الاُولی‏: جریان أصل البراءة

کد : 147426 | تاریخ : 20/01/1394

الاُولی : جریان أصل البراءة

‏ ‏

‏لعلّک تتوهّم من هذا البیان أنّه یلزم علیه عدم إمکان التمسّک بالبراءة عند‏‎ ‎‏الشکّ فی جزئیة شیء للمأمور به ؛ إذ نسبة الأجزاء إلی الهیئة نسبة المحصِّل إلی‏‎ ‎‏المحصَّل ، والشکّ فی دخالة شیء فی المادّة یرجع إلی الشکّ فی محقّق الهیئة‏‎ ‎‏البسیطة المعلومة ؛ من حیث المفهوم .‏

‏ولکنّک إذا نظرت إلیه بعین الدقّة تری سقوط التوهّم المذکور ؛ إذ فرق بین‏‎ ‎‏القول بأنّ الصلاة ـ مثلاً ـ موضوعة للناهیة عن الفحشاء والمنکر أو ما یکون ملزوم‏‎ ‎‏ذلک ، وبین ما ذکرنا ؛ إذ الهیئة الخضوعیة والصلاتیة مشاهدة معلومة لأفراد‏‎ ‎‏المسلمین ومرتکزة لأهل القبلة ، لایشکّ فیها العاکف والبادئ ، والمسمّی محقّق ولو‏‎ ‎‏عند فقدان ما یشکّ فی وجوبه بل وعند فقدان بعض ما یعلم وجوبه أیضاً .‏

‏فحینئذٍ : الشکّ لایرجع إلی الشکّ فی تحقّق المسمّی بل إلی شرطیة شیء أو‏‎ ‎‏جزئیته للمأمور به ؛ زائداً علی ما یتحقّق به المسمّی .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ المأمور به هو الهیئة الوحدانیة الحاصلة من تلک الموادّ ،‏‎ ‎‏من دون أن یتعلّق النظر إلی الکثرات والموادّ ، وهی متّحدة معها اتّحاد الصورة مع‏‎ ‎‏المادّة ولیس هنا من المحصِّل والمحصَّل عین ولا أثر .‏

‏فعند ذلک إذا تعلّق الأمر بتلک الهیئة التی اتّخذت لنفسها حقیقة وحدانیة‏‎ ‎‏یکون ذلک بعثاً إلی الأجزاء والموادّ التی تنحلّ الماهیة إلیها ؛ إذ الأمر بإیجاد صورة‏
‎[[page 111]]‎‏البیت أو بناء المسجد عند التحلیل أمر وبعث إلی تهیئة أجزائها بهیئة معلومة ، من‏‎ ‎‏دون تعلّق الأمر مستقلاًّ بتلک الموادّ ، ولا الأمر الضمنی والمقدّمی ـ علی القول‏‎ ‎‏بهما ـ فالأمر بالواحد أمر بالکثرات عند التحلیل .‏

‏فإذا شکّ فی نظر الانحلال إلی جزئیة شیء أو شرطیته للمأمور به یرجع ذلک‏‎ ‎‏إلی أصل تعلّق الأمر به فی لحاظ الکثرة ، بعد العلم بتعلّقه بسائرها .‏

‏وإن أبیت إلاّ عن القول بکون الموادّ من المحصّلات للهیئات ، فیجاب بإمکان‏‎ ‎‏إجراء البراءة فی نفس الهیئة البسیطة الموجودة فی الخارج بوجود أجزائه القابلة‏‎ ‎‏للزیادة والنقیصة ، کما فی مثل الخطّ إذا شکّ فی کون الواجب منه مطلق وجوده‏‎ ‎‏الذی یصدق علی الطویل والقصیر ، والقلیل والکثیر ، أو مقداراً خاصّاً منه ، فتجری‏‎ ‎‏البراءة بالنسبة إلی الخصوصیة المشکوکة .‏

والحاصل :‏ أنّ الشیء المشکوک فیه بما له دخل فی زیادة الهیئة ـ کمّیة‏‎ ‎‏وکیفیة ـ یکون مرجع الشکّ فیه إلی الشکّ فی خصوصیة زائدة علی أصل المسمّی‏‎ ‎‏لما هو المفروض من صدقه بدونه .‏

وأمّا‏ علی ما ذکره المحقّق الخراسانی فی مقام تصویر الجامع‏‎[1]‎‏ : فالظاهر‏‎ ‎‏عدم إمکان إجراء البراءة ـ وإن قلنا باتّحاد الأمر الانتزاعی مع الأجزاء خارجاً ـ بل‏‎ ‎‏لافرق بین اختیار کون المأمور به هو عنوان معراج المؤمن والقول بأنّه الأمر‏‎ ‎‏البسیط الذی یکون مبدأ لهذا الأثر ، وسواء قیل بتقیید المأمور به ، به أم لا .‏

توضیـح ذلک :‏ أنّ حـدیث الانحلال إلی معلـوم ومشکوک إنّمایصـحّ فـی‏‎ ‎‏صورتین :‏


‎[[page 112]]‎‏الأوّل : أن لم یتعلّق الأمر بعنوان معلوم وإن کانت معلومیّته مستندة إلی أنّه‏‎ ‎‏مبدأ لأثر خاص .‏

‏الثانی : أن تعلّق الأمر بعنوان معلوم لکن کان العنوان مشیراً لاقیداً ، وأمّافی‏‎ ‎‏غیر هاتین الصورتین لایصّح الانحلال لتعلّق الأمربشیء بسیط معلوم بوجه ، فلابدّ‏‎ ‎‏من تحصیل الیقین بالفراغ منه . والشکّ فی جزء منه یکون راجعاً إلی الشکّ فی‏‎ ‎‏تحقّق ذلک المعلوم وجوبه ، فلابدّ من الإتیان به ؛ لاحتمال أن لایکون المأتی بدونه‏‎ ‎‏عین ما قامت علیه الحجّة وتعلّق به العلم تفصیلاً .‏

والعجب‏ ممّا صدر عن بعض القائلین بالصحیح من جریان الأصل هنا علی‏‎ ‎‏مبناه أیضاً ، وأنکر بذلک جعل القول بجریان البراءة والاشتغال ثمرة لهذا النزاع .‏

وملخّص ما أفاده :‏ أنّ المأمور به إذا کان بسیطاً ذا مراتب یتحقّق بعض مراتبه‏‎ ‎‏بتحقّق بعض الاُمور المحصّلة له ؛ فإن شکّ فی دخالة شیء آخر فی تحقّق مرتبته‏‎ ‎‏العلیا لکان مورداً للبراءة‏‎[2]‎‏ .‏

توضیح خلله :‏ أنّک قد عرفت أنّ أحسن ما یمکن أن یوجّه به مقالة القائل‏‎ ‎‏بالصحیح أن یقال : إنّ الألفاظ وضعت لماهیة إذا وجدت فی الخارج انطبق علیها‏‎ ‎‏عنوان الصحیح بالحمل الشائع . فحینئذٍ لابدّ أن یکون الموضوع له عنواناً یلازم‏‎ ‎‏الصحّة خارجاً ، وعند ذلک إذا وقع العنوان الملازم للصحّة مورداً للأمر یکون الشکّ‏‎ ‎‏فی جزئیة شیء له أو شرطیته راجعاً إلی الشکّ فی تحقّق ذلک العنوان الملازم‏‎ ‎‏للصحّة ، ویکون المرجع هو الاشتغال ، بعد معلومیة المأمور به .‏

‏ولا یتفاوت فی ذلک کون العنوان البسیط قابلاً للنقص والکمال ، أو الزیادة‏
‎[[page 113]]‎‏والنقصان وعدمه ؛ لأنّ الشکّ فی جمیع الحالات راجع إلی تحقّق المتعلّق المعلوم‏‎ ‎‏کونه ملازماً للصحّة خارجاً ، ومع ذلک لایمکن إحراز حال الفرد .‏

‏وما ذکره : من أنّ الشکّ إنّما هو فی دخل شیء فی مرتبته العلیا مع تحقّق‏‎ ‎‏المسمّی المأمور بـه بدونه ، عدول عن المبنی ؛ لأنّ الشکّ إنّما هو فی دخالة شیء‏‎ ‎‏فی تحقّق أصل العنوان المأمور به ، لافیما إذا علم به وشکّ فیما یوجب الزیادة‏‎ ‎‏والفضیلة فیه .‏

‏والحاصل : أنّ مراده من العلم بتحقّق بعض المراتب : إن کان ما یلازم الصحّة‏‎ ‎‏فی الخارج فلا معنی للشکّ فی دخالة شیء فیه بعد ذلک ؛ للعلم بأنّه غیر واجب .‏‎ ‎‏وإن کان الغرض تحقّق بعض مراتبه مع الشکّ فی صحّته فهذا عین القول بالأعمّ .‏

‏نعم ، لو فسّرنا مقالة الصحیحی بأنّها موضوعة بإزاء الماهیة الجامعة للشرائط‏‎ ‎‏والأجزاء ، وأنّ إطلاقها علی غیرها مجاز ، أو فسّرناها بالصحّة الشأنیة کان لجریان‏‎ ‎‏البراءة وجه ، إلاّ أنّ الأوّل بعید مع کثرة الاستعمالات فی الأخبار فی غیرها مضافاً‏‎ ‎‏إلی أنّ التبادر یدفعه والثانی عین القول بالأعمّ .‏

والحاصل :‏ أنّ القائل بالصحیح لو جعل الجامع عنواناً بسیطاً معلوماً بأحد‏‎ ‎‏العناوین والإشارات لما کان له مناص عن القول بالاشتغال .‏

‎ ‎

‎[[page 114]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 39 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 123 ـ 124 .

انتهای پیام /*