته مع أنّه متصرّم ومتقضٍّ بالذات .‏

وقد اُجیب‏ عن هذا الإشکال بأجوبة غیر تامّة :‏

منها :‏ ما أفاده المحقّق الخراسانی من أنّ انحصار مفهوم عامّ بفرد ـ کما فی‏‎ ‎‏المقام ـ لایوجب أن یکون وضع اللفظ بإزاء الفرد دون العامّ ، کالواجب الموضوع‏‎ ‎‏للمفهوم العامّ مع انحصاره فیه تعالی‏‎[1]‎‏ .‏


‎[[page 144]]‎وأنت خبیر بضعفه‏ ؛ إذ الغایة من الوضع هی إفهام ما یقع فی خاطر المتکلّم‏‎ ‎‏ـ ذهنیاً کان أو خارجیاً ـ وأمّا ما لا یحوم الفکر حوله ، ولیس له مصداق فی‏‎ ‎‏کلا الموطنین ـ کما عرفت فی الزمان ـ فالوضع له لغو وعاطل .‏

‏وأمّا مفهوم الواجب فلا نسلّم وحدة مصداقه ؛ إذ ما هو المنحصر هو الواجب‏‎ ‎‏بالذات دون الواجب مطلقاً ؛ حتّی الواجب بالغیر والواجب بالقیاس إلی الغیر ،‏‎ ‎‏والمرکّب من اللفظین ـ أعنی الواجب بالذات ـ لیس له وضع علی حدة .‏

‏وأمّا الشمس والقمر فلا یبعد کونهما عَلَمین کلفظ الجلالة ، وعلی فرض‏‎ ‎‏کونها موضوعة للمعانی الکلّیة ، کالذات الجامع للکمالات ، ولماهیة الشمس والقمر‏‎ ‎‏لعلّه للاحتیاج إلی إفهام معانیها العامّة أحیاناً ؛ لأنّ الأخیر ـ مثلاً ـ بالنظر إلی مفهومه‏‎ ‎‏لا یأبی عن الکثرة فی بدأ النظر ، وإنّما یثبت وحدته بالأدلّة العقلیة . فملاک الوضع‏‎ ‎‏موجود فی أمثال هذه الموارد ، بخلاف الزمان المبحوث عنه ؛ فإنّه آبٍ عن البقاء مع‏‎ ‎‏انقضاء المبدأ عند العقل والعرف ابتداءً ، فالفرق بین اللفظین واضح .‏

ومنها :‏ ما عن بعض الأعاظم من أنّ أسماء الزمان مثلاً ـ کالیوم العاشر من‏‎ ‎‏المحرّم ـ وضـع لمعنی کلّی متکرّر فی کلّ سنة ، وکان ذلک الیوم الذی وقـع فیه‏‎ ‎‏القتل فرداً من أفراد ذاک المعنی العامّ المتجدّد فی کلّ سنة ، فالذات فی اسم‏‎ ‎‏الزمان إنّما هـو ذلک المعنی العامّ ، وهـو باقٍ حسب بقاء الحرکـة الفلکیة ، وقـد‏‎ ‎‏انقضی عنه المبدأ‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ الکلّی القابل للصدق علی الکثیرین ـ أی الیوم العاشر من المحرّم ـ‏‎ ‎‏غیر وعاء الحدث ، وما هو وعائه هو الموجود الخارجی ، وهو غیر باقٍ قطعاً .‏


‎[[page 145]]‎‏وبعبارة اُخری : أنّ الأمر الزمانی لابدّ وأن یحصل فی زمان خاصّ لا فی‏‎ ‎‏زمان کلّی . فعلی هذا ، إذا تعیّن الکلّی فی ضمن مصداق معیّن ، وفرضنا ارتفاع ذاک‏‎ ‎‏المصداق بارتفاع مبدئه ارتفع الکلّی المتعیّن فی ذلک المصداق والمصداق الآخر‏‎ ‎‏الذی فرض له مخالف مع الأوّل فی التشخّص والوجود ، فإذن لا معنی لبقائه مع‏‎ ‎‏انقضاء المبدأ ، وهو واضح .‏

ومنها :‏ ما عن بعض الأعیان من أنّ اسم الزمان موضوع لوعاء الحدث من‏‎ ‎‏غیر خصوصیة الزمان والمکان ، فیکون مشترکاً معنویاً موضوعاً للجامع بینهما .‏‎ ‎‏فحینئذٍ عدم صدقه علی ما انقضی عنه المبدأ فی خصوص الزمان لایوجب لغویة‏‎ ‎‏النزاع‏‎[3]‎‏ .‏

ولکن‏ هذا الکلام عن مثل هذا القائل بعید فی الغایة ؛ إذ الجامع الحقیقی بین‏‎ ‎‏الوعائین غیر موجود ، ووقوع الفعل فی کلٍّ غیرُ وقوعه فی الآخر ، والجامع العرضی‏‎ ‎‏الانتزاعی ـ کمفهوم الوعاء والظرف ـ وإن کان متصوّراً إلاّ أنّه بالحمل الأوّلی باطل‏‎ ‎‏جدّاً ؛ لأنّه خلاف المتبادر من اسمی الزمان والمکان ؛ ضرورة أنّه لایفهم من لفظ‏‎ ‎‏المقتل مفهوم وعاء القتل الجامع بینهما أو مفهوم ظرفه ، وأمّا أخذ الوعاء بالحمل‏‎ ‎‏الشائع فهو موجب لخصوصیة الموضوع له ، مع عدم دفع الإشکال معه .‏

‏هذا ، مضافاً إلی أنّ الظاهر : أنّ وعائیة الزمان إنّما هی بضرب من التشبیه‏‎ ‎‏لإحاطة الزمان بالزمانی إحاطة المکان بالمتمکّن ، وإلاّ فهو لیس ظرفاً فی الحقیقة ،‏‎ ‎‏بل أمر منتزع أو متولّد من تصرّم الطبیعة وسیلانها ، وتوضیحه موکول إلی محلّه‏‎[4]‎‏ .‏


‎[[page 146]]‎ومنها :‏ ما أفاده بعض محقّقی العصر من أنّ الزمان هویة متّصلة باقیة‏‎ ‎‏بالوحدة الوجودیة ، وإلاّ لزم تتالی الآنات ، واستحالته معلومة کاستحالة الأجزاء‏‎ ‎‏الفردة ، وعلیه یکون الزمان بهویته باقیاً ؛ وإن انقضی عنه المبدأ ، ولولا کون الألفاظ‏‎ ‎‏موضوعة للمعانی العرفیة لقلنا بصدق اسم الزمان علی الهویة الزمانیة إلی آخر‏‎ ‎‏الأبد ، وکان مقتل الحسین ‏‏علیه السلام‏‏ ـ مثلاً ـ صادقاً علی الزمان إلی الأبد .‏

‏ولکن العرف بعد حکمه بأنّ للزمان قسمة ، وقسّمه إلی أقسام حسب‏‎ ‎‏احتیاجاته لم یجز ذلک ، ولکن إذا وقع القتل ـ مثلاً ـ فی حدّ من حدود الیوم فهو‏‎ ‎‏یطلق المقتل علی ذاک الیوم ؛ ولو بعد انقضاء التلبّس به ؛ لما یری من بقاء الیوم إلی‏‎ ‎‏اللیل‏‎[5]‎‏ ، انتهی ملخّصاً .‏

والظاهر :‏ أنّ الخلط نشأ من عدم الوصول إلی أنّ أنظار أهل العرف ـ کالعقل ـ‏‎ ‎‏تتفاوت فی بقاء الزمان والزمانی ، وأنّهم یفرّقون بینهما .‏

توضیحه :‏ أنّ العرف کما یدرک الوحدة الاتّصالیة للزمان کذلک یدرک‏‎ ‎‏تصرّمـه وتقضّیه ، ویری أوّل الیوم غیر وسطه وآخـره ، فإذا وقعت واقعـة فی حـدّه‏‎ ‎‏الأوّل لایری زمان الوقوع باقیاً وقد زال عنه المبدأ ، بل یری الیوم باقیاً وزمان‏‎ ‎‏الوقوع متقضّیاً .‏

‏وبین الأمرین فرق ظاهر ، وما هو معتبر فی بقاء الذات فی المشتقّ هو بقاء‏‎ ‎‏زمان الوقوع ـ أعنی بقاء الشخص الذی تلبّس بالمبدأ عیناً ـ وما نحن بصدده لیس‏‎ ‎‏کذلک ، فتدبّر .‏

‎ ‎

‎[[page 147]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 58 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 89 .
  • )) نهایة الاُصول : 72 .
  • )) الحکمة المتعالیة 3 : 115 ـ 118 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 257 ـ 258 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 162 ـ 164 .

انتهای پیام /*