الأمر السابع : فی تحقیق الأصل فی المقام
هل فی المسألة الاُصولیة أصل یعتمد علیه لدی الشکّ فی دلالة النهی علی الفساد أو کشفه عنه عقلاً ، أو لا ؟
التحقیق : هـو الثانی ؛ لعـدم العلم بالحالـة السابقـة ؛ لا فی الدلالة ولا فی الملازمـة :
أمّا الاُولی : فلابدّ أن یقرّر بأنّ النهی قبل وضعها لم یکن دالاًّ علی الفساد ونشکّ فی انقلابه بعد الوضع ، لکنّه ساقط ؛ لأنّه قبل الوضع وإن لم یکن دالاًّ إلاّ أنّه فی هذا الحال لم تکن إلاّ حروفاً مقطّعة ، وعند عروض الترکیب له إمّا وضع لما یستفاد منه الفساد أو لغیره ، فلا حالة سابقة له بنحو الکون الناقص .
[[page 74]]واحتمال أنّ عروض الترکیب الطبیعی للفظ فی ذهن الواضع کان قبل الوضع والدلالة زماناً وإن کان یدفع ما ذکرنا إلاّ أنّه یرد علیه ما سیجیء من عدم أثر شرعی للمستصحب .
وأمّا الملازمة : فلیست لها حالة سابقة مفیدة ؛ سواء قلنا بأزلیتها ـ کما قیل ـ وهو واضح ، أو قلنا بتحقّقها عند تحقّق المتلازمین ؛ لأنّ قبل تحقّقهما وإن لم یکن الملازمة بنحو السلب التحصیلی متحقّقة لکن استصحابه لا یفید إلاّ علی الأصل المثبت ، وبنحو الکون الناقص لا حالة سابقة حتی یستصحب .
أضف إلی ذلک : أنّـه لو سلّم تحقّق الحالـة السابقـة فی المقامین لا یفید الاستصحـاب أیضاً ؛ لعـدم أثر شرعی للمستصحب ؛ لعدم کون الدلالـة أو الملازمـة موضوعاً لحکم شرعی ، وصحّة الصلاة لدی تحقّق المقتضیات وعدم الموانع عقلیة لا شرعیة .
هذا حال الأصل فی المسألة الاُصولیة .
وأمّا حاله فی الفرعیة : فلابدّ أوّلاً من فرض الکلام فی مورد تعلّق النهی بالعبادة أو المعاملة قطعاً وشکّ فی اقتضائه الفساد ، فالرجوع إلی القواعد حینئذٍ مثل رجوع الشکّ إلی الأقلّ والأکثـر ، إن کان المراد منه الشکّ فی تعلّق النهی بالعبادة ، أو بالخصوصیة ککونها فی مکان خاصّ ، أو التمسّک بقاعدة التجاوز أجنبی عن المقام ؛ فإنّ الکلام لیس فی مانعیة شیء عن الصلاة أو شرطیته لها ، بل الشکّ فی اقتضاء النهی الفساد بعد تعلّقه بذات العبادة قطعاً .
والتحقیق أن یقال : أمّا فی المعاملات فمقتضی الأصل الفساد ؛ لأنّ الأصل
[[page 75]]عدم ترتّب أثر علی المعاملة الواقعة . وأمّا فی العبادات فإن کان الشکّ فی فسادها بعد الفراغ عن إحراز الملاک ـ کما فی النهی عن الضدّ ـ فالأصل یقتضی الصحّة ؛ لأنّ الملاک کافٍ فیها ، فیرجع الشکّ إلی کون النهی إرشاداً إلی الفساد لأجل أمر غیر فقدان الملاک ، فیکون الشکّ فی مانعیة النهی عن العبادة بعد تعلّقه بها ، وهو مجری البراءة .
والفرق بین المقام والمقام السابق ـ حیث أبطلنا التمسّک بالبراءة هناک دون المقام ـ واضح .
وأمّا إذا کان الشکّ فی تحقّق الملاک أیضاً : فقاعدة الاشتغال محکّمة ؛ لأنّ صحّة الصلاة تتوقّف إمّا علی إحراز الأمر أو الملاک ، والأمر لا یجتمع مع النهی فی عنوان واحد ، ومع عدمه لا طریق لإحراز الملاک .
[[page 76]]