الأمر الثانی فی الفرق بین المطلق والعامّ
إذا أمعنت النظر فیما ذکرناه من أنّه لا جامـع قریب بین باب الإطلاق والعموم یظهر النظر فیما أفاده شیخنا العلاّمة وبعض الأعاظم من أنّ العموم قد یستفاد من دلیل لفظی ـ کلفظة «کلّ» ـ وقد یستفاد من مقدّمات الحکمة ، والمقصود بالبحث فی هذا الباب هو الأوّل ، والمتکفّل للثانی هو مبحث المطلق والمقیّد ، انتهی ملخّصاً .
وهو صریح فی أنّ العامّ علی قسمین : قسم یسمّی عامّاً وفی مقابله الخاصّ ویبحث عنه فی هذا المقام ، وقسم یسمّی مطلقاً وفی مقابله المقیّد ویبحث عنه فی باب المطلق والمقیّد .
أقول : ما أفاداه لا یخلو من غرابة ؛ لأنّ ملاک العامّ غیر ملاک المطلق ،
[[page 158]]والمستفاد من الأوّل غیر المستفاد من الآخر ؛ إذ حقیقة العامّ وکیفیة دلالته قد عرفت بما یسعه المجال .
وأمّا المطلق فهو وقوع الطبیعة تمام الموضوع للحکم باعتبار کون المقنّن عاقلاً غیر ناقض لغرضه فی مقام إعطاء الدستور . وإن شئت قلت : کون الطبیعة موضوعاً للحکم بصرافتها وإطلاقها ، من دون أن یقیّد بوقت دون وقت أو بأمرٍ دون أمر ، فموضوع الحکم فی العامّ هو أفراد الطبیعة وفی المطلق هو نفسها بلا قید ، ولم تکن الأفراد بما هی موضوعاً للحکم .
وإن شئت فاستوضح الفرق بین العامّ والمطلق من قوله سبحانه : « أوفُوا بِالعُقُودِ » ، وقوله عزّوجلّ : « أَحَلَّ الله ُ البَیْعَ » ؛ فإنّ مفاد الأوّل هو التصریح بوجوب الوفاء بکلّ مصداق من العقد ، فمصبّ الحکم هو الأفراد بآلیة الجمع المحلّی بالألف واللام مثلاً .
ومفاد الثانی ـ بناءً علی الإطلاق وتمامیة المقدّمات ـ إثبات النفوذ والحلّیة لنفس طبیعة البیع ، من غیر أن یکون للموضوع کثرة .
وأمّا استکشاف صحّة هذا الفرد الخارجی من البیع فإنّما هو لأجل انطباق ما هو تمام الموضوع للحلّیة علیه ، من دون أن یتعرّض نفس الدلیل للکثرة ، وسیوافیک مزید بیان لذلک عن قریب بإذنه تعالی .
[[page 159]]