حکم الظنّ فی المقام

کد : 147572 | تاریخ : 21/01/1394

حکم الظنّ فی المقام

‏ ‏

‏بقی الکلام فی التفصیل المستفاد من کلام بعض أعاظم العصر ؛ فإنّه بعد بیان‏‎ ‎‏الأقسام المذکورة للظنّ وإمکان أخذه موضوعاً لحکم آخر مطلقاً إلاّ فیما اُخذ تمام‏‎ ‎‏الموضوع علی وجه الطریقیة ـ کما تقدّم منه فی القطع إشکالاً وجواباً ـ قال ما هذا‏‎ ‎‏ملخّصه :‏

وأمّا‏ أخذه موضوعاً لمضادّ حکم متعلّقه فلا یمکن مطلقاً ، من غیر فرق بین‏‎ ‎‏الظنّ المعتبر وغیره ؛ للزوم اجتماع الضدّین ؛ ولو فی بعض الموارد ، ولا یندرج فی‏‎ ‎‏مسألة اجتماع الأمر والنهی ، بل یلزم منه الاجتماع فی محلّ واحد .‏

‏وأمّا أخذه موضوعـاً لحکم المماثل : فإن لم یکن الظـنّ حجّـة فلا مانع‏‎ ‎‏منـه ؛ فإنّ فی صورة المصادفـة یتأکّد الحکمـان ؛ فإنّ اجتمـاع المثلین إنّمـا یلـزم‏‎ ‎‏لو تعلّق الحکمان بموضوع واحـد وعنوان فارد ، وأمّا مع تعلّقهما بالعنوانین‏‎ ‎‏فلا یلزم إلاّ التأکّد .‏


‎[[page 317]]‎وأمّا‏ الظنّ الحجّة : فلا یمکن أخذه موضوعاً للمماثل ؛ فإنّ الواقع فی طریق‏‎ ‎‏إحراز الشیء لا یکون من طواریه ؛ بحیث یکون من العناوین الثانویة الموجبة‏‎ ‎‏لحدوث ملاکٍ غیر ما هو علیه من الملاک ؛ لأنّ الحکم الثانی لا یصلح لأن یکون‏‎ ‎‏محرّکاً وباعثاً لإرادة العبد ؛ فإنّ الانبعاث إنّما یتحقّق بنفس إحراز الحکم الواقعی‏‎ ‎‏المجعول علی الخمر ، فلا معنی لجعل حکم آخر إلی ذلک المحرز ، کما لا یعقل ذلک‏‎ ‎‏فی العلم أیضاً .‏

وقال ‏قدس سره‏‏ فی فذلکة المقام : إنّ الظنّ الغیر المعتبر لا یصحّ أخذه موضوعاً علی‏‎ ‎‏وجه الطریقیة ـ لا للمماثل ولا للمخالف ـ فإنّ أخذه علی وجه الطریقیة هو معنی‏‎ ‎‏اعتباره ؛ إذ لا معنی له إلاّ لحاظه طریقاً .‏

‏وأمّا أخذه موضوعاً لنفس متعلّقه إذا کان حکماً فلا مانع منه بنتیجة التقیید‏‎ ‎‏مطلقاً ، بل فی الظنّ المعتبر لا یمکن ـ ولو بنتیجة التقیید ـ فإنّ أخذ الظنّ حجّة‏‎ ‎‏محرزاً لمتعلّقه معناه : أنّه لا دخل له فی المتعلّق ؛ إذ لو کان له دخل لما اُخذ طریقاً‏‎ ‎‏فأخذه محرزاً مع أخذه موضوعاً یوجب التهافت ـ ولو بنتیجة التقیید ـ وذلک‏‎ ‎‏واضح‏‎[1]‎‏ ، انتهی کلامه .‏

وفیه مواقع للنظر‏ ، نذکر منها ما یلی ، فنقول :‏

أمّا أوّلاً :‏ أنّ اختلاف العنوانین إن کان رافعاً لاجتماع المثلین فهو رافع‏‎ ‎‏لاجتماع الضدّین ؛ فإنّ محطّ الأمر والنهی إذا کانا عنوانین مختلفین وفرضنا اتّفاقهما‏‎ ‎‏فی موضوع واحد فتعدّد العنوان کما یرفع اجتماع المثلین فکذلک یرفع اجتماع‏‎ ‎‏الضدّین ، وأمّا إذا کان أحد العنوانین محفوظاً مع الآخر ـ کما فی المقام ؛ فإنّ الخمر‏‎ ‎
‎[[page 318]]‎‏محفوظ بعنوانه مع مظنون الخمریة ـ فکما لا یرفع معه التضادّ فکذلک لا یرفع به‏‎ ‎‏اجتماع المثلین .‏

وثانیاً :‏ أنّ ما ذکره من میزان اجتماع المثلین ومیزان التأکّد ممّا لا أساس له‏‎ ‎‏أصلاً ؛ فإنّ التأکّد إنّما هو مورده فیما إذا کان العنوان واحداً ، لا ما إذا کان العنوان‏‎ ‎‏متعدّداً ، کما ذکره ‏‏قدس سره‏‏ ، وکان تعلّق الأوامر به لأجل التأکید .‏

‏ثمّ التأکید قد یحصل بأداته وقد یحصل بتکرّر الأمر والنهی ، کالأوامر الکثیرة‏‎ ‎‏المتعلّقة بعناوین الصلاة والزکاة والحجّ ، وعناوین الخمر والمیسر والربا ، کما تجده‏‎ ‎‏فی الشریعة المقدّسة .‏

‏فهذه کلّها من قبیل التأکید لا اجتماع المثلین ، ویحکی هذه الأوامر المتظافرة‏‎ ‎‏عن اهتمام الآمر والناهی ، وعن إرادة واحدة مؤکّدة لا عن إرادات ؛ فإنّ تعلّق‏‎ ‎‏إرادتین بشیء واحد ممّا لا یمکن ؛ لأنّ تشخّص الإرادة بالمراد .‏

‏هذا حال العنوان الواحد .‏

‏وأمّا مع اختلاف العنوانین فلا یکون من التأکید أصلاً ؛ وإن اتّفق اجتماعهما‏‎ ‎‏فی موضوع واحد ، فإنّ لکلّ واحد من العنوانین حکمه ، ویکون الموضوع مجمعاً‏‎ ‎‏لعنوانین ولحکمین ، ویکون لهما إطاعتان وعصیانان ، ولا بأس به . وما اشتهر بینهم :‏‎ ‎‏أنّ قوله «أکرم العالم وأکرم الهاشمی» یفید التأکید إذا اجتمعا فی مصداق واحد ممّا‏‎ ‎‏لا أصل له .‏

وثالثاً :‏ أنّ ما أفاده من أنّ الظنّ المعتبر لا یمکن أخذه موضوعاً للحکم‏‎ ‎‏المماثل ؛ معلّلاً تارة بأنّ المحرز للشیء لیس من العناوین الثانویة الموجبة لحدوث‏‎ ‎‏الملاک ، واُخری بأنّ الحکم الثانی لا یصلح للانبعاث ؛ وإن خلط المقرّر بینهما .‏

فیرد علی الأوّل :‏ أنّ عدم کون الظنّ المحرز من العناوین الثانویة التی توجب‏‎ ‎
‎[[page 319]]‎‏الملاک هل هو من جهة کون الظنّ مختلفاً مع الواقع المظنون فی الرتبة ، أو من جهة‏‎ ‎‏الاعتبار الشرعی ؟‏

‏فعلی الأوّل یلزم أن یکون الظنّ غیر المعتبر أیضاً کذلک ، فعلی الثانی فنحن‏‎ ‎‏لا نقبله حتّی یقوم الدلیل علی أنّ الاعتبار الشرعی ممّا ینافی الملاکات الواقعیة‏‎ ‎‏ویرفعها .‏

والحاصل :‏ لا فرق بین الظنّ المعتبر وغیره إلاّ فی الجعل الشرعی ، وهو ممّا‏‎ ‎‏لا یضادّ الملاکات النفس الأمریة ، مع أنّ الظنّ والقطع کسائر العناوین یمکن أن‏‎ ‎‏یکونا موجبین لملاک آخر .‏

ویرد علی التعلیل الثانی :‏ أنّه یمکن أن لا ینبعث العبد بأمر واحد وینبعث‏‎ ‎‏بأمرین أو أوامر ، وإمکان الانبعاث یکفی فی الأمر ، ولولا ذلک لزم لغویة التأکیدات ،‏‎ ‎‏مع أنّ المظنون بما أنّه مظنون یمکن أن یکون له ملاک مستقلّ فی مقابل الواقع ، کما‏‎ ‎‏هو المفروض فیما نحن فیه ، فلا بأس بتعلّق أمر مستقلّ .‏

‏وأمّا ما أفاده فی فذلکته : من أنّ أخذ الظنّ علی وجه الطریقیة هو معنی‏‎ ‎‏اعتباره ، ففیه : أنّه ممنوع ؛ فإنّ الظنّ لمّا کان له طریقیة ناقصة وکاشفیة ضعیفة ذاتاً‏‎ ‎‏یمکن أن یؤخذ علی هذا الوجه موضوعاً فی مقابل الوصفیة التی معناها أن یؤخذ‏‎ ‎‏مقطوع النظر عن کاشفیته .‏

‏وأمّا معنی اعتباره فهو أن یجعله الشارع معتبراً وواجب العمل بالجعل‏‎ ‎‏التشریعی ، فمجرّد لحاظ الشارع طریقیته لا یلازم اعتباره شرعاً ؛ فضلاً عن أن‏‎ ‎‏یکون معناه . وإن شئت قلت : إنّ لحاظ الطریقیة من مقولة التصوّر وجعل الاعتبار‏‎ ‎‏من الإنشاء والحکم ، ولا ربط بینهما .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ لحاظ الطریقیة لو کان ملازماً للاعتبار لزم أن یلتزم‏‎ ‎
‎[[page 320]]‎‏بامتناعه فی القطع ؛ لأنّ جعل الطریقیة والاعتبار فیه ممتنع ، فلحاظ القطع الطریقی‏‎ ‎‏موضوعاً مطلقاً یصیر ممتنعاً .‏

‏اللهمّ إلاّ أن یدّعی : أنّ ذاک اللحاظ عین معنی الاعتبار أعمّ من الذاتی أو‏‎ ‎‏الجعلی ، وهو کما تری .‏

‏وأمّا ما أفاد : من أنّ أخذ الظنّ بالحکم موضوعاً لنفسه لا مانع منه بنتیجة‏‎ ‎‏التقیید فقد یظهر ما فیه عند البحث عن أخذ العلم کذلک من لزوم الدور .‏

‏وأمّا ما أفاده أخیراً : من عدم جواز أخذ الظنّ المعتبر موضوعاً لحکم متعلّقه ؛‏‎ ‎‏معلّلاً بأنّ أخذ الظنّ محرزاً لمتعلّقه معناه أنّه لا دخل له فیه ، وهو ینافی‏‎ ‎‏الموضوعیة ، ففیه : أنّ ذلک ممنوع جدّاً ؛ فإنّ الملاک یمکن أن یکون فی الواقع‏‎ ‎‏المحرز بهذا الظنّ بعنوان المحرزیة ، فلابدّ من جعل المحرزیة للتوصّل بالغرض ،‏‎ ‎‏لکن أخذ الظنّ کذلک محال من رأس ؛ للزوم الدور .‏

‏والذی یسهّل الخطب : أنّ ما ذکره من الأقسام متصوّرات محضة لا واقع لها .‏

‎ ‎

‎[[page 321]]‎

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 31 ـ 35 .

انتهای پیام /*