تکمیل : فیما هو الموضوع له فی الهیئات
إنّ احتمال کون الألفاظ موضوعة للصورة الذهنیة بما هی کذلک ممّا یبعد عن ساحة کلّ من انتسب بالفضل ؛ إذ الحقّ الواضح أنّها بمفرداتها ومرکّباتها موضوعة للمعانی الواقعیة النفس الأمریة ؛ لأنّ هیئات الحملیة فی الجمل الخبریة وضعت للهوهویة الواقعیة والمؤوّلة منها للأکوان الرابطة النفس الأمریة .
وأوضح منها الأعلام الشخصیة والجنسیة من الأسماء ؛ خصوصاً علی رأی الجمهور فی الاُولی ، وکذلک ما یلیها من المبهمات والمعانی الحرفیة ممّا یفید الخصوصیات الواقعة فی الخارج .
وما اختاره صاحب «الفصول» من کون الجمل الخبریة موضوعة للنسب الذهنیة ؛ من حیث کشفها عن الواقع تکلّف وتعسّف ؛ إذ المتبادر من الألفاظ إنّما هو نفس الحقائق الواقعیة لیس إلاّ ، والصور الذهنیة الحاصلة للمتکلّم والمخاطب فی بعض المقامات مغفول عنها .
علی أنّ الغرض من الوضع هو إفهام الواقعیات والحقائق التکوینیة فی الغالب ، فلا معنی لجعلها لغیرها من الصور الذهنیة . وتوقّف انفهام الخارج علی التصوّر غیر کون الموضوع له هو المتصوّر ، وکأنّ الخلط إنّما وقع فی ذلک .
[[page 75]]ولعلّ الذی دعا هذا القائل ومن وافقه علی مقالته إلی هذا القول هو تخیّل أنّه لو کانت الجمل موضوعة للنسب الواقعیة لما کان لها معنی فی الأخبار الکاذبة ؛ لانتفاء النسب الخارجیة هناک . ولکنّهم غفلوا عن شیء : وهو أنّ هذا الإشکال مشترک الورود علی القولین ؛ فإنّها لو کانت موضوعة للنسب الذهنیة الکاشفة توجّه الإشکال أیضاً ؛ لأنّه لا معنی للکشف من دون مکشوف خارجی ، فإنّ الکشف والإیضاح أشبه شیء بالتضائف و«المتضائفان متکافئان قوّة وفعلاً» والأخبار الکاذبة لا تحقّق لنسبتها فی وعاء العین حتّی تکشف عنها الصور الذهنیة .
والقول بأنّ المراد من الکاشف ما هو کذلک بالقوّة وما له صلاحیة له رجوعٌ عن المبنی والتزام بکونها موضوعة للصور الذهنیة بما هی هی ؛ إذ شأنیة الکشف ثابتة لها مطلقاً ، وهو واضح الفساد .
وحلّ العقدة : أنّه لیس الاستعمال إلاّ جعل اللفظ وسیلة لانتقال ذهن السامع إلی المعنی الخارجی ـ انتقالاً بالعرض لا بالذات ـ وفی هذا الانتقال بالعرض لایلزم أن یکون المعنی محقّقاً .
وإن شئت قلت : إنّ الاستعمال وإن کان طلب عمل اللفظ فی المعنی إلاّ أنّ مرجعه إلی إرائة المعنی للمخاطب ، وانتقاله من سماعه إلیه ، وهذا یشترک فیه الأخبار الصادقة والکاذبة ، ولا یلزم أن یکون للمنتقل إلیه وجود فی الخارج ، بل یتوقّف علی مجرّد تصوّره .
والظاهر : أنّه قد غرّه ظاهر لفظ الاستعمال ، مع أنّک خبیر بأنّه یصحّ إطلاقه ؛ حتّی فی الموارد التی لیست معانیها متحقّقة فی الخارج ، کما فی قولنا «شریک البارئ ممتنع» و«المجهول المطلق لایخبر عنه» والاستعمال فی الجمیع بوزان واحد ، والمخبر عن امتناعه إنّما هو شریک البارئ الواقعی لا الذهنی ، فقد استعمل هنا لفظ «شریک البارئ» فی معناه الواقعی ، مع أنّه لا وجود له فی الخارج .
[[page 76]]