المقصد السابع فی الاُصول العملیة

القول فی تبدّل الاجتهاد

کد : 147756 | تاریخ : 26/01/1394

القول فی تبدّل الاجتهاد

‏ ‏

‏لو اضمحلّ الاجتهاد السابق وتبدّل إلی اجتهاد آخر یخالفه ، فهل یحتاج إلی‏‎ ‎‏الإعادة أو القضاء أو لا ؟‏

‏فتارة یقع الکلام فی عمل نفس المجتهد ، واُخری فی عمل مقلِّدیه .‏

أمّا الکلام فی عمل نفسه :‏ فالأقوی ما اخترناه فی باب الإجزاء من التفصیل‏‎ ‎‏بین الأمارات والاُصول ، بالإجزاء فی الثانی دون الأوّل ، وقد أطلنا الکلام فی‏‎ ‎‏توضیحه وتفصیله فی الجزء الأوّل عند البحث عن مسألة الإجزاء ، فلا حاجة إلی‏‎ ‎‏التکرار بالإعادة .‏

‏وقد قام سیّدنا الاُستاذ ـ دام ظلّه ـ بالبحث عن هذا التفصیل هنا فی کلتا‏‎ ‎‏الدورتین ، غیر أنّا أسقطنا هذه المباحث عند الطبع لما أوضحناه فی محلّه ؛ روماً‏‎ ‎‏للاختصار والاقتصاد .‏

وأمّا الکلام فی عمل مقلّدیه :‏ فهل یمکن إجراء هذا التفصیل فیه ؛ بالإجزاء‏‎ ‎‏فیما إذا کان مدرک مجتهده الاُصول ، وعدمه فیما إذا کان دلیل حکمه الأمارات ؟‏

بتقریب :‏ أنّ وظیفة المجتهد تعیین وظائف العباد مطلقاً ؛ واقعاً وظاهراً ، فکما‏
‎[[page 687]]‎‏أنّ العمل بالوظائف الظاهریة یفید الإجزاء بالنسبة إلی عمل نفسه ـ لحکومتها علی‏‎ ‎‏الأدلّة ـ فکذلک بالنسبة إلی عمل مقلّدیه بلا تفاوت .‏

غیـر أنّ الأقـوی :‏ عدم الإجـزاء فی حـقّ المقلّد مطلقاً ؛ سواء استند مقلّده‏‎ ‎‏ـ بالفتح ـ إلی الاُصول أم إلی الأمارات ؛ فإنّ مـدرک العامّی فی الحکـم الـذی‏‎ ‎‏طبّـق عمله علی وفقه إنّما هـو رأی مرجعـه وحکمه ، وهـو أمارة إلی تکالیفه‏‎ ‎‏الشرعیـة ، وقـد أوضحنا فی مسألـة الإجـزاء : أنّ قیام الحجّـة علی تخلّف‏‎ ‎‏الأمـارة لایوجب الإجزاء .‏

وإن شئت قلت :‏ إنّ مدرک حکمه لیست الاُصول الحکمیة ؛ من البراءة‏‎ ‎‏والاستصحاب والأمارات والروایات الواردة فی حکم المسألة ؛ إذ هی متوجّهة إلی‏‎ ‎‏الشاکّ ، والعامّی لیس بشاکّ ولا بمتیقّن ؛ فلا معنی لتوجّه تلک الخطابات إلیه ؛ إذ هی‏‎ ‎‏تقصد من تفحّص عن موارد البیان ، ویئس عن وروده ، والعامّی لیس کذلک ، ومعه‏‎ ‎‏کیف یشمله أدلّة الاُصول ؟‏

‏فلا یجری فی حقّه الاُصول حتّی تحرز مصداق المأمور به .‏

‏وکون الدلیل عند المجتهد فی موارد الشکّ هی الاُصول الجاریة لایوجب‏‎ ‎‏رکون المقلِّد إلیها ، بل إنّما هی یرکن إلی رأی المجتهد ؛ للبناء العملی والارتکاز‏‎ ‎‏الفطری ، من غیر توجّه إلی مدرکه .‏

والحاصل :‏ أنّ رجوع العقلاء إلی أهل الخبرة إنّما هو لأجل إلغاء احتمال‏‎ ‎‏الخلاف ، کما هو شأن العمل بالأمارات ، وقد أمضاه الشارع علی هذا النعت .‏‎ ‎‏فاضمحلال الاجتهاد السابق عند المقلّد یصیر بمنزلة تخلّف الأمارة وتبیّن خطئها‏‎ ‎‏عند المجتهد ، فکما لایوجب ذاک الإجزاء فهکذا فی المقام .‏

‏وکیف یمکن أن یشمل أدلّة الاُصول العامّی وتکون مستند عمله ، مع أنّ‏
‎[[page 688]]‎‏العامّی لیس بشاکّ ولا بفاحص ولا بآیس عن البیان ، کما هو الحال فی المجتهد ؟ !‏

لایقال :‏ لو کان المقلّد خارجاً عن مصبّ أدلّة الاُصول فلماذا یفتی المجتهد‏‎ ‎‏بمضمونها ، ویقول للمقلِّد : أعمل بنتائجها ، مع أنّها أحکام مترتّبة علی الشاکّ ،‏‎ ‎‏ولایتعدّی إلی غیره ، والمقلّد لیس بشاکّ ولا بمتیقّن .‏

‏فکما لا یجوز للمجتهد الذی تمّ عنده البیان العمل بالاُصول باعتبار أنّه لیس‏‎ ‎‏بشاکّ ، فهکذا لایجوز للمقلِّد العمل بنتائجها ؛ لخروجه عن الموضوع .‏

‏وتوهّم : أنّ الخطاب عامّ ، والمجتهد نائب عنه فی فهم الخطاب وبیانه ،‏‎ ‎‏مدفوع ـ مضافاً إلی أنّه لایرجع إلی معنیً محصّل ـ بأنّه یستلزم الإجزاء ، وهو‏‎ ‎‏خلاف المطلوب .‏

لأنّا نقول :‏ بأنّ الخطاب وإن کان خاصّاً للشاکّ إلاّ أنّ المجتهد إذا کان متیقّناً‏‎ ‎‏بحکم الله تعالی الکلّی المشترک بین جمیع العباد ، ثمّ شکّ فی نسخه فما هو‏‎ ‎‏المشکوک لیس هو الحکم الاختصاصی ، بل حکم الله المشترک بین عباده .‏

وعلیه :‏ فما هو المستصحَب إنّما هو ذاک الحکم المشترک الغیر المختصّ ،‏‎ ‎‏فیجوز له أن یطبّق عمله علی وفقه ـ وأن یفتی بمضمونه ـ لکون ما أدرک إنّما هو‏‎ ‎‏حکم الله المشترک ، وما استصحبه حکم کلّی راجع إلی جمیع العباد ، ومعه کیف‏‎ ‎‏لایجوز له أن یفتی بمضمونه ؟‏

‏فکما یجوز إذا قامت الأمارة علی حکم الله المشترک الإفتاء بمضمونه من‏‎ ‎‏دون غمض ، فکذا إذا استصحب حکم الله المشترک ، أو دلّت الاُصول علی عدم‏‎ ‎‏فعلیة ذلک الحکم المشترک ، وإذا أفتی لا مناص للمقلِّد عن الأخذ به ؛ للفطرة‏‎ ‎‏المرتکزة من رجوع الجاهل إلی العالم .‏


‎[[page 689]]‎وقد بان بما أوضحناه :‏ أنّ مقتضی القاعدة الإجزاء بالنسبة إلی نفس المجتهد‏‎ ‎‏دون مقلّدیه ، إذا استند إلی الاُصول ؛ لکون مستنده الاُصول الحاکمة علی الواقع‏‎ ‎‏دون مقلِّدیه ، فهم مستندون إلی الأمارة ؛ أعنی رأی الغیر وإدراکه .‏

‏ ‏

فهاهنا نجعجع بالقلم عن الإفاضة ، حامدین شاکرین لله عزّ وجـلّ ،‎ ‎وقـد بقی أبحـاث طفیفة لم یتعرّض لها سیّدنا الاُستاذ ، دام ظلّـه .‎ ‎وقـد لاح بدر تمام تلک الرسالة ، وبتمامها تمّت الـدورة الاُصولیـة‎ ‎فی منتصف شهر شعبان المعظّم من شهور عام ألف وثلاثمائة وسبعین‎ ‎ـ 1370 ـ فی مدینـة قم ، عاصمـة العلم والـدین ، عند جـوار الحضرة‎ ‎الفاطمیة ‏علیهاالسلام‏‏ . ثمّ أعـدنا النظر علیه ثانیاً فی الـدورة الأخیـرة ،‏‎ ‎‏وأضفنا إلیـه مـا أفـاده سیّدنا الاُستـاذ ـ دام ظلّـه ـ فـی تلک‏‎ ‎‏الـدورة ، وذلک فی مختتم عام ألف وثلاثمائة وسبعـة وسبعین ، وتمّ‏‎ ‎‏تألیفها وتبییضها وتهذیبها بید مؤلّفه محمّد جعفر السبحانی التبریزی‏‎ ‎‏فی الیوم الثالث من شهر شعبان ، یوم میلاد الإمـام الطاهـر‏‎ ‎‏السبط ‏‏علیه السلام‏‏ فی عام 1382 ، والحمد لله أوّلاً وآخـراً وظـاهـراً وبـاطناً .‏

‎[[page 690]]‎

انتهای پیام /*