التاسع : فی شروط جریان النزاع فی المقام
إنّه لا کلام فی عدم جریان النزاع فی المتباینین والمتساویین ، والظاهر جریانه فی الأعمّ والأخصّ المطلقین إذا کان المنهی عنه أخصّ ولم یؤخذ مفهوم الأعمّ فی الأخصّ بأن تکون الأعمّیة والأخصّیة بحسب المورد لا المفهوم ؛ وذلک لأنّ العنوانین مختلفان ، وهما متعلّقان للأمر والنهی ، کما سیأتی . ومجرّد الاتّحاد فی المصداق لا یضرّ المجوّز .
وأمّا العامّ والخاصّ بحسب المفهومین فقد یقال بعدم کونه محلاًّ للنزاع ؛ لأنّ المطلق عین ما اُخذ فی المقیّد ، ووصف الإطلاق لیس بشیء ، فلا یمکن أن یقع المطلق مورد الحکمین .
ولأحد أن یقول : إنّ عنوان المطلق غیر عنوان المقیّد ، والحکم فی المقیّد لم یتعلّق بالمطلق مع قیده ، بل بالمقیّد بما هو مقیّد ونفس الطبیعة بلا قید لم تکن موضوعاً للحکم فی المقیّد ؛ وهی موضوع فی المطلق . فالمطلق فی أحد الدلیلین ذا حکم دون الآخر ، والأمر الضمنی لا أساس له ، فیجری فیهما . والمسألة محلّ إشکال وتأمّل ؛ وإن کان عدم جریانه أشبه ، وللمقال تتمّة ، فانتظرها .
وأمّا العامّان من وجه فلا إشکال فی جریانه فیهما إلاّ إذا اُخذ مفهوم أحدهما فی الآخر ، کقوله «صلّ الصبح» ، و «لا تصلّ فی الدار المغصوبة» فیأتی فیه الإشکال المتقدّم .
وقد یقال : إنّ جریان النزاع فی العامّین من وجه یتوقّف علی اُمور :
[[page 37]]منها : أن تکون النسبة واقعاً بین نفس الفعلین الصادرین من المکلّف بإرادة واختیار ، کما فی الصلاة والغصب ، وأمّا إذا کانت بین الموضوعین ، کما فی العالم والفاسق فهو خارج عن محلّ النزاع ؛ لأنّ الترکیب بینهما اتّحادی لا انضمامی ، ولازمه تعلّق الأمر بعین ما تعلّق به النهی ، فلابدّ فیهما من إجراء قواعد التعارض ، ومنه علم عدم جریانه فیما إذا کان للفعل عنوانان تولیدیان ؛ بأن تکون النسبة بینهما العموم من وجه ، کما لو أمر بإکرام العالم ونهی عن إکرام الفاسق ، فقام المکلّف لأجل إکرامهما تعظیماً ؛ فإنّ القیام یتولّد منه التعظیمان ، وهما وإن کانا بحیثیتین انضمامیتین ، لکن الأمر بهما أمر بالسبب ، فینجرّ إلی تعلّقه بشیء واحد وجوداً وإیجاداً .
ومنها : أن یکون بین الفعلین ترکیب انضمامی لا اتّحادی ، فیخرج مثل «اشرب ولا تغصب» إذا کان الماء مغصوباً ؛ فإنّ نفس الشرب هو الغصب ، فالترکیب الاتّحادی لا یجری فیه النزاع ، انتهی کلامه .
وفیه : أنّ قضیة الترکیب الانضمامی والاتّحادی أجنبیة عن مسألة اجتماع الأمر والنهی ، وسیوافیک أنّ الجواز لا یبتنی علی الترکیب الانضمامی ؛ فإنّ الترکیب الخارجی ـ اتّحادیاً أو انضمامیاً ـ غیر مربوط بمقام متعلّقات الأحکام التی هی العناوین لا المصادیق الخارجیة .
وعلیه یجری النزاع فی مثل «أکرم العالم ، ولا تکرم الفاسق» ، وکذا فی مثل «اشرب ، ولا تغصب» مع کون الماء غصباً ، وکذا فی الأفعال التولیدیة ؛ وإن قلنا
[[page 38]]بتعلّق الأمر بالأسباب ؛ فإنّ قوله «أکرم زیداً ، ولا تکرم عمراً» کقوله «قم لزید ، ولا تقم لعمرو» ، فهما عنوانان مختلفان یجوز تعلّق الأمر بأحدهما والنهی بالآخر ؛ سواء فی ذلک السبب والمسبّب التولیدی ، مع أنّ المبنی ـ أی رجوع الأمر إلی السبب ـ محلّ منع وإشکال .
[[page 39]]