الجهة الثانیة‏: فی استحقاق المتجرّی العقوبة و عدمه

کد : 147577 | تاریخ : 21/01/1394

الجهة الثانیة : فی استحقاق المتجرّی العقوبة وعدمه

‏ ‏

‏ولا یخفی : أنّ مجرّد قبحه عقلاً لا یستتبع الحرمة ؛ إذ لا ملازمة بین قبح‏‎ ‎‏شیء واستلزامه العقوبة ؛ فإنّ ترجیح المرجوح قبیح ولا یوجب العقاب ، وکذا کثیر‏‎ ‎‏من القبائح العقلیة أو العقلائیة إذا لم یرد فیها نهی أو لم ینطبق علیها عناوین محرّمة‏‎ ‎‏أو لم یدرک العقل صحّة عقوبة مخالفته .‏

‏فإن قلت : یمکن ادّعاء الملازمة بین القبح والعقاب فیما إذا ارتکب قبیحاً‏‎ ‎‏یرجع إلی دائرة المولویة والعبودیة ، ولا شکّ فی أنّ ارتکاب ما لا یجوز ارتکابه‏‎ ‎‏العقل فی تلک الدائرة ویعدّ ترکه من شؤون العبودیة ، یستلزم العقوبة .‏

‏قلت : غایة الأمر کون ذلک موجباً للّوم والکشف عن سوء السریرة ، وأمّا‏‎ ‎‏العقاب فلا ؛ ولهذا لم یحکم العقلاء بصحّة العقاب علی مقدّمات الحرام ؛ زائداً علی‏‎ ‎‏نفس الحرام ، ولا علی الحرام مرّتین : تارة للتجرّی ، واُخری للمخالفة ، کما یأتی‏‎ ‎‏الکلام فیه .‏

‏والالتزام بالتفکیک ؛ بأن یقال مع الإصابة لا یستحقّ إلاّ علی المخالفة ولا‏‎ ‎‏ینظر إلی تجرّیه ، ومع التخلّف یستحقّ علی التجرّی ؛ لصیرورته منظوراً فیه ، غیر‏‎ ‎‏وجیه ؛ لأنّ عدم کون الشیء منظوراً فیه لا یوجب رفع القبح والاستحقاق الواقعیین .‏

‏وعلی أیّ حال : فلابدّ من لحاظ حکم العقل ؛ من حیث استحقاقه للعقوبة‏‎ ‎‏لأجل ارتکاب ذلک الفعل مستقلاًّ ، من غیر قناعة علی حکمه بالقبح ، کما لابدّ من‏‎ ‎‏لحاظه مجرّداً عن کلّ العناوین الخارجة عن ذاته ؛ حتّی لا یختلط الأمر .‏

فنقول :‏ إنّ بین التجرّی والمعصیة جهة اشتراک وجهة امتیاز :‏


‎[[page 302]]‎أمّا الثانی :‏ فیمتاز التجرّی عنها فی انطباق عنوان المخالفة علیها دونه ، ولا‏‎ ‎‏إشکال فی حکم العقل بقبح مخالفة أمر المولی ونهیه مع الاختیار ، والعقلاء مطبقون‏‎ ‎‏علی صحّة المؤاخذة علی مخالفة المولی بترک ما أمره وارتکاب ما نهی عنه ، ولا‏‎ ‎‏ریب أنّ تمام الموضوع فی التقبیح هو المخالفة فقط ، من غیر نظر إلی عناوین اُخر ،‏‎ ‎‏کهتکه وظلمه وخروجه عن رسم العبودیة إلی غیر ذلک .‏

‏کما أ نّها تمام الموضوع أیضاً عند العقلاء ، الذین أطبقوا علی صحّة مؤاخذة‏‎ ‎‏المخالف ، من غیر فرق فیما ذکرنا بین أن یکون نفس العمل ممّا یحکم العقل بقبحه‏‎ ‎‏مستقلاًّ کالفواحش ، أو لا کصوم یوم العید والإحرام قبل المیقات .‏

والحاصل :‏ أنّ العقل إذا لاحظ نفس مخالفة المولی عن اختیار یحکم بقبحه‏‎ ‎‏مجرّدة عن کافّة العناوین ؛ من الجرأة وأشباهها .‏

وأمّا الأوّل‏ ـ أعنی الجهة المشترکة بینهما ـ فهی الجرأة علی المولی والخروج‏‎ ‎‏من رسم العبودیة وزیّ الرقّیة والعزم والبناء علی العصیان وأمثالها .‏

‏وأمّا الهتک فلیس من لوازم التجرّی ولا المعصیة ؛ فإنّ مجرّد المخالفة أو‏‎ ‎‏التجرّی لیس عند العقلاء هتکاً للمولی وظلماً علیه .‏

‏وعند ذلک یقع البحث فی أنّ التجرّی هل هو قبیح عقلاً أو لا ، وعلی فرض‏‎ ‎‏قبحه هل هو مستلزم للعقاب أو لا ؛ لما عرفت‏‎[1]‎‏ من عدم الملازمة بین کون الشیء‏‎ ‎‏قبیحاً وکونه مستلزماً للعقوبة .‏

‏والذی یقوی فی النفس سالفاً وعاجلاً : عدم استلزامه للعقوبة ؛ سواء قلنا‏‎ ‎‏بقبحه أم لا .‏


‎[[page 303]]‎‏والشاهد علیه : أ نّه لو فرض حکم العقل بقبح التجرّی واستحقاق العقوبة‏‎ ‎‏علیه فلیس هذا الحکم بملاک یختصّ بالتجرّی ولا یوجد فی المعصیة ، بل لو فرض‏‎ ‎‏حکمه بالقبح وصحّة المؤاخذة فلابدّ أن یکون بملاک مشترک بینه وبین المعصیة ،‏‎ ‎‏کأحد العناوین المتقدّمة المشترکة .‏

‏ولو کانت الجهة المشترکة بینهما ملاکاً مستقلاًّ للقبح واستحقاق العقوبة لزم‏‎ ‎‏القول بتعدّد الاستحقاق فی صورة المصادفة ؛ لما عرفت أنّ مخالفة المولی علّة‏‎ ‎‏مستقلّة للقبح والاستحقاق ، فیصیر الجهـة المشترکـة ملاکاً مغایـراً موجـباً‏‎ ‎‏لاستحقاق آخر.‏

وأمّا ما أفاده بعض محقّقی العصر‏ ـ فراراً عن الالتزام بتعدّد الاستحقاق ـ من‏‎ ‎‏أنّ الموضوع لحکم العقل فی العصیان لیس مخالفة المولی ، بل الهتک والجرأة علیه‏‎ ‎‏أو العزم علی العصیان أو الطغیان وغیرها ممّا هی جهات مشترکة ، وعند وحدة‏‎ ‎‏الملاک یصیر العقاب واحداً‏‎[2]‎‏ .‏

غیر مفید ؛‏ لما عرفت من أنّ العقل إذا جرّد النظر عن تمام القیود والملاکات ،‏‎ ‎‏ونظر إلی نفس ذاک العنوان ـ أعنی مخالفـة المولی عن اختیار ـ لَحَکم بالقبح‏‎ ‎‏وصحّة العقوبة .‏

‏فلو کان هذا عنواناً مستقلاًّ وذاک ـ أعنی أحد هذه العناوین المشترکة بین‏‎ ‎‏المقامین ـ عنواناً مستقلاًّ آخر لزم القول باستحقاق عقابین ، مع أنّ العقل والعقلاء‏‎ ‎‏یحکمان علی خلافه ؛ فإنّ العاصی لا یستحقّ إلاّ عقاباً واحداً ؛ لأ نّه لم یرتکب إلاّ‏‎ ‎‏قبیحاً واحداً ؛ وهو ارتکاب المنهی عنه مع العمد والاختیار .‏


‎[[page 304]]‎‏وأمّا العزم علی العصیان والجرأة علی المولی فهما وأشباههما من الأفعال‏‎ ‎‏الجنانیة التی لا تستلزم إلاّ الذمّ واللوم ، ولو فرضنا قبح التجرّی فقد عرفت فی صدر‏‎ ‎‏البحث أنّ مجرّد کونه أمراً قبیحاً لا یستلزم الاستحقاق للعقوبة .‏

‏وأمّا حدیث التداخل‏‎[3]‎‏ فهو لا یرجع إلی محصّل .‏

‎ ‎

‎[[page 305]]‎

  • )) تقدّم فی الصفحة 302 .
  • )) نهایة الأفکار 3: 35 ـ 36.
  • )) الفصول الغرویة: 87 / السطر36.

انتهای پیام /*