المقصد السابع فی الاُصول العملیة

مقالة العلاّمة الحائری فی المقام

کد : 147757 | تاریخ : 26/01/1394

مقالة العلاّمة الحائری فی المقام

‏ ‏

‏ثمّ إنّ شیخنا العلاّمة بعد ما نقل فی المقام ما قدّمناه عن الشیخ الأعظم فی‏‎ ‎‏صدر البحث أفاد فی المقام ما هذا تلخیصه ـ مأخوذاً من تقریر بحثه ـ : أنّ لازم‏‎ ‎‏البقاء فی هذه المسألة معتمداً علی رأی المفتی الأوّل هو عدم البقاء فی باقی‏‎ ‎‏المسائل ، نظیر حجّیة قول السیّد فی الخبر الواحد ؛ من حیث إنّ لازم شمول الأدلّة‏‎ ‎‏لقوله خروج الباقی ، وبعد ما فرّق بین المقامین من أنّه لایلزم فی المقام التخصیص‏‎ ‎‏المستهجن واللغز والمعمّی ؛ لعدم عموم صادر من المعصوم فیه ، بخلاف باب حجّیة‏‎ ‎‏الخبر الواحد أفاد ما هذا ملخّصه :‏

‏المحقّق فی المقام فتوی : أنّـه لا یمکن الأخـذ بکلیهما ؛ لأنّ المجتهد بعـد‏‎ ‎‏ما نزّل نفسه منزلة المقلّد فی کونه شاکّاً رأی هنا طائفتین من الأحکام ثابتتین‏‎ ‎‏للمقلّد : إحداهما فتوی المیّت فی الفروع ، وثانیتهما الفتوی فی الاُصول الناظر إلی‏‎ ‎‏الفتاوی فی الفروع ، والمسقط لها عن الحجّیة ؛ فیری أنّ أرکان الاستصحاب فیهما‏‎ ‎‏تامّة . وعندئذٍ : لا محیص عن الأخذ بالفتوی الاُصولیة فإنّه :‏

‏لو اُرید فی الفرعیة استصحاب الأحکام الواقعیة فالشکّ فی اللاحق موجود‏‎ ‎‏دون الیقین السابق ؛ أمّا الوجدانی فواضح ، وأمّا التعبّدی فلارتفاعه بموت المفتی ،‏‎ ‎‏فصار کالشکّ الساری .‏


‎[[page 678]]‎‏وإن اُرید استصحاب الحکم الظاهری الجائی من قبل دلیل اتّباع المیّت :‏

‏فإن اُرید استصحابه مقیّداً بفتوی المیّت فالاستصحاب فی المسألة الاُصولیة‏‎ ‎‏حاکم علیه ؛ لأنّ الشکّ فی المسألة الفرعیة مسبّب عن الشکّ فیها .‏

‏وإن اُرید استصحاب ذات الحکم الظاهری وجعل کونه مقول قول المیّت‏‎ ‎‏جهة تعلیلیة فاحتمال ثبوته : إمّا بسبب سابق فقد سدّ بابه الاستصحاب الحاکم ، أو‏‎ ‎‏بسبب لاحق فهو مقطوع العدم ؛ إذ مفروض الکلام صورة مخالفة فتوی المیّت‏‎ ‎‏للحیّ ، نعم یحتمل بقاء الحکم الواقعی ، لکن لایکفی ذلک فی الاستصحاب ؛ لأنّه مع‏‎ ‎‏الحکم الظاهری فی رتبتین وموضوعین فلا یکون أحدهما بقاء الآخر ، لکن یجری‏‎ ‎‏استصحاب الکلّی ، بناءً علی جریانه فی القسم الثالث .‏

‏وإن اُرید استصحاب حجّیة الفتاوی الفرعیة فاستصحاب الحجّیة فی‏‎ ‎‏الاُصولیة حاکم علیه ؛ لأنّ شکّه مسبّب عنه ؛ لأنّ عدم حجّیة تلک الفتاوی أثر‏‎ ‎‏الحجّیة هذه ، ولیس الأصل مثبتاً ؛ لأنّ هذا من الآثار الثابتة لذات الحجّة الأعمّ من‏‎ ‎‏الظاهریة والواقعیة .‏

‏ثمّ إنّه ـ أعلی الله مقامه ـ رجع أخیراً عن جریان الاستصحاب الاُصولیة‏‎ ‎‏بتقریب : أنّ مقتضی جریانه الأخذ بخلاف مدلوله ، ومثله غیر مشمول لأدلّة‏‎ ‎‏الاستصحاب ؛ فإنّ مقتضی الأخذ باستصحاب هذه الفتوی سقوط فتاویه عن‏‎ ‎‏الحجّیة ، ومقتضی سقوطها الرجوع إلی الحیّ ، وهو یفتی بوجوب البقاء .‏

‏فالأخذ بالاستصحاب فی الاُصولیة التی مفادها عدم الأخذ بفتاویه فی‏‎ ‎‏الفرعیات لازمه الأخذ فی الفرعیات بها ، وهذا باطل ؛ وإن کان اللزوم لأجل‏‎ ‎‏الرجوع إلی الحیّ ، لا لکون مفاد الاستصحاب ذلک ؛ إذ لا فرق فی الفساد بین‏‎ ‎‏الاحتمالین .‏


‎[[page 679]]‎‏هذا ، مضافاً إلی أنّ المسؤول عنه فی الفرعیات المسألة الاُصولیة ـ أعنی‏‎ ‎‏الذی هو المرجع فیها ـ فلا ینافی مخالفة الحیّ للمیّت فی نفس الفروع مع إفتائه‏‎ ‎‏بالبقاء فی المسألة الاُصولیة . وأمّا الفتوی الاُصولیة فنفسها مسؤول عنها ، ویکون‏‎ ‎‏الحیّ هو المرجع فیها ، وفی هذه المسألة لا معنی للاستصحاب ، بعد أن یری الحیّ‏‎ ‎‏خطأ المیّت ، فلا حالة سابقة حتّی تستصحب‏‎[1]‎‏ ، انتهی .‏

وفیما أفاده  ‏رحمه الله‏‏ مواقع للنظر ، نشیر إلی مهمّاتها :‏

‏منها :‏‏ أنّ عدم جریان الاستصحاب فی الأحکام الواقعیة لیس لأجل عدم‏‎ ‎‏الیقین السابق بکلاشقّیه الوجدانی والتعبّدی ، بل هو غیر جارٍ وإن فرض وجود‏‎ ‎‏الیقین السابق ؛ لتقوّم الاستصحاب بأمرین : بالیقین السابق والشکّ فی الشیء شکّاً‏‎ ‎‏فی البقاء ، ولیس الشکّ فی المقام شکّاً فی بقائه ؛ لأنّ الشکّ فی بقاء الأحکام الکلّیة‏‎ ‎‏الواقعیة إنّما یتصوّر إذا کان الشکّ مسبّباً عن احتمال النسخ أو احتمال فقدان الشرط‏‎ ‎‏أو احتمال وجدان المانع ، ولیس المقام من هذا القبیل . کما هو واضح .‏

‏وإنّما الشکّ فیه ممحّض فی حجّیة الفتوی وجواز العمل بها . نعم لو قلنا‏‎ ‎‏بالسببیة والتصویب کان الشکّ فی البقاء لتطرّق أحد الاحتمالات المتقدّمة ، لکنّه‏‎ ‎‏باطل عندنا .‏

ومنها :‏ أنّ ما ذکره من منع استصحاب الأحکام الفرعیة لأجل حکومة‏‎ ‎‏الاستصحاب فی الاُصولیة علیه ممنوع ؛ لأنّ الشکّ فی بقاء الأحکام الفرعیة لیس‏‎ ‎‏مسبّباً عن الشکّ فی الاُصولیة ، بل کلاهما مسبّبان عن أمر ثالث ؛ وهو الشکّ فی‏‎ ‎‏اعتبار الحیاة فی المفتی وعدمه .‏


‎[[page 680]]‎‏فالمجتهد إذا قام مقام المقلّد ـ کما هو المفروض ـ یکون شکّه فی جواز‏‎ ‎‏العمل علی فتاوی المیّت فی الاُصول والفروع ناشئاً مـن الشکّ فی اعتبار الحیاة‏‎ ‎‏فـی المفتی ، وجـواز العمل فی کـلّ منهما مضادّ للآخـر ؛ إذ مقتضی جـواز کلّ‏‎ ‎‏عـدم جواز الآخر .‏

‏لا یقال : إنّ مقتضی إرجاع الحیّ المقلّدَ إلی المیّت کون شکّه فی الاُصولیة‏‎ ‎‏سبباً وفی الفروعیة مسبّباً .‏

‏لأنّا نقول : هذا خلاف المفروض ؛ إذ المفروض أنّه بعد لم یقلّد فیها عن‏‎ ‎‏الحیّ ، وإلاّ فلا یبقی له فیها شکّ .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّ مجرّد کون الشکّ فی إحدی الفتوائین مسبّباً عن الاُخری‏‎ ‎‏لایوجب حکومة الأصل الجاری فی ناحیة السبب علی الجاری فی المسبّب ، وقد‏‎ ‎‏أوضحنا حاله فی خاتمة الاستصحاب‏‎[2]‎‏ .‏

‏ومجمل ما قلناه هناک : أنّه لاتعارض بین السببی والمسبّبی ؛ لاختلاف‏‎ ‎‏موضوعهما ، وأنّهما فردان عرضیان لقوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«لاتنقض الیقین بالشکّ»‎[3]‎‏ ومعه‏‎ ‎‏لا وجه لحکومة أحدهما علی الآخر .‏

‏نعم ، الأصل الجاری فی ناحیة السبب ینقّح موضوع الدلیل الاجتهادی .‏‎ ‎‏فالحاکم إنّما هـو الدلیل الاجتهادی الـذی نقّح موضوعـه الأصل السببی ، دون‏‎ ‎‏الأصل السببی .‏

‏مثلاً إذا غسل الثوب النجس بماء مشکوک الکرّیة ، وضمّ ما هو أمر وجدانی‏
‎[[page 681]]‎‏بما هو مفاد الاستصحاب یصیر المحصّل : هذا الثوب النجس قد غسل بماء محکوم‏‎ ‎‏بالکرّیة شرعاً ، ویصیر هذا المحصّل صغری لکبری شرعیة ؛ وهو أنّ کلّ متنجّس‏‎ ‎‏قد غسل بماء الکرّ فهو طاهر . وهذه الکبری الشرعیة حاکمة علی الأصل الجاری‏‎ ‎‏فی ناحیة المسبّب ؛ أعنی أصالة بقاء النجاسة فی الثوب .‏

‏والحاصل : أنّ مفاد الأصل المسبّبی هو أنّ هذا الثوب المشکوک طهارته‏‎ ‎‏ونجاسته محکوم بالنجاسة ، ولسان الدلیل الاجتهادی حاکم علی هذا الأصل‏‎ ‎‏حسب ما قرّر فی محلّه‏‎[4]‎‏ .‏

‏وتوهّم کفایة الأصل السببی فی المقام ، من دون احتیاج إلی الدلیل‏‎ ‎‏الاجتهادی ، بتقریب : أنّ معنی التعبّد ببقاء الکرّیة شرعاً هو ترتیب آثارها الشرعیة ،‏‎ ‎‏التی منها طهارة الثوب .‏

‏مدفوع ؛ بأنّ مقتضی الاستصحاب إنّما هو عدم جواز نقض الیقین بالشکّ ؛‏‎ ‎‏أعنی الحکم ببقاء الکرّیة فقط ، وأمّا ترتیب الآثار فإنّما هو بالدلیل الاجتهادی دون‏‎ ‎‏نفس الاستصحاب .‏

‏وأمّا ما یدور فی الألسن من أنّ مفاد الاستصحاب فی الأحکام إنّما هو‏‎ ‎‏إبقاؤها ، وأمّا فی الموضوعات فإنّما هو ترتیب آثارها ممّا لاسند له ، بل مقتضی‏‎ ‎‏الاستصحاب فی کلا الموردین أمر واحد ؛ وهو الحکم ببقاء ما تعلّق به الیقین ؛‏‎ ‎‏موضوعاً کان أو حکماً ، وأمّا ترتیب الأثر بعد إحراز بقاء الموضوع بالأصل فإنّما‏‎ ‎‏هو علی عاتق الدلیل الاجتهادی .‏

‏والشاهد علیه : إنّما هو اتّحاد دلیل الاستصحاب فی الموردین ، فکما أنّ‏
‎[[page 682]]‎‏معنی الاستصحاب فی الأحکام إنّما هو بقاء ذواتها فکذلک فی الموضوعات . نعم لو‏‎ ‎‏لم یکن الموضوع المستصحب مصداقاً للکبری الشرعیة الاجتهادیة لما صحّ‏‎ ‎‏استصحابه ، ولا التعبّد ببقائه .‏

‏أضف إلی ذلک : أنّا لو سلّمنا أنّ معنی استصحاب الکرّیة إنّما هو طهارة‏‎ ‎‏الثوب ، من دون احتیاج إلی الدلیل الاجتهادی ، لکنّه لایستلزم تقدّم الأصل السببی‏‎ ‎‏علی المسبّبی ، فکما أنّ معنی بقاء الکرّیة والبناء علیها هو طهارة الثوب المغسول‏‎ ‎‏به ، فهکذا مفاد الاستصحاب فی ناحیة المسبّب إنّما هو الحکم ببقاء النجاسة فی‏‎ ‎‏الثوب المغسول .‏

‏ولیس الغرض من استصحاب بقاء النجاسة فیه سلب الکرّیة عن الماء حتّی‏‎ ‎‏یقال : إنّه مثبت ، بل الحکم ببقائها فیه فقط .‏

‏وتوهّم : أنّه لایمکن التفکیک بین کرّیة الماء وطهارته ، وعدم کرّیته ونجاسته‏‎ ‎‏غیر صحیح جدّاً ؛ فإنّ التفکیک بین اللازم والملزوم فی الأحکام الظاهریة جائز‏‎ ‎‏واقع ، فراجع . هذا خلاصة ما حرّرناه هناک ، وعلیک بالمراجعة إلی محلّه تفصیلاً‏‎[5]‎‏ .‏

‏وبذلک یتّضح لک : صحّة ما قلناه من عدم حکومة الأصل الجاری فی‏‎ ‎‏المسألة الاُصولیة علی الجاری فی ناحیة الفروع ؛ لعدم دخول المجری فی‏‎ ‎‏الاُصولیة تحت دلیل اجتهادی حاکم علی الأصل المسبّبی .‏

‏ومجرّد کون مفاده فی الاُصولیة عدم جواز العمل بفتاوی المیّت عند الشکّ‏‎ ‎‏لایوجب تقدّمه علی ما مفاده جواز العمل بفتاواه لدیه ؛ إذ کلاهما مسبّبان عن أمر‏‎ ‎‏ثالث تقدّم بیانه .‏


‎[[page 683]]‎‏وبذلک یظهر النظر أیضاً فی إحدی شقوق کلامه ؛ أعنی قوله من حکومة‏‎ ‎‏استصحاب الحجّیة فی المسألة الاُصولیة علی استصحابها فی الفروع ؛ لکون الشکّ‏‎ ‎‏سببیاً . وجه النظر ـ مضافاً إلی ما أوضحناه فی محلّه‏‎[6]‎‏ من عدم جریان استصحاب‏‎ ‎‏الحجّیة ؛ لا الشرعیة ولا العقلائیة منها ـ أنّ الشکّ فی کلیهما مسبّبان عـن أمـر‏‎ ‎‏ثالث ، کما أوضحناه . وبالجملة : فهذا الشقّ مشترک مع الشقّ المتقدّم ؛ بیاناً‏‎ ‎‏وإشکالاً ، فلاحظ .‏

ومنها :‏ أنّ ما أفاده من منع جریان استصحاب الحکم الظاهری إذا جعل کونه‏‎ ‎‏مقول قول المیّت جهة تعلیلیة ؛ لأجل أنّ احتمال ثبوته بسبب سابق فقد سدّ بابه‏‎ ‎‏الاستصحاب الحاکم . . .إلی آخره ، غیر صحیح ـ وإن قلنا فی الفرض المتقدّم بتقدّم‏‎ ‎‏الأصل السببی علی المسبّبی ـ فإنّ نفی المسبّب بنفی سببه من أوضح مصادیق‏‎ ‎‏الاُصول المثبتة ؛ وإن کان السبب شرعیاً ؛ لأنّ ترتیب المسبّب علی سببه من‏‎ ‎‏الأحکام العقلیة مطلقاً ؛ سواء کان المسبّب شرعیاً أو تکوینیاً .‏

‏نعم ، لو کان الترتیب مثل المسبّب أیضاً شرعیاً کان لما ذکره مجال ، کما فی‏‎ ‎‏قوله : «العصیر العنبی إذا غلی أو نشّ یحرم» ، ولکنّه غیر موجود فی المقام .‏

ومنها :‏ ما ذکره من جریان استصحاب الکلّی الجامع بین الحکم الظاهری‏‎ ‎‏والواقعی ، بناءً علی جریانه فی القسم الثالث ؛ إذ فیه ـ مضافاً إلی أنّ الجامع فی‏‎ ‎‏الأحکام الشرعیة أمر انتزاعی غیر مجعول شرعاً ـ أوّلاً : أنّ الحکم الواقعی غیر‏‎ ‎‏مشکوک البقاء ، علی ما عرفت منّا توضیحه‏‎[7]‎‏ ؛ فإنّ الشکّ فی بقائه إنّما فیما إذا کان‏‎ ‎
‎[[page 684]]‎‏الشکّ ناشئاً من احتمال النسخ أو فقدان الشرط أو وجدان المانع ، والاحتمالات‏‎ ‎‏الثلاثة غیر موجودة فی المقام .‏

‏وثانیاً : أنّه إذا قلنا بتقدّم الأصل السببی علی المسبّبی یسقط الحکم‏‎ ‎‏الظاهری ؛ لما اعترف ‏‏رحمه الله‏‏ من حکومة الأصل الجاری فی ناحیة المسألة الاُصولیة‏‎ ‎‏علی الفرعیة ، ومعه لاعلم بالأحکام الظاهریة .‏

‏فعلی القول بالحکومة یسقط الحکم الظاهری ، وبسقوطه لا دلیل ـ فعلاً ـ‏‎ ‎‏علی ثبوت الحکم الواقعی ، لسرایة الشکّ إلی السابق ، ومعه لا علم بالجامع فعلاً .‏

‏فاستصحاب الکلّی إنّما یجری إذا علم بالجامع فعلاً وشکّ فی بقائه ، وهو‏‎ ‎‏غیر نظیر المقام ، الذی إذا انعدم أحد الفردین ینعدم الآخر من الأوّل ، أو ینعدم‏‎ ‎‏الدلیل علی ثبوته من الأوّل ، فتدبّر .‏

ومنها :‏ أنّ ما اختاره فی آخر کلامه من عدم جریان الاستصحاب فی‏‎ ‎‏الاُصولیة ؛ فإنّ مقتضی جریانه الأخذ بخلاف مدلوله ؛ فإنّ مقتضی الأخذ‏‎ ‎‏باستصحاب هذا الفتوی سقوط فتاواه عن الحجّیة ، ومقتضی سقوطها الرجوع إلی‏‎ ‎‏الحیّ . . . إلی آخر کلامه غیر وجیه ؛ فإنّ مقتضی الاستصحاب وإن کان سقوط‏‎ ‎‏حجّیة فتاواه الفرعیة إلاّ أنّ الرجوع إلی الغیر لیس أمراً لازماً له ؛ لإمکان العمل‏‎ ‎‏بالاحتیاط بعد سقوطها عن الحجّیة .‏

‏وإن شئت قلت : إنّ سقوط الفتاوی عن الحجّیة أمر ، والرجوع إلی الغیر أمر‏‎ ‎‏آخر غیر ملازم معه ، وسقوطها عن الحجّیة وإن جاء من قبل الاستصحاب إلاّ أنّ‏‎ ‎‏الرجوع إلی الغیر لیس من لوازمه وشؤونه .‏

‏نعم ، لو رجع إلی الغیر ، وکان فتوی الغیر لزوم البقاء علی رأی المیّت یلزم‏‎ ‎‏منه حجّیة فتاواه السابقة .‏


‎[[page 685]]‎‏فاتّصافها بالحجّیة بعد سقوطها عنها لیس من جانب الاستصحاب ، بل لأجل‏‎ ‎‏الرجوع إلی الغیر ، وهو ‏‏رحمه الله‏‏ وإن أشار إلی ما ذکرنا لکنّه لم یجب عنه بجواب مقنع ،‏‎ ‎‏فلاحظ .‏

‏وتوهّم : أنّ دلیل الاستصحاب منصرف عن هذا المورد ، منقوض بالأصل‏‎ ‎‏المسبّبی والأصلین المتعارضین ؛ لأنّ إجراء الاستصحاب لغایة السقوط أسوأ حالاً‏‎ ‎‏من المقام ؛ لما عرفت أنّ الأخذ بالفتاوی الفرعیة الساقطة عن الحجّیة بالأصل‏‎ ‎‏الجاری فی المسألة الاُصولیة إنّما هو لأجل دلیل آخر ، مثله أو أقوی منه .‏

‏علی أنّ الإشکال فی الموارد الثلاثة إنّما یتّجه إذا کان الدلیل خاصّاً وارداً‏‎ ‎‏لبیان مورد من تلک الموارد ، وأمّا إذا کان الدلیل إطلاق الکبری الواردة فی باب‏‎ ‎‏الاستصحاب فلا مجال لما ذکر من التوهّم ، وکم فرق بین تعرّض الدلیل لخصوص‏‎ ‎‏المورد وبین شموله له بإطلاقه !‏

ومنها :‏ أنّ ما أفاده من سقوط الاستصحاب فی الاُصولیة ؛ لکون الحیّ هو‏‎ ‎‏المرجع فیها ، وفی هذه المسألة لا معنی للاستصحاب بعد أن یری الحیّ خطأ‏‎ ‎‏المیّت ، مدفوع بما أفاده ‏‏رحمه الله‏‏ فی صدر البحث ؛ فإنّ ما ذکره إنّما یصحّ لو کان‏‎ ‎‏المستصحِب هو المجتهد ، وأراد إجراء الاستصحاب لنفسه ، ولکنّه غیر مفروض‏‎ ‎‏البحث ؛ فإنّ المستصحِب إنّما هو العامّی دون المفتی ، وهو بعدُ شاکّ .‏

‏وقد صرّح بذلک فی صدر البحث ، وقال : إنّ فی المقام فتواآن لایمکن الأخذ‏‎ ‎‏بکلیهما ؛ لأنّ المجتهد لمّا نزّل نفسه منزلة المقلّد فی کونه شاکّاً . . . إلی آخره .‏

‏وبالجملة : أنّ المجتهد نزّل نفسه منزلة العامّی فی الشکّ فی الواقعة .‏

‎ ‎

‎[[page 686]]‎

  • )) البیع ، رسالة الاجتهاد والتقلید (تقریرات المحقّق الحائری) الأراکی 2 : 489 ـ 493 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 243 ـ 246 .
  • )) راجع وسائل الشیعة 1 : 245 ، کتاب الطهارة ، أبواب نواقض الوضوء ، الباب 1 ، الحدیث 1 ، و2 : 356 ، کتاب الطهارة ، أبواب الحیض ، الباب 44 ، الحدیث 2 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 243 ـ 247 .
  • )) الاستصحاب ، الإمام الخمینی قدس سره : 243 ـ 246 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 667 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 680‌.

انتهای پیام /*