الأمر الأوّل فی تعریف العامّ

کد : 147644 | تاریخ : 21/01/1394

الأمر الأوّل فی تعریف العامّ

‏ ‏

‏أنّ القوم عرّفه بتعاریف عدیدة ، ونوقشت عکساً وطرداً ، ولکن لا طائل فی‏‎ ‎‏البحث عنها . ولننبّه علی أمر یتّضح فی خلاله حال العامّ وتعریفه : وهو أنّ القوم‏‎ ‎‏ـ رضوان الله علیهم ـ لا یزالون علی خلط دائر بین کلماتهم ؛ حیث قسّموا العموم‏‎ ‎‏إلی وضعی وإطلاقی ، مع أنّ باب الإطلاق غیر مربوط بالعموم .‏

توضیحه :‏ أنّ الطبیعة الصرفة کما لا یوجب تصوّرها إلاّ الانتقال إلی ذاتها‏‎ ‎‏اللابشرط ، مـن دون إراءة مشخِّصاتها وقیودها الصنفیة ، کذلک اللفظ الموضوع‏‎ ‎‏مقابل هـذه الطبیعة لا یـدلّ إلاّ علی ذات الماهیـة المجرّدة مـن کلّ قید ؛ لأنّ‏‎ ‎‏الحکایـة الاعتباریة الوضعیة دائر مدار الوضع سعة وضیقاً ، والمفروض أنّ الوضع‏‎ ‎‏لم ینحدر إلاّ علی ذات الطبیعة بلا انضمام قیوده وعوارضه ، فلا محالة ینحصر‏‎ ‎‏دلالته علیها فقط ، ولا یحکی ولا یکشف عن الأفراد وعوارضها ولوازمها أصلاً .‏

وبعبارة أوضح :‏ کما أنّ نفس الطبیعة لا یمکن أن تکون مرآة وکاشفة عن‏‎ ‎‏الأفراد ؛ سواء کان التشخّص بالوجود والعوارض أماراته ، أو کان بالعوارض‏‎ ‎‏ـ ضرورة أنّ نفس الطبیعة تخالف الوجود والتشخّص وسائر عوارضها ؛ ذهنیة کانت‏
‎[[page 155]]‎‏أو خارجیة ، ولا یمکن کاشفیة الشیء عمّا یخالفه ، فالماهیة لا تکون مرآة للوجود‏‎ ‎‏الخارجی والعوارض الحافّة به ـ فکذلک الألفاظ الموضوعة للطبائع بلا شرط ،‏‎ ‎‏کأسماء الأجناس وغیرها لا تکون حاکیة إلاّ عن نفس الطبائع الموضوعة لها ،‏‎ ‎‏فالإنسان لا یدلّ إلاّ علی الطبیعة بلا شرط ، وخصوصیات المصادیق لا تکون‏‎ ‎‏محکیة به .‏

‏فإن قلت : إنّ الطبیعة کما یمکن أن تلاحظ مهملة جامدة فهکذا یمکن أن‏‎ ‎‏تلاحظ ساریة فی أفرادها دارجة فی مصادیقها ، کما هو الحال فی القضیة الحقیقیة ؛‏‎ ‎‏فهی علی فرض السریان عین کلّ فرد فی الخارج ، ومتّحدة معه فی وعائه . فتصوّر‏‎ ‎‏هذه عین تصوّر ذاک ؛ لأنّ المفروض أنّ الطبیعة لوحظت لا بما هی هی ، بل بما هی‏‎ ‎‏موجودة فی الخارج وأنّها عین الأفراد .‏

‏قلت : إنّ ذا من العجب ، وهو خلط بین الانتقال والحکایـة ؛ إذ مجـرّد‏‎ ‎‏الاتّحاد لا یوجب الحکایة والمرآتیة ، وإلاّ کانت الأعراض حاکیة عن جواهرها ؛‏‎ ‎‏لأنّ وجود العرض فی نفسه عین وجوده لموضوعه ، والمتّحدات فی الخارج حاکیة‏‎ ‎‏بعضها عن بعض .‏

‏والحاصل : أنّ مفهوم الإنسان ـ مع قطع النظر عن عالم اللفظ والوضع ـ عبارة‏‎ ‎‏عن طبیعة منحلّة إلی جنسه وفصله عند التحلیل لا غیر ، فلنفس المفهوم ضیق ذاتی‏‎ ‎‏لا یکشف عن العوارض والخصوصیات .‏

‏فلو فرضنا وضع لفظ لتلک الطبیعة فهو لا یمکن أن یحکی إلاّ عمّا وضع‏‎ ‎‏بإزائه لا غیر ، واتّحاد الإنسان خارجاً مع الأفراد لا یقتضی حکایتها ؛ لأنّ مقام‏‎ ‎‏الدلالة التابعة للوضع غیر الاتّحاد خارجاً .‏


‎[[page 156]]‎إذا عرفت ذلک فنقول :‏ إنّ حقیقة الإطلاق إنّما یتقوّم بوقوع الشیء‏‎ ‎‏ـ کالطبیعة ـ موضوعاً للحکم بلا قید ، وأمّا العموم فهو یتقوّم بشیئین : أحدهما نفس‏‎ ‎‏الطبیعة ، وثانیهما ما یدلّ علی العموم والشمول ، مثل لفظة «کل» و«الجمیع»‏‎ ‎‏و«الألف واللام» ممّا وضعت للکثرات أو تستفاد منه الکثرة لجهة اُخری .‏

‏فإذا اُضیفت هذه المذکورات إلی الطبائع أو دخل بها وصارتا ککلمةٍ واحدة‏‎ ‎‏ـ کما فی «الألف واللام» ـ تستفاد منهما الکثرة بتعدّد الدالّ والمدلول ، فإذا قلت :‏‎ ‎‏«کلّ إنسان ناطق» فلفظة «إنسان» تدلّ علی الطبیعة الصرفة ، من دون أن تکون‏‎ ‎‏حاکیة عن الکثرة والأفراد ، أو تکون الطبیعة المحکیة به مرآة لها ، وکلمة «کلّ» تدلّ‏‎ ‎‏علی نفس الکثرة والتعدّد ، وإضافتها إلیها تدلّ علی أنّ هذه الکثرة هو کثرة الإنسان‏‎ ‎‏لا کثرة طبیعة اُخری ؛ وهی الأفراد بالحمل الشائع .‏

‏وقس علیه العامّ المجموعی أو البدلی ؛ إذ کلّ ذلک إنّما یستفاد من دوالّ اُخر‏‎ ‎‏غیر ما یدلّ علی الطبیعة ، کلفظة «مجموع» کما تقدّم ذکر منه فی بحث الواجب‏‎ ‎‏المشروط‏‎[1]‎‏ ، ویأتی إن شاء الله بیانه .‏

فظهر ممّا ذکرنا أمران :

‏الأوّل :‏‏ أنّ باب الإطلاق غیر مربوط بباب العموم ، وأنّه لا جامع بینهما حتّی‏‎ ‎‏نلتمس فی وجه الافتراق ؛ إذ الغایة من إثبات الإطلاق إحراز کون الطبیعة ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏تمام الموضوع للحکم من غیر قید ، وأمّا الاستغراق والبدل ونحوهما فلا یمکن‏‎ ‎‏استفادتها من الإطلاق ؛ إذ الإطلاق لا یتعرّض للکثرة حتّی یبحث عن کیفیتها ، وأمّا‏‎ ‎‏العموم فهو المفید للکثرة وکیفیتها .‏


‎[[page 157]]‎‏وعلی هذا یصحّ أن یعرّف العامّ : بأنّه ما دلّ علی تمام مصادیق مدخوله ممّا‏‎ ‎‏یصحّ أن ینطبق علیه‏‎[2]‎‏ . وأمّا تعریفه بأنّه ما دلّ علی شمول مفهوم لجمیع ما یصلح‏‎ ‎‏أن ینطبق علیه فلا یخلو من مسامحة ؛ ضرورة أنّ الکلّ لا یدلّ علی شمول الإنسان‏‎ ‎‏لجمیع أفراده ، والخطب بعد سهل .‏

‎ ‎

‎[[page 158]]‎

  • )) تقدّم فی الجزء الأوّل : 338 ـ 339 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 511 .

انتهای پیام /*