مقدّمة فی تعریف المفهوم

کد : 147668 | تاریخ : 21/01/1394

مقدّمة فی تعریف المفهوم

‏ ‏

‏ینبغی قبل الخوض فی المقصود بیان مقدّمة ، وهی : أنّ المفهوم عبارة عن‏‎ ‎‏قضیة غیر مذکورة مستفادة من القضیة المذکورة عند فرض انتفاء أحد قیود الکلام ،‏‎ ‎‏وبینهما تقابل السلب والإیجاب بحسب الحکم .‏

ثمّ‏ إنّ مسلک القدماء علی ما استنبطه بعض الأکابر ـ دام ظلّه ـ‏‎[1]‎‏ مخالف لما‏‎ ‎‏سلکه المتأخّرون من الاُصولیین ؛ فإنّ مشرب المتأخّرین هو استفادة الترتّب العلّی‏‎ ‎‏الانحصاری عن أدوات الشرط أو عن القضیة الشرطیة ؛ وضعاً أو إطلاقاً ، ولیس‏‎ ‎‏دلالتها علی ذلک بالمعنی الاسمی ؛ لأنّ معانی الأدوات والهیئات حرفیة .‏

‏وحینئذٍ : یکون المفهوم علی طریقتهم بحسب بعض الوجوه مـن اللوازم‏‎ ‎‏البیّنة للمعنی المستفاد من الکلام ، وتصیر الدلالة لفظیـة ـ بناءً علی کون الدلالة‏‎ ‎‏علی الحصر بالوضع ـ لأنّ أدوات الشرط علی فرض إفادتها المفهوم تدلّ علی‏‎ ‎‏تعلیق الجزاء علی العلّـة المنحصرة ، ولازمـه البیّن الانتفاء عند الانتفاء . وعلی‏
‎[[page 95]]‎‏بعض الوجوه یکون طریقتهم کطریقة القدماء علی ما سیأتی .‏

‏وأمّا علی مسلک القدماء فلیس من الدلالات اللفظیة الالتزامیة حتّی یکون‏‎ ‎‏من اللوازم البیّنة ؛ لأنّ الاستفادة مبنیة علی أنّ إتیان القید بما أنّه فعل اختیاری‏‎ ‎‏للمتکلّم یدلّ علی دخالته فی الحکم ، فینتفی الحکم بانتفائه ، وهذا لا یعدّ من‏‎ ‎‏الدلالة الالتزامیة ، کاستفادة المفهوم من الإطلاق علی مسلک المتأخّرین ، وسیجیء‏‎ ‎‏الفرق بین القولین .‏

ثمّ‏ إنّ الحاجبی عرّف المنطوق بأنّه مادلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق ،‏‎ ‎‏والمفهوم بأنّه ما دلّ علیه اللفظ لا فی محلّ النطق‏‎[2]‎‏ .‏

‏ویمکن تطبیقه علی کلا المسلکین :‏

‏أمّا علی المسلک المنسوب إلی القدماء فبأن یقال : إنّه أراد من محلّ النطق‏‎ ‎‏الدلالات اللفظیة مطلقاً ، وأراد من غیره دلالة اللفظ بما أنّه فعل اختیاری للمتکلّم‏‎ ‎‏علی دخالته فی موضوع الحکم ، فدلّ علی الانتفاء عند الانتفاء .‏

‏وأمّا علی ما علیه المتأخّرون ـ بناءً علی استفادة المفهوم من اللفظ‏‎ ‎‏الموضوع ـ فبأن یقال : إنّه أراد من دلالته فی محلّ النطق دلالة المطابقة أو هی مع‏‎ ‎‏التضمّن ، ومن دلالته لا فی محلّه دلالة الالتزام .‏

‏هذا ، ولا یبعد أن یکون مراده الثانی ؛ فإنّ ما یدلّ علیه اللفظ فی محلّ النطق‏‎ ‎‏هو الدلالة المطابقیة ـ أی ما هو موضوع ـ وأمّا دلالته علی اللازم فبواسطة دلالته‏‎ ‎‏علی المعنی المطابقی ، فلیس دلالته علیه فی محلّ النطق .‏

‏فإذا قال المتکلّم : «الشمس طالعة» فالذی دلّ علیه لفظه فی محلّ النطق هو‏
‎[[page 96]]‎‏طلوع الشمس ؛ لأنّ لفظه قالب لهذا المعنی بحسب الوضع ، وأمّا وجود النهار فقد‏‎ ‎‏دلّ علیه لفظه أیضاً مع عدم التنطق به وعدم الوضع له .‏

‏وبما ذکرنا یمکن استظهار أنّ المختار عند القدماء هو المختار عند‏‎ ‎‏المتأخّرین ، وأنّه لا اختلاف بین المسلکین ؛ إذ من البعید اتّکاؤهم فی استفادة‏‎ ‎‏المفهوم علی صرف وجود القید مع کونه ظاهر الفساد ، فما نسب إلی القدماء محلّ‏‎ ‎‏شکّ ، بل منع کما سیجیء .‏

ثمّ‏ إنّ کون المفهوم من صفات الدلالة أو المدلول ربّما یکون بحسب الاعتبار‏‎ ‎‏والإضافة ؛ لأنّ دلالة اللفظ علی المعنی المطابقی دلالة منطوقیة ، ودلالته علی‏‎ ‎‏المعنی الالتزامی دلالة مفهومیة ، کما أنّ المدلول إمّا منطوق یفهم من محلّ النطق أو‏‎ ‎‏مفهوم یفهم لا من محلّ النطق ؛ وإن کان الأشبه هو الثانی .‏

ولیعلم :‏ أنّ النزاع فی المفهوم علی مسلک المتأخّرین نزاع صغروی ؛ لأنّ‏‎ ‎‏محصّل البحث یرجع إلی أنّه هل للقضیة الشرطیة مفهوم ، وأنّها تدلّ علی العلّة‏‎ ‎‏المنحصرة ، أو لا ؛ بحیث لو ثبت له المفهوم لم یکن محیص عن کونه حجّة ؟‏

وأمّا علی رأی القدماء :‏ فربّما یقال إنّه کبروی ؛ لأنّ المفهوم علی هذا لمّا‏‎ ‎‏لم یکن فی محـلّ النطق ، ولیس مـن المدلولات اللفظیـة فحینئذٍ یقع النزاع فی أنّـه‏‎ ‎‏هـل یمکن الاحتجاج علیه أو لا یمکن ؛ لأجل عـدم التنطّق به ؟ فإذا قال «إذا‏‎ ‎‏جاءک زید فأکرمه» یفهم منه أنّه إذا لم یجئ لا یجب الإکرام ، لکن لا یمکن‏‎ ‎‏الاحتجاج به علی المتکلّم بأنّک قلت کذا ؛ لأنّـه لو سئل عنه عـن فائـدة القید ، له‏‎ ‎‏أن یعتذر بأعذار‏‎[3]‎‏ .‏


‎[[page 97]]‎وفیه :‏ أنّ کون المفهوم مسلّماً وجوده فی الکلام عند القدماء لا یناسب‏‎ ‎‏ظواهر کلماتهم ؛ لأنّک تری أنّ المنکر یردّ علی المثبت بأنّ الصون لا ینحصر فی‏‎ ‎‏استفادة الانتفاء عند الانتفاء ، بل یحصل باُمور اُخر ؛ من وقوعه مورد السؤال أو‏‎ ‎‏کونه مورد الابتلاء ، فما هو الممنوع هو أصل الاستفادة .‏

‏وإن شئت فطالع ما نقل‏‎[4]‎‏ عن السیّد المرتضی من أنّ تأثیر الشرط إنّما هو‏‎ ‎‏تعلیق الحکم به ، ولیس بممتنع أن ینوب عنه شرط آخر . . . الی آخره‏‎[5]‎‏ ؛ فإنّ‏‎ ‎‏ظاهره یحکی عن أنّ المستفاد من الشرط دخالته ، لا عدم دخالة شرط آخر حتّی‏‎ ‎‏یفید المفهوم ، فهو حینئذٍ ینکر المفهوم لا حجّیته بعد ثبوته .‏

وبالجملة :‏ أنّ القائل بالمفهوم علی مسلک القدماء ـ علی فرض صحّة‏‎ ‎‏النسبة ـ یدّعی أنّ إتیان القید الزائد بما أنّه فعل اختیاری یدلّ علی کون القید ذا‏‎ ‎‏دخل فی ترتّب الحکم وداخلاً فی موضوعه ، ومع عدمه لا ینوب عنه شیء ،‏‎ ‎‏والمنکر إنّما ینکر هذه الدلالة لا حجّیتها .‏

‏ثمّ إنّک لو قد تدبّرت عبائر السیّد تعرف : أنّ مسلک القدماء هو عین ما‏‎ ‎‏اختاره المتأخّرون ؛ حیث یظهر منه أنّ مدّعی المفهوم یدّعی دلالة الکلام علی عدم‏‎ ‎‏نیابة قید آخر مناب القید المذکور ، وهو عین ما سلکه المتأخّرون ، وهو شاهد آخر‏‎ ‎‏علی اتّحادهما ، مضافاً إلی ما عرفت ، ویرشدک إلیه استدلال النافین بمنع الدلالات .‏

‎ ‎

‎[[page 98]]‎

  • )) لمحات الاُصول : 267 ـ 269 .
  • )) شرح العضدی علی مختصر ابن الحاجب : 306 .
  • )) لمحات الاُصول : 267 ـ 268 .
  • )) معالم الدین : 78 .
  • )) الذریعة إلی اُصول الشریعة 1 : 406 .

انتهای پیام /*