المقصد السابع فی الاُصول العملیة

هل التخییر بدوی أو استمراری‏؟

کد : 147768 | تاریخ : 26/01/1394

هل التخییر بدوی أو استمراری ؟

‏ ‏

‏علی القول بتخییر العامّی فی تقلید أحد المجتهدین المتساویین ، فهل‏‎ ‎‏تخییـره هـذا بـدوی أو استمراری ؟ فلو قلّد أحـدهما فهل یجـوز لـه العدول منـه‏‎ ‎‏إلی الآخـر أو لایجوز ؟‏

یظهر مـن تقریر بحث شیخنا العلاّمـة‏ ـ أعلی الله مقامـه ـ أنّ هـاهنا صـوراً‏‎ ‎‏ثلاثـة :‏

الاُولی :‏ إذا عمل بفتوی من رجع إلیه فی واقعة شخصیة ، ثمّ أراد العدول فی‏‎ ‎‏نفس تلک الواقعة إلی الآخر ـ کما لو صلّی صلاة الظهر بلا سورة ، فأراد تکریر نفس‏‎ ‎‏هذه الصلاة معها ؛ جریاً علی رأی الآخر ـ فحکم بعدم الجواز فی هذه الصورة‏‎ ‎‏مطلقاً ؛ قائلاً بأنّه لامجال للعدول بعد العمل بالواجب المخیّر ؛ لعدم إمکان تکرّر‏‎ ‎‏صرف الوجود وامتناع تحصیل الحاصل .‏

‏ولیس کلّ زمان قیداً للأخذ بالفتوی حتّی یقال : لیس باعتبار الزمان المتأخّر‏‎ ‎‏تحصیلاً للحاصل ، بل الأخذ بالمضمون أمر واحد ممتدّ یکون الزمان ظرفاً له‏‎ ‎‏بحسب الأدلّة .‏

نعم ،‏ یمکن إفادة التخییر فی الأزمنة المتأخّرة بدلیل آخر یفید التخییر فی‏‎ ‎‏الاستدامة علی العمل الموجود ورفع الید عنه والأخذ بالآخر ، لکنّه لیس فیما‏‎ ‎‏بأیدینا ما یدلّ علی التخییر فی الأزمنة المتأخّرة . وعلیه فلا یمکن الحکم بالتخییر .‏

‏وإفادته بأدلّة التخییر فی إحداث الأخذ بهذا أو ذاک ممتنع ؛ للزوم الجمع بین‏‎ ‎‏لحاظین متنافیین ، نظیر الجمع بین الاستصحاب والقاعدة بدلیل واحد .‏


‎[[page 653]]‎‏ولا یجری الاستصحاب ؛ لأنّ التخییر بین الإحداثین غیر ممکن الجرّ إلی‏‎ ‎‏الزمان الثانی ، وبالنحو الثانی لا حالة سابقة له ، والاستصحاب التعلیقی لفتوی‏‎ ‎‏الآخر غیر جارٍ ؛ لأنّ الحجّیة المبهمة السابقة قد صارت معیّنة فی المأخوذ ، وزالت‏‎ ‎‏قطعاً کالملکیة المشاعة إذا صارت مفروزة .‏

الصورة الثانیة :‏ العدول فی الوقائع المستقبلة التی لم تعمل .‏

الصورة الثالثة :‏ العدول قبل العمل وبعد الالتزام والأخذ ؛ فلو قلنا بأنّ التقلید‏‎ ‎‏عبارة عن نفس الالتزام والأخذ فلا یجوز العدول ؛ لعین ما مرّ من البیان السابق ،‏‎ ‎‏لأنّ المأمور به فی مثل قوله : ‏«فارجعوا إلی رواة أحادیثنا»‏ وغیره هو العمل‏‎ ‎‏الجوانحی ـ أعنی الالتزام والبناء القلبیین ـ ولو قلنا بأنّه العمل فلا إشکال فی بقاء‏‎ ‎‏الأمر التخییری فی کلتا الصورتین ، ومع فقد الإطلاق فلا مانع من الاستصحاب‏‎[1]‎‏ ،‏‎ ‎‏انتهی کلامه علی ما فی تقریر بحثه .‏

قلت :‏ الذی یصلح أن یکون محلاًّ للنزاع فی أوّل الصور هو جواز تکرار‏‎ ‎‏العمل مطابقاً لفتوی الآخر ، وأمّا البحث عن التخییر أو جواز العدول فواضح‏‎ ‎‏الإشکال ؛ إذ لا معنی للتخییر بین العمل الموجود فعلاً وغیره .‏

وإن شئت قلت :‏ التخییر بین الإتیان بما أتی والعمل بقول الآخر ممّا لا معنی‏‎ ‎‏له ؛ فإنّ التخییر إنّما یتصوّر بین الأمرین اللذین لم یوجدا أصلاً ، وأمّا إذا وجد أحد‏‎ ‎‏الطرفین فیرتفع موضوعه . وما أتی به من العمل فهو موجود فی ظرفه ، وطرحه‏‎ ‎‏وإعدامه بعد الوجود غیر معقول حتّی یتحقّق موضوع التخییر .‏

ومنه یظهر :‏ أنّه أیضاً لا معنی لجواز العدول بعد العمل ، وعلی ذلک لابدّ من‏
‎[[page 654]]‎‏تغییر مصبّ البحث إلی ما عرفت ، وتمحّضه فی جواز تکریر العمل بالعمل بقول‏‎ ‎‏الآخر بعد العمل بقول الأوّل :‏

ونقول :‏ فربّما یقال بعدم الجواز فی الصورة الاُولی ـ کما قد یستظهر من‏‎ ‎‏شیخنا العلاّمة ـ لأنّ الإتیان بأحد شقّی الواجب التخییری موجب لسقوطه ، فلا‏‎ ‎‏یجوز الإتیان به بعده بداعویة الأمر الأوّل باحتمال داعویته أو بداعویة المحتمل ؛ إذ‏‎ ‎‏هی فرع عدم العلم بالسقوط .‏

‏ومنه یظهر : عدم جواز الاستصحاب ؛ لا استصحاب الوجوب التخییری‏‎ ‎‏لسقوطه قطعاً ، ولا جواز العمل علی طبق فتوی الآخر لعدم احتمال وجود أمر آخر‏‎ ‎‏غیر ما عرفت من الأمر التخییری الذی علم سقوطه‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ التخییر فی المسألة الفرعیة غیره فی المسألة الاُصولیة ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الإتیان بأحد شقّی الواجب یوجب سقوط الحکم التخییری فی الفرعیة من التخییر ،‏‎ ‎‏دون الاُصولی منه ؛ وذلک أنّ التخییر فی المسألة الاُصولیة لانفسیة له ، وإنّما هو‏‎ ‎‏لأجل إحراز الواقع حسب الإمکان ، بعد عدم لزوم الاحتیاط ؛ فلو أتی بأحد‏‎ ‎‏الفردین ـ کالعمل بأحد الفتوائین أو الأمارتین ـ یبقی معه المجال للإتیان بالفرد‏‎ ‎‏الآخر ؛ تحصیلاً للقطع والیقین ؛ وإن کان المکلّف غیر ملزم علی تحصیله .‏

‏نعم ، لو قلنا بحرمة الاحتیاط أو بالإجزاء فی موارد الطرق ؛ وإن لم تکن‏‎ ‎‏موافقة للواقع کان لما ذکره وجه .‏

‏ومنه یظهر : صحّة استصحاب جواز الإتیان بما لم یأته علی نحو‏‎ ‎‏الاستصحاب التنجیزی . نعم التعلیقی منه غیر صحیح ؛ لکون التعلیق غیر شرعی .‏


‎[[page 655]]‎‏وأمّا الصورتان الباقیتان : فالظاهر کون التخییر استمراریاً ؛ وإن لم نقل به فی‏‎ ‎‏الاُولی ، وقیاسهما علی الاُولی قیاس مع الفارق .‏

‏توضیحه : أنّ التقلید وإن کان یتحقّق بالأخذ والالتزام وعقد القلب ، إلاّ أنّه‏‎ ‎‏یمکن إعدامه بالرجوع عمّا التزم ، ومع الإبطال یتحقّق موضوع الأمر بإحداث‏‎ ‎‏الأخذ بأحدهما .‏

‏ولا یلزم ما استشکله من لزوم الجمع بین اللحاظین ؛ فإنّ ذلک فرع بقاء‏‎ ‎‏التقلید حتّی یکون نتیجة أدلّة التخییر الإبقاء بالنسبة إلی الأوّل والإحداث بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الثانی .‏

لکنّک قد عرفت :‏ أنّ الرجوع مبطل ومعدم للأوّل ، ومعه یکون المقام کالتخییر‏‎ ‎‏بلا سبق تقلید أصلاً .‏

أضف إلی ذلک :‏ أنّ الکلام إنّما هو فی إمکان التخییر بعد الفراغ عن الإطلاق ،‏‎ ‎‏لا فی وجود إطلاق الدلیل وإهماله .‏

‏وعلیه : فلا یصحّ الاستدلال علی منع التخییر بأنّه یستلزم الجمع بین‏‎ ‎‏اللحاظین ؛ إذ هو إنّما یناسب البحث الإثباتی دون الثبوتی .‏

وبه یظهر الإشکال فیما أفاده :‏ من أنّ الالتزام وعقد القلب أمر وحدانی ممتدّ‏‎ ‎‏إذا حصل فی زمان لایعقل حدوثه ثانیاً . وجه الإشکال : أنّ الالتزام الثانی التزام‏‎ ‎‏حادث ، وقد بطل الالتزام الأوّل بالرجوع ، ومعه کیف یکون الثانی بقاءً للأوّل ؟ ! هذا‏‎ ‎‏کلّه حسب الثبوت .‏

‏وأمّا الإثبات : فقد عرفت‏‎[3]‎‏ عدم دلیل لفظی یصحّ الاعتماد علیه فی أصل‏‎ ‎
‎[[page 656]]‎‏التقلید ؛ فضلاً عن وجود إطلاق یشمل حالة تعارض الفتوائین . وقد التجأنا إلی‏‎ ‎‏التخییر فی الفتوائین لأجل الإجماع والشهرة المنقولین‏‎[4]‎‏ ، والمتیقّن منهما إنّما هو‏‎ ‎‏التخییر الابتدائی ـ أی فیما إذا لم یسبق منه التزام أصلاً ـ وشمولهما لغیر هذه‏‎ ‎‏الصورة مورد شکّ وریب .‏

‏والتمسّک باستصحاب التخییر ضعیف جدّاً ؛ لکون التخییر البدوی مبایناً‏‎ ‎‏للتخییر الاستمراری موضوعاً ومحمولاً . هذا کلّه إذا کان المستصحب شخص‏‎ ‎‏الحکم .‏

‏وأمّا استصحاب الجامع بین التخییرین أو جامع الجوازین : فقد أوضحنا حاله‏‎ ‎‏فیما سبق ؛ بأنّ الجامع أمر انتزاعی لیس بحکم شرعی . علی أنّ ترتیب أثر الجامع‏‎ ‎‏علی المصداق لایخرج عن الاُصول المثبتة ، فراجع .‏


‎[[page 657]]‎

‎[[page 658]]‎

  • )) البیع ، رسالة الاجتهاد والتقلید (تقریرات المحقّق الحائری) الأراکی 2 : 471 ـ 475 .
  • )) البیع ، رسالة الاجتهاد والتقلید (تقریرات المحقّق الحائری) الأراکی 2 : 471 ـ 473 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 649 .
  • )) مناهج الأحکام والاُصول : 300 / السطر الأخیر .

انتهای پیام /*