الاستدلال بالسیرة العقلائیة علی حجّیة قول الثقة

کد : 147513 | تاریخ : 21/01/1394

الاستدلال بالسیرة العقلائیة علی حجّیة قول الثقة

‏ ‏

‏وقد عرفت أنّها العمدة فی الباب ، بل لا دلیل غیرها ، ویقف علی وجودها‏‎ ‎‏کلّ من له إلمام بالمجتمعات البشریة منذ دوّن تأریخ البشر ، واستقرّ له التمدّن ،‏‎ ‎‏واتّخذ لنفسه مسلکاً اجتماعیاً .‏

‏وما ورد من الآیات الناهیة من العمل بغیر العلم‏‎[1]‎‏ أو العمل بالظنّ‏‎[2]‎‏ لیست‏‎ ‎‏رادعة عن السیرة ؛ إذ لو کانت رادعة لمطلق العمل بالظنّ أو بغیر العلم شملت‏‎ ‎‏نفسها ؛ لأنّها بمنزلة القضایا الحقیقیة ، الثابت فیها الحکم لموضوعاتها المحقّقة کلّ‏‎ ‎‏فی موطنها ، ومن العمل بالظنّ نفس التمسّک بهذه الآیات والأخذ بمفادها ؛ فیلزم من‏‎ ‎‏جواز التمسّک عدم جوازه .‏

‏وأمّا ما أفاده المحقّق الخراسانی من أنّ رادعیة تلک الآیات تستلزم الدور‏‎ ‎‏المحال‏‎[3]‎‏ فضعیف ، وقد مرّ وجهه عند البحث عن استدلال النافین بالآیات‏‎[4]‎‏ .‏

‏لا یقال : إنّ المحال إنّما یلزم من شمولها لنفسها ، فیندفع بعدم شمولها‏‎ ‎‏لنفسها ، وحینئذٍ یصلح للرادعیة عن مطلق العمل بالظنّ .‏

‏لأنّا نقول : لا شکّ أنّ هذه الآیة إنّما نزلت لأجل الإفادة والاستفادة حتّی‏‎ ‎‏یأخـذ الاُمّـة بمضمونها ، کما لا شکّ فی أنّ العمل بظاهـرها لیس إلاّ عملاً بالظـنّ‏
‎[[page 472]]‎‏وبغیر العلم . وحینئذٍ فهل المتکلّم اتّکل فی بیان مـراده علی مفروغیـة حجّیـة‏‎ ‎‏الظواهـر الظنّیة کما هـو المطلوب ، أو اتّکل علی عـدم شمولها لنفسها ؛ لاستلزامـه‏‎ ‎‏المحال ؟‏

‏ولا أظـنّ أحـداً یتفوّه بالثانی ؛ فإنّه خارج عن المتفاهم العرفی والطریقة‏‎ ‎‏المألوفة بین العقلاء . فإذا کان الاتّکال فی الإفهام علی السیرة ـ أعنی مفروغیة‏‎ ‎‏حجّیة الظواهر مع عدم إفادتها العلم ـ یعلم بعد إلغاء الخصوصیة عدم رادعیتها‏‎ ‎‏للسیرة القطعیة فی العمل بالظواهر أو بقول الثقة المأمون أو غیرهما ممّا علیه‏‎ ‎‏عمل العقلاء .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ المتکلّم قد اعتمد فی إفادة المطلوب علی السیرة‏‎ ‎‏العقلائیة الدائرة بینهم من حجّیة الظواهر ، لا علی أنّ هذا الکلام لا یشمل لنفسها‏‎ ‎‏لأجل لزوم المحال ؛ فإنّه خارج عن المتفاهم العرفی .‏

‏فإذا کان الاعتماد علی السیرة المستمرّة من حجّیة الظواهر مع عدم إفادتها‏‎ ‎‏العلم یعلم بإلغاء الخصوصیة أنّ الآیة غیر رادعة لما قامت علیه السیرة من العمل‏‎ ‎‏بالظنون فی موارد خاصّة من الظواهر وحجّیة قول الثقة وغیرهما .‏

ثمّ إنّ بعض الأعاظم أفاد فی المقام :‏ أنّه لا یحتاج فی اعتبار الطریقیة‏‎ ‎‏العقلائیـة إلی إمضاء صاحب الشرع لها والتصریح باعتبارهـا ، بل یکفی عـدم‏‎ ‎‏الردع عنها ؛ فإنّ عدم الردع عنها مع التمکّن منه یلازم الرضاء بها ؛ وإن لم یصرّح‏‎ ‎‏بالإمضاء .‏

‏نعم ، لا یبعد الحاجـة إلی الإمضاء فی باب المعاملات ؛ لأنّها مـن الاُمـور‏‎ ‎‏الاعتباریـة التی یتوقّف صحّتها علی اعتبارهـا ؛ ولو کـان المعتبر غیر الشارع‏
‎[[page 473]]‎‏فلابـدّ مـن إمضاء ذلک ؛ ولو بالعموم والإطلاق .‏

‏وتظهر الثمرة فی المعاملات المستحدثة التی لم تکن فی زمان الشارع ،‏‎ ‎‏کالمعاملات المعروفة فی هذا الزمان ـ البیمة التأمین ـ فإنّها إذا لم یندرج فی عموم‏‎ ‎‏«‏أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ‏»‏‎[5]‎‏ أو ‏‏«‏أَوْفُوا بِالْعُقُودِ‏»‏‎[6]‎‏ ونحو ذلک فلا یجوز ترتیب آثار‏‎ ‎‏الصحّة علیها‏‎[7]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّ التفریق بین المعاملات وغیرها باحتیاج الاُولی إلـی الإمضاء‏‎ ‎‏وعـدم کفایة الردع ، بخلاف الثانی غیر صحیح ؛ لأنّ مجرّد کون المعاملات اُموراً‏‎ ‎‏اعتباریة لا یستلزم لزوم الإمضاء وعدم کفایة عدم الـردع ، فإذا کانت المعاملة‏‎ ‎‏بمرأی ومسمع من الشارع ، وکان متمکّناً عن الردع فسکوته کاشف عن رضاه ،‏‎ ‎‏وهذا کافٍ فی نفوذ المعاملة .‏

ثمّ إنّه ‏قدس سره‏‏ أفاد ثانیاً :‏‏ أنّ سیرة المسلمین فی الاُمور التوقیفیة التی من شأنها أن‏‎ ‎‏تتلقّی من الشارع تکشف لا محالة عن الجعل الشرعی ، وأمّا فی غیر التوقیفیة التی‏‎ ‎‏کانت تنالها ید العرف والعقلاء قبل الشرع فمن المحتمل قریباً رجوع سیرة‏‎ ‎‏المسلمین إلی طریقة العقلاء ، ولکن ذلک لا یضرّ جواز الاستدلال بها ؛ فإنّه کما أنّ‏‎ ‎‏استمرار طریقة العقلاء یکشف عن رضاء صاحب الشرع ، کذلک سیرة المسلمین‏‎ ‎‏تکشف عن ذلک ، غایته : أنّه فی مورد اجتماع السیرة والطریقة یکونان من قبیل‏‎ ‎‏تعدّد الدلیل علی أمر واحد ، انتهی .‏


‎[[page 474]]‎وفیه :‏ أنّ عدّ مورد اجتماع السیرتین من باب قیام الدلیلین علی شیء واحد‏‎ ‎‏غیر صحیح ؛ فإنّ سیرة المسلمین علی جواز العمل بقول الثقة لو کانت قائمة علیه‏‎ ‎‏بما هم مسلمون فلا وجه لإرجاعها إلی طریقة العقلاء وسیرتهم کما ادّعاه .‏

‏وإن کانت قائمة علیه لا بما هم مسلمون فهی وإن کانت راجعة إلی سیرة‏‎ ‎‏العقلاء لکن لا تصیر السیرة دلیلاً مستقلاًّ بعد اتّحاد الحیثیتین فی متعلّق السیرتین ،‏‎ ‎‏بل الدلیل ینحصر فی واحد ؛ وهو سیرة العقلاء‏‎[8]‎‏ .‏


‎[[page 475]]‎

‎[[page 476]]‎

  • )) الإسراء (17) : 36 .
  • )) یونس (10) : 36 ، النجم (53) : 28 .
  • )) کفایة الاُصول : 348 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 433 .
  • )) البقرة (2) : 275 .
  • )) المائدة (5) : 1 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 193 .
  • )) ثمّ إنّ القوم ـ قدّس الله أسرارهم ـ استدلّوا علی حجّیة قول الثقة بالدلیل العقلی الذی نقل الشیخ الأعظم تقریراته المختلفة فی «فرائده» ، ومرجع الکلّ إلی الانسداد الصغیر والکبیر .     وقد بحث سیّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه الوارف ـ عنه فی الدورة السابقة ، وغار فی عامّة مباحثه ، وفند أکثر ما أفاده بعض أعاظم العصر فی هاتیک المباحث . غیر أنّه ـ دام ظلّه ـ رأی البحث عنه فی هذه الدورة ضیاعاً للوقت ، وصار بصدد تهذیب الاُصول وتنقیحه .     ومن أجمل ما أفاد فی هذا المقام قوله : إنّ البحث عن أصل الانسداد وإن کان له شأن ؛ لیقف القارئ علی حقیقة الحال ، غیر أنّ البحث عن فروعه ؛ من کون النتیجة علی فرض صحّة الانسداد مهملة أو کلّیة ، وکون الظنّ حجّة علی الکشف أو الحکومة و . . . ضار جدّاً ؛ إذ بعد إبطاله لا مصاغ للبحث عن فروعه ؛ إذ لا أساس حتّی یبحث عمّا یبنی علیه .[المؤ لّف]

انتهای پیام /*