الثانی‏: فی أخذ القطع موضوعاً لحکم یخالفه أو یماثله أو یضادّه

کد : 147573 | تاریخ : 21/01/1394

الثانی : فی أخذ القطع موضوعاً لحکم یخالفه أو یماثله أو یضادّه

‏ ‏

‏إنّک قد عرفت أنّ القطع قد یتعلّق بموضوع خارجی ، فیأتی فیه الأقسام‏‎ ‎‏المذکورة ، وقد یتعلّق بحکم شرعی ، فیقع الکلام تارة فی أخذه موضوعاً لحکم غیر‏‎ ‎‏ما تعلّق به العلم ممّا یخالفه أو یماثله أو یضادّه ، واُخری فی أخذه موضوعاً لنفس‏‎ ‎‏الحکم الذی تعلّق به .‏

فنقول :‏ لا إشکال فی إمکان أخذه تمام الموضوع وجزئه فی حکم یخالفه ،‏‎ ‎‏کما إذا رتّب علی العلم بوجوب صلاة الجمعة وجوب التصدّق .‏

‏إنّما الإشکال فی أخذه کذلک لما یماثله أو یضادّه .‏

‏والذی یمکن أن یکون مانعاً اُمور نشیر إلیها :‏

منها :‏ کونه مستلزماً لاجتماع الضدّین أو المثلین .‏

وفیه :‏ أنّه قد مرّ بما لا مزیـد علیه فی مبحث النواهی أنّ الأحکام لیست‏‎ ‎‏مـن الاُمور الوجودیة الواقعیة ، بل من الاعتباریات‏‎[1]‎‏ ، وقد عرّف الضدّان بأنّهما‏‎ ‎‏الأمران الوجودیان غیر المتضائفین المتعاقبان علی موضوع واحد ، لا یتصوّر‏‎ ‎‏اجتماعهما فیه ، بینهما غایة الخلاف ، فما لا وجود لها إلاّ فی وعاء الاعتبار‏‎ ‎‏لا ضدّیة بینها ، کما لا ضدّیة بین أشیاء لا حلول لها فی موضوع ولا قیام لها به قیام‏‎ ‎‏حلول وعروض .‏

‏ومن ذلک الباب عدم تضادّ الأحکام لأجل أنّ تعلّق الأحکام بموضوعاتها‏‎ ‎‏ومتعلّقاتها لیس حلولیاً عروضیاً نحو قیام الأعراض بالموضوعات ، بل قیامها بها‏‎ ‎
‎[[page 313]]‎‏قیام اعتباری لا تحقّق لها أصلاً ، فلا یمتنع اجتماعها فی محلّ واحد ، ولذا یجوز‏‎ ‎‏الأمر والنهی بشیء واحد من جهة واحدة من شخصین أو شخص واحد مع الغفلة ،‏‎ ‎‏ولو کان بینها تضادّ لما صار ممکناً مع حال الغفلة ، وممّا ذکرنا یظهر حال المثلیة .‏

ومنها :‏ اجتماع المصلحة والمفسدة .‏

وفیه :‏ لا مانع من کون موضوع ذا مصلحة من جهة وذا مفسدة من جهة‏‎ ‎‏اُخری ، والجهتان متحقّقتان فی المقام ، فیمکن أن یکون ذا مصلحة حسب عنوانه‏‎ ‎‏الذاتی ، وذا مفسدة عند کونه مقطوعاً أو مظنوناً .‏

ومنها :‏ أنّه یستلزم اجتماع الکراهة والإرادة ، والحبّ والبغض .‏

وفیه :‏ أنّ هذا إنّما یرد لو کان الموضوع للحکمین المتضادّین صورة وُحدانیة‏‎ ‎‏له صورة واحدة فی النفس ، وأمّا مع اختلاف العناوین تکون صورها مختلفة ،‏‎ ‎‏ولأجل اختلافها تتعلّق الإرادة بواحدة منها والکراهة بصورة اُخری ، ولیست الصور‏‎ ‎‏الذهنیة مثل الموضوعات الخارجیة ؛ حیث إنّ ذات الموضوع الخارجی محفوظة‏‎ ‎‏مع اختلاف العناوین ، بخلاف الصور الذهنیة ؛ فإنّ الموضوع مع کلّ عنوان له صورة‏‎ ‎‏علی حدة ، فتأمّل لما سیجیء من التفصیل .‏

ومنها :‏ لزوم اللغویة فی بعض الموارد ـ أعنی إذا اُحرز أنّ المکلّف ینبعث‏‎ ‎‏عند حصول القطع بحکم من أحکام المولی ـ فجعل حکم آخر مثله لغو لا یترتّب‏‎ ‎‏علیه الانبعاث فی هذه الصورة . نعم لو اُحرز أنّ المکلّف لا ینبعث إلاّ إذا تعلّق أمر‏‎ ‎‏آخر علی المحرز المقطوع فلا یلزم اللغویة ، بل یکون لازماً .‏

وفیه :‏ أنّ ما ذکره صحیح فی الأحکام الجزئیة والخطابات الشخصیة دون‏‎ ‎‏الأحکام الکلّیة ، فتعلّقها مطلقاً لا یکون لغواً ؛ لعدم إحراز الإتیان أو عدمه ، بل‏‎ ‎‏المحقّق اختلاف المکلّفین فی ذلک المقام ؛ فربّ مکلّف لا ینبعث إلاّ عن أمرین أو‏‎ ‎
‎[[page 314]]‎‏أزید ، وعلیه لا بأس لجعل آخر مماثل لما تعلّق به لأجل حصول الانبعاث فی‏‎ ‎‏بعض المکلّفین .‏

ومنها :‏ لزوم الأمر بالمحال ؛ فإنّه ـ مضافاً إلی أنّه یستلزم لغویة جعل الحرمة‏‎ ‎‏للخمر ـ إذا فرضنا أنّ الخمر حرام فإذا قطع بحرمة الخمر یصیر مقطوع الحرمة‏‎ ‎‏مرخّصاً فیه ، یستلزم ذلک الأمر بالمحال ؛ فإنّ الامتثال فی هذه الصورة غیر ممکن ،‏‎ ‎‏وسیجیء دفعه فی آخر البحث .‏

ومع ذلک کلّه فالحقّ :‏ التفصیل بین کونه تمام الموضوع للحکم المضادّ‏‎ ‎‏والمماثل وبین کونه بعض الموضوع ، بالجواز فی الأوّل والامتناع فی الثانی ؛ لأنّ‏‎ ‎‏مصبّ الحکم المضادّ الثانوی إنّما هو عنوان المقطوع بلا دخالة الواقع فیه ، وهو مع‏‎ ‎‏عنوان الواقع عامان من وجه ، ویتصادق علی الموضوع الخارجی أحیاناً ، وقد‏‎ ‎‏أوضحنا فی مبحث النواهی : أنّ اجتماع الحکمین المتضادّین ـ حسب اصطلاح‏‎ ‎‏القوم ـ فی عنوانین مختلفین متصادقین علی مورد واحد ممّا لا إشکال فیه‏‎[2]‎‏ .‏

والحاصل :‏ أنّه إذا جعل الشارع القطع تمام الموضوع لحکم من الأحکام‏‎ ‎‏ـ سواء ماثل حکم المتعلّق أو ضادّه ـ بأن قال : «الخمر المقطوع الحرمة حرام‏‎ ‎‏شربها أو واجب الارتکاب» فلا یلزم اجتماع المثلین ؛ لأنّ النسبة بین مقطوع‏‎ ‎‏الخمریة أو مقطوع الحرمة والخمر الواقعی أو الحرمة الواقعیة عموم من وجه ، وإذا‏‎ ‎‏انطبق کلّ واحد من العنوانین علی المایع الخارجی فقد انطبق کلّ عنوان علی‏‎ ‎‏مصداقه ؛ أعنی المجمع . وکلّ عنوان یترتّب علیه حکمه بلا تجاوز الحکم عن‏‎ ‎‏عنوانه إلی عنوان آخر .‏


‎[[page 315]]‎‏فإذا قال : «أکرم العالم» ثمّ قال : «أکرم الهاشمی» ، وانطبق العنوانان علی‏‎ ‎‏رجل عالم هاشمی فالحکمان ثابتان علی عنوانهما ، وعلی ما هو مصبّ الأحکام ،‏‎ ‎‏من غیر أن یتجاوز عن موضوعه وعنوانه المأخوذ فی لسان الدلیل إلی عنوان آخر‏‎ ‎‏حتّی یصیر الموضوع واحداً ، وتحصل غائلة الاجتماع . ولا یسری الأحکام من‏‎ ‎‏عناوینها إلی مصادیقها الخارجیة ؛ لما حقّقناه من أنّ الخارج ظرف السقوط دون‏‎ ‎‏العروض . فلا مناص عن القول بثبوت الحکم علی عنوانه وعدم سرایته إلی عنوان‏‎ ‎‏آخر ، ولا إلی الخارج .‏

‏هذا إذا کان القطع تمام الموضوع .‏

وأمّا إذا کان جزء الموضوع :‏ فینقلب النسبة وتصیر النسبة بین الموضوعین‏‎ ‎‏الحاملین لحکمین متماثلین أو متضادّین عموماً وخصوصاً مطلقاً ، وقد قرّر فی‏‎ ‎‏محلّه خروجه عن مصبّ البحث فی مبحث الاجتماع والامتناع ، وأنّ الحقّ فیه‏‎ ‎‏الامتناع ، فراجع .‏

‏لا یقال : المفروض أنّ العنوانین مختلفان فی هذا القسم أیضاً ، فلو کان التغایر‏‎ ‎‏المفهومی کافیاً فی رفع الغائلة فلیکن مجدیاً مطلقاً .‏

‏لأنّا نقول : فکم فرق بین التغایرین ؟ ! فإنّ التغایر فی العموم من وجه حقیقی‏‎ ‎‏والتقارن مصداقی ، وأمّا الآخر فالمطلق عین المقیّد متّحد معه ؛ اتّحاد اللابشرط مع‏‎ ‎‏بشرط شیء ، کما أنّ المقیّد عین المطلق زید علیه قید . فلو قال : «أکرم هاشمیاً» ،‏‎ ‎‏ثمّ قال : «أکرم هاشمیاً عالماً» فلو لم یحمل مطلقه علی مقیّده لزم کون الشیء‏‎ ‎‏الواحد مورداً للطلبین والإرادتین ؛ إذ الهاشمی عین الهاشمی العالم .‏

‏نعم ، قد ذکرنا وجهاً لصحّة جعله مورد النزاع ، ولکن قد زیّفناه فی محلّه‏‎[3]‎‏ .‏


‎[[page 316]]‎وبذلک یظهر :‏ دفع عامّة المحذورات فیما جوّزناه ، وقد عرفت دفع بعض‏‎ ‎‏منها ، وبقی لزوم اللغویة فی الحکم المماثل ، والأمر بالمحال فی الحکم المضادّ :‏

فنقول أمّا الأوّل :‏ فلأنّ الطرق إلی إثبات الحکم أو موضوعه کثیرة ، فجعل‏‎ ‎‏الحرمة علی الخمر والترخیص علی معلوم الخمریة أو معلوم الحرمة لا توجب‏‎ ‎‏اللغویة ؛ لإمکان العمل بالحکم الأوّل لأجل قیام طرق اُخر .‏

وأمّا لزوم الأمر بالمحال :‏ فلأنّ أمر الآمر ونهیه لا یتعلّق إلاّ بالممکن ،‏‎ ‎‏وعروض الامتثال فی مرتبة الامتثال کباب التزاحم لا یوجب الأمر بالمحال ، کما‏‎ ‎‏حقّق فی محلّه . وبذلک یظهر حال الظنّ ؛ جوازاً وامتناعاً .‏

‎ ‎

‎[[page 317]]‎

  • )) تقدّم فی الصفحة 51 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 39 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 37 .

انتهای پیام /*