التنبیه الثالث فی إحراز المشتبه بالأصل الموضوعی

کد : 147631 | تاریخ : 21/01/1394

التنبیه الثالث فی إحراز المشتبه بالأصل الموضوعی

‏ ‏

‏بعد البناء علی عدم جواز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیة یقع الکلام فی‏‎ ‎‏أنّه هل یمکن إحراز المصداق بالأصل وإجراء حکم العامّ علیه مطلقاً ، أو لا مطلقاً ،‏‎ ‎‏أو تفصیل بین المقامات ؟ أقوال :‏

حجّة النافی :‏ أنّ شأن المخصّص هو إخراج الفرد الخاصّ مع بقاء العامّ علی‏‎ ‎‏تمامیة موضوعه بالنسبة إلی الباقی ، من دون انقلاب الموضوع عمّا هو علیه ؛ إذ‏‎ ‎‏إخراج الفرد نظیر موته . فحینئذٍ لا یبقی مجال لجریان الأصل ؛ إذ الأصل السلبی‏‎ ‎‏لیس شأنه إلاّ نفی حکم الخاصّ عنه لا إثبات حکم العامّ له ، ونفی أحد الحکمین لا‏‎ ‎‏یثبت الآخر . نعم ، فی مثل الشکّ فی مخالفة الشرط أو الصلح للکتاب أمکن دعوی‏‎ ‎‏أنّه من الشبهة المصداقیة الناشئة عن الجهل بالمخالفة ، الذی کان أمر رفعه بید‏‎ ‎‏المولی ، وفی مثله لا بأس بالتمسّک بالعامّ ، من غیر احتیاج إلی الأصل‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وفیه :‏ أنّه إن أراد من قوله إنّ التخصیص لا یعطی عنواناً زائداً علی الموجود‏‎ ‎‏فی نفس العامّ ، عدم حدوث انقلاب فی موضوع العامّ بحسب الظهور فهو حقّ لا‏‎ ‎‏غبار علیه ؛ إذ هذا هو الفرق بین التخصیص بالمنفصل وبین المتّصل منها والتقیید ؛‏‎ ‎‏فإنّ شأن الأخیرین إعطاء قید زائد علی الموجود فی الدلیل الأوّل ، ولکن ذلک لا‏‎ ‎‏یمنع عن جریان الأصل .‏


‎[[page 189]]‎‏وإن أراد أنّ الموضوع باقٍ علی سعته بحسب الواقع والإرادة الجدّیة أیضاً‏‎ ‎‏فهو ممنوع جدّاً ؛ إذ التخصیص یکشف عن أنّ الحکم الجدّی تعلّق بالعالم غیر‏‎ ‎‏الفاسق أو العادل . وقیاس المقام بموت الفرد غریب ؛ لعدم کون الدلیل ناظراً إلی‏‎ ‎‏حالات الأفراد الخارجیة . واخترام المنیة لبعض الأفراد لا یوجب تقییداً أو‏‎ ‎‏تخصیصاً فی الأدلّة ، بخلاف إخراج بعض الأفراد .‏

وأغرب منه :‏ ما ذکره فی ذیل کلامه من جواز التمسّک فی الشبهة المصداقیة‏‎ ‎‏لمخالفة الکتاب ؛ مستدلاًّ بأنّ رفعها بید المولی ؛ إذ لو کان الشکّ راجعاً إلی الشبهة‏‎ ‎‏المصداقیة فلیس رفعها بید المولی ؛ لأنّ الشبهة عرضت من الاُمور الخارجیة .‏

أضف إلیـه :‏ أنّ المثالین من باب المخصّـص المتّصـل ؛ لاتّصال المخصّص‏‎ ‎‏فی قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«المؤمنون عند شروطهم إلاّ ما حرّم حلالاً أو أحلّ حراماً»‎[2]‎‏ ،‏‎ ‎‏وفی قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«الصلح جائز بین المسلمین إلاّ صلحاً أحلّ حراماً أو حرّم‎ ‎حلالاً»‎[3]‎‏ ولا یجوز التمسّک فیه بالعامّ بلا إشکال .‏

حجّة القائل بجریانه مطلقاً :‏ أنّ القرشیة والنبطیة من أوصاف الشیء فی‏‎ ‎‏الوجود الخارجی ؛ لأنّها التولّد من ماء من هو منتسب إلیهم ، فلک أن تشیر إلی‏‎ ‎‏ماهیة المرأة وتقول : إنّ هذه المرأة لم تکن قرشیة قبل وجودها ، فیستصحب عدمها‏‎ ‎‏ویترتّب علیه حکم العامّ ؛ لأنّ الخارج من العامّ المرأة التی من قریش ، والتی‏‎ ‎‏لم تکن منه بقیت تحته ، فیحرز موضوع حکم العامّ بالأصل‏‎[4]‎‏ ، انتهی .‏


‎[[page 190]]‎وعن بعض آخر فی تقریبه أیضاً :‏ أنّ العامّ شامل لجمیع العناوین ، وما خرج‏‎ ‎‏منـه هو عنوان خاصّ وبقی سائرها تحته ، فمع استصحاب عدم انتساب المرأة إلی‏‎ ‎‏قریش أو عدم قرشیتها ینقّح موضوع العامّ‏‎[5]‎‏ ، انتهی .‏

وربّما یقال فی تقریبه أیضاً‏ ما هذا ملخّصه : إن أخذ عرض فی موضوع‏‎ ‎‏الحکم بنحو النعتیة ومفاد کان الناقصـة لا یقتضی أخـذ عدمـه نعتاً فی موضوع‏‎ ‎‏عـدم ذلک الحکم ؛ ضرورة أنّ ارتفاع الموضوع المقیّد بما هـو مفاد کان الناقصـة‏‎ ‎‏إنّما یکون بعدم اتّصاف الذات بذلک القید علی نحو السالبة المحصّلة لا علی‏‎ ‎‏نحو لیس الناقص .‏

‏فمفاد قضیة «المرأة تحیض إلی خمسین إلاّ القرشیة» هو أنّ المرأة التی‏‎ ‎‏لا تکون متّصفة بکونها من قریش تحیض إلی خمسین ، لا المرأة المتّصفة بأن لا‏‎ ‎‏تکون من قریش .‏

‏والفرق بینهما : أنّ القضیة الاُولی سالبة محصّلة والثانیة مفاد لیس الناقص ،‏‎ ‎‏فلا مانع من جریان الأصل لإحراز موضوع العامّ‏‎[6]‎‏ .‏

‏هذا ، ولکن التعرّض لکلّ ما قیل فی المقام أو جلّه یوجب السأمة والملال ،‏‎ ‎‏والأولی صرف عنان الکلام إلی ما هو المختار علی وجه یظهر الخلل فی کثیر من‏‎ ‎‏التقریبات التی أفادها الأعلام الکبار ، وسیوافیک تفصیل القول فی مباحث البراءة‏‎ ‎‏والاشتغال ، بإذنه وتوفیقه سبحانه .‏

‎ ‎

‎[[page 191]]‎

  • )) مقالات الاُصول 1 : 444 ـ 445 .
  • )) سنن الترمذی 2 : 403 ، السنن الکبری ، البیهقی 6 : 79 و7 : 249 .
  • )) الفقیه 3 : 20 / 52 ، وسائل الشیعة 18 : 443 ، کتاب الصلح ، الباب 3 ، الحدیث 2 .
  • )) أفاده المحقّق الحائری قدس سره فی مجلس درسـه . اُنظر معتمد الاُصـول 1 : 290 ،تنقیح الاُصول : 2 : 361 .
  • )) کفایة الاُصول : 261 .
  • )) أجود التقریرات 1 : 468 ، الهامش .

انتهای پیام /*