مفاد الاستصحاب و قاعدة التجاوز

کد : 147563 | تاریخ : 21/01/1394

مفاد الاستصحاب وقاعدة التجاوز

‏ ‏

‏أمّا الاستصحاب : فیتوقّف کونه أمارة شرعیة علی إثبات اُمور ثلاثة :‏

‏الأوّل : أن یکون له جهة کشف وطریقیة ، فإنّ ما لا یکون له جهة کشف أصلاً‏‎ ‎‏لا یصلح للأماریة والکاشفیة .‏

‏الثانی : أن لا یکون بنفسه أمارة عقلیة أو عقلائیة ، فإنّ الواجد للأماریة لا‏‎ ‎‏معنی لجعله أمارة ؛ فإنّه من قبیل تحصیل الحاصل .‏

‏الثالث : أن یکون العنایة فی جعله إلی الکاشفیة والطریقیة‏‎[1]‎‏ .‏


‎[[page 336]]‎‏ولا شکّ أنّ الاستصحاب فیه جهة کشف عن الواقع ، فإنّ الیقین بالحالة‏‎ ‎‏السابقة له جهة کشف عن البقاء . وإلی ذلک یرجع ما یقال : ما ثبت یدوم ، وهو فی‏‎ ‎‏الآن اللاحق لیس کالشکّ المحض غیر القابل للأماریة .‏

‏کما أنّ الجهة الثانیة أیضاً موجودة ، فإنّ بناء العقلاء لیس علی کون‏‎ ‎‏الاستصحاب کاشفاً عن متعلّقه ؛ وإن ادّعی أنّه لأجل کون شیء له حالة مقطوعة فی‏‎ ‎‏السابق‏‎[2]‎‏ إلاّ أنّه مجرّد ادّعاء . بل من القریب جدّاً أن یکون ذلک بواسطة احتفافه‏‎ ‎‏باُمور اُخر ممّا توجب الاطمئنان والوثوق ، لا لمجرّد القطع بالحالة السابقة .‏

‏وبالجملة : لم یعلم أنّ عمل العقلاء بالاستصحاب فی معاملاتهم وسیاساتهم‏‎ ‎‏لأجـل کونـه ذات کشف عـن الواقـع ؛ کشفاً ضعیفاً بلا ملاحظـة قرائن محفوفـة‏‎ ‎‏توجب الوثوق حتّی یکون أمارة عقلائیـة کخبر الثقـة ، ویکون ذاک مانعاً عـن تعلّق‏‎ ‎‏الجعل الشرعی .‏

‏وأمّا الجهة الثالثة : فلو ثبت تلک الجهة لانسلک الاستصحاب فی عداد‏‎ ‎‏الأمارات الشرعیة مقابل الأمارات العقلائیة ، ویمکن استظهاره من الکبریات‏‎ ‎‏الموجودة فی الاستصحاب . فتری أنّ العنایة فیها بإبقاء الیقین وأنّه فی عالم‏‎ ‎‏التشریع والتعبّد موجود ، وأنّه لا ینبغی أن ینقض بالشکّ .‏

والحاصل :‏ أنّ الروایات تعطی بظاهرها أنّ الغرض إطالة عمر الیقین السابق ،‏‎ ‎‏وإعطاء صفـة الیقین علی کلّ مـن کان علی یقین ، کما ینادی به قوله ‏‏علیه السلام‏‏ فی‏‎ ‎‏مضمرة زرارة : ‏«وإلاّ فإنّه علی یقین من وضوئه ، ولا ینقض الیقین بالشکّ أبداً»‎[3]‎‏ ‏‎ ‎
‎[[page 337]]‎‏لا إعطاء صفة الیقین علی الشاکّ بعنوان أنّه شاکّ ، ولا جعل الشکّ یقیناً حتّی یقال :‏‎ ‎‏لا معنی لإعطاء صفة الکاشفیة والطریقیة علی الشکّ ، ولا إعطاء الیقین علی الشاکّ ؛‏‎ ‎‏لأنّ الشکّ لیس له جهة الکشف .‏

وبالجملة :‏ الاستصحاب إطالة عمر الیقین تعبّداً فی عالم التشریع ،‏‎ ‎‏وقد عرفت أماریة الیقین السابق بالنسبة إلی اللاحق .‏

ثمّ‏ إنّا قد أطلنا الکلام سابقاً فی النقض والإبرام بذکر إشکالات وتفصّیات فی‏‎ ‎‏المقام‏‎[4]‎‏ ، لکن التحقیق أنّه لیس أمارة شرعیة ، بل هو أصل تعبّدی کما علیه‏‎ ‎‏المشائخ‏‎[5]‎‏ ؛ لأنّ الجهة الاُولی من الجهات اللازمة فی أماریة الشیء مفقودة فی‏‎ ‎‏الاستصحاب ؛ لأنّ کون الیقین السابق کاشفاً عن الواقع ـ کشفاً ناقصاً ـ لا یرجع إلی‏‎ ‎‏شیء ؛ لأنّ الیقین لا یعقل أن یکون کاشفاً عن شیء فی زمان زواله ، والمفروض‏‎ ‎‏کون المکلّف حین الاستصحاب شاکّاً لیس إلاّ .‏

‏نعم ، یمکن أن یکون وجود المستصحب فیما له اقتضاء بقاء کاشفاً ناقصاً‏‎ ‎‏عـن بقائـه ؛ بمعنی حصول الظنّ منه بالنسبة إلی بقائه ، لکنّه أجنبی عن أماریة‏‎ ‎‏الیقین السابق .‏

‏والجهة الثالثة أیضاً منتفیة : فلأنّ العنایة فی الروایات لیست إلی جهة الکشف‏‎ ‎‏والطریقیة ؛ أی إلی أنّ الکون السابق کاشف عن البقاء حتّی یصحّ جعله أمارة ؛ لما‏‎ ‎‏عرفت أنّ الکون السابق یحصل منه مرتبة من الظنّ ، بل العنایة إلی أنّ الیقین لکونه‏‎ ‎
‎[[page 338]]‎‏أمراً مبرماً لا ینبغی أن ینقض بالشکّ الذی لیس له إبرام ، وقد عرفت أنّ الیقین‏‎ ‎‏السابق لیس له أدنی أماریة بالنسبة إلی حالة الشکّ .‏

‏فما تعرّض له الأخبار وکان مورد العنایة فیها لیس له جهة کشف مطلقاً ، وما‏‎ ‎‏له جهة کشف موجب للظنّ یکون أجنبیاً عن مفادها ، فلا محیص عن الذهاب إلی‏‎ ‎‏ما علیه الأساتذة من أنّه أصل تعبّدی .‏

‏وأمّا الاستصحاب العقلائی الذی ینظر إلیه کلام الأقدمین‏‎[6]‎‏ فهو غیر مفاد‏‎ ‎‏الروایات ، بل هو عبارة عن الکون السابق الکاشف عن البقاء فی زمن اللاحق ،‏‎ ‎‏وقد عرفت أنّ بناء العقلاء لیس علی ترتیب الآثار بمجرّد الکون السابق ما لم‏‎ ‎‏یحصل الوثوق .‏

‏بل الظاهر : أنّ بناء العقلاء علی العمل لیس لأجل الاستصحاب ـ أی جرّ‏‎ ‎‏الحالة السابقة ـ بل لأجل عدم الاعتناء بالاحتمال الضعیف المقابل للوثوق ، کما فی‏‎ ‎‏سائر الطرق العقلائیة .‏

وأمّا قاعدة التجاوز :‏ فالکبری المجعولة فیها بعد إرجاع الأخبار بعضها إلی‏‎ ‎‏بعض وجوب المضیّ العملی وعدم الاعتناء بالشکّ والبناء علی الإتیان .‏

‏وما فی بعض الأخبار من «أنّ الشکّ لیس بشیء» وإن کان یوهم أنّها بصدد‏‎ ‎‏إسقاط الشکّ اللازم منه إعطاء الکاشفیة لکنّه إشعار ضعیف لا ینبغی الاعتداد به ،‏‎ ‎‏والظاهر من مجموع الأخبار لیس إلاّ ما تقدّم .‏

‏کما یکشف عنه روایة حمّاد بن عثمان قال : قلت لأبی عبدالله  ‏‏علیه السلام‏‏ أشکّ وأنا‏‎ ‎‏ساجد ، فلا أدری رکعت أم لا . فقال : ‏«قد رکعت»‏ .‏


‎[[page 339]]‎والحاصل :‏ أنّ العنایة فی الجعل فی القاعدة هی عدم الاعتناء عملاً والمضی‏‎ ‎‏العملی والبناء علی الإتیان ، وهو المراد بالأصل .‏

هذا مفاد الاستصحاب وقاعدة التجاوز .

‎ ‎

‎[[page 340]]‎

  • )) لا یخفی : أنّ ما حرّرناه فی المقام ممّا استفدناه عن سیّدنا الاُستاذ فی الدورة السابقة فی مبحث الاستصحاب ، وعند البحث عن الإجزاء فی الاجتهاد والتقلید . [المؤ لّف]
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 331 ـ 332 .
  • )) تهذیب الأحکام 1 : 8 / 11 ، وسائل الشیعة 1 : 245 ، کتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحدیث 1 .
  • )) راجع أنوار الهدایة 1 : 115 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 26 : 13 ، کفایة الاُصول : 435 ، أجود التقریرات 2 : 343 .
  • )) راجع الذریعة إلی اُصول الشریعة 2 : 829 ـ 830 ، غنیة النزوع 2 : 420 ، المعتبر 1 : 32 .

انتهای پیام /*