المقصد السابع فی الاُصول العملیة

حال المجتهدین المتساویین مع اختلاف فتواهما

کد : 147771 | تاریخ : 26/01/1394

حال المجتهدین المتساویین مع اختلاف فتواهما

‏ ‏

‏مقتضی القاعدة تساقطهما والرجوع إلی الاحتیاط ، أو الرجوع إلی القواعد‏‎ ‎‏الاُخر لو أخلّ الاحتیاط بالنظام أو أوجب العسر والحرج ، غیر أنّ المتسالم عند‏‎ ‎‏الأصحاب هو التخییر بینهما .‏

نعم ، یظهر من شیخنا العلاّمة‏ ـ أعلی الله مقامه ـ کون التخییر مقتضی الأدلّة ،‏‎ ‎‏وأنّ أدلّة حجّیة رأی الفقهاء تشمل حال التعارض وغیره ، بخلاف أدلّة حجّیة قول‏‎ ‎‏الثقة ؛ فإنّها تختصّ بغیر تلک الحال .‏

‏قال فی توضیح ذلک : الفرق بین البابین : أنّ ما هو الموضوع للحجّیة فی باب‏‎ ‎‏الروایات إنّما هو طبیعة خبر الثقة علی نحو الوجود الساری ؛ إذ لا معنی لحجّیة‏‎ ‎‏خبره علی نحو صرف الوجود ؛ لأنّ الغرض قائم بحجّیة خبر الثقة علی النحو العامّ‏‎ ‎‏الاستغراقی ، ولایفید صرف وجود الخبر فی الفقه أصلاً .‏

‏وعلیه : فلا یعقل جعل الحجّیة التعیینیة فی المتعارضین ، کما لایمکن جعل‏‎ ‎‏الحجّیة التعیینیة فی غیر موارد التعارض والتخییریة فیها بدلیل واحد ، فلا مناص‏‎ ‎‏عن إنکار الإطلاق .‏

‏وهذا بخلاف الموضوع فی حجّیة قول الفقهاء ؛ فإنّ ما هو الموضوع إنّما هو‏‎ ‎‏طبیعة قول الفقیه علی نحو صرف الوجود ؛ لأنّ الغرض قائم بقول کلّ واحد من‏‎ ‎‏الفقهاء علی هذا النحو ، ولا معنی لجعل الحجّیة لقول عامّة الفقهاء علی نحو الطبیعة‏‎ ‎‏الساریة ؛ بأن یکون المکلّف ملزماً لتحصیل رأی الفقهاء فی کلّ واقعة ، بل یکون‏‎ ‎‏الرجوع إلی فقیه واحد فی عامّة ما یحتاج إلیه .‏

‏فإذا کان المأمور به هو صرف الوجود فلا إشکال فی شمول إطلاق جعل‏
‎[[page 648]]‎‏الحجّیة لحال التعارض وغیره ، فإذا أخذ برأی واحد من الفقهاء فقد أطاع وامتثل .‏

‏فظهر من ذلک : أنّ إطلاق قوله ‏‏علیه السلام‏‏ فی التوقیع : ‏«وأمّا الحوادث الواقعة‎ ‎فارجعوا فیها إلی رواة أحادیثنا»‏ ، وما فی خبر أحمد بن حاتم بن ماهویه الماضی :‏‎ ‎«فاصمدا فی دینکما علی کلّ مسنّ فی حبّنا»‏ ، وغیرهما من عمومات حجّیة رأی‏‎ ‎‏الفقهاء شامل حال التعارض وغیره ؛ فإذا أخذ بآراء واحد من الفقهاء فقد أطاع‏‎ ‎‏الأمر الوارد‏‎[1]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ ما ذکره ـ أعلی الله مقامه ـ مصحّح إمکان الأخذ بالإطلاق فی‏‎ ‎‏الباب لو وجد ، دون باب حجّیة قول الثقة ، لکنّه فرع وجود دلیل یصحّ الاتّکال‏‎ ‎‏علیه ، وقـد أوردنا کثیراً مـن هـذه العمومات التی استـدلّ بها علی حجّیـة رأی‏‎ ‎‏الفقیه عند البحث عـن لزوم تقدیم رأی الأعلم ، وعرفت أنّها بین مـا لا یصـحّ‏‎ ‎‏سنـداً أو دلالةً‏‎[2]‎‏ .‏

‏وما أشار إلیه من التوقیع قد عرفت إجماله‏‎[3]‎‏ .‏

‏وأمّا قوله ‏‏علیه السلام‏‏ : ‏«فاصمدا فی دینکما . . .»‏ فقد أوعزنا فیما مضی‏‎[4]‎‏ : أنّ‏‎ ‎‏الظاهر مفروغیة لزوم الرجوع إلی أحد من العلماء عند السائل ، کما یشیر إلیه قوله :‏‎ ‎‏«عمّن آخذ معالم دینی» ، غیر أنّه کان یتطلّب من الإمام تعیین ذلک المرجع .‏

‏کما أرجع غیر واحد من السائلین إلی أفراد معیّنة ، من أبی بصیر ومحمّد بن‏
‎[[page 649]]‎‏مسلم وزکریا بن آدم‏‎[5]‎‏ ، فضرب الإمام قاعدة کلّیة حتّی یأخذها مقیاساً ، وقال :‏‎ ‎‏«إلی کلّ مسنّ فی حبّنا ، کثیر القدم فی أمرنا» کنایة‏‎[6]‎‏ عمّن له معرفة تامّة باُمور‏‎ ‎‏الإمامة ، وقدم صدق وراسخ فی أبوابهم ؛ حتّی یوجب الطمأنینة والوثوق بما ینقل‏‎ ‎‏ویفتی .‏

وعلیه :‏ فترک الإمام ‏‏علیه السلام‏‏ ما هو الشرط الأساسی ـ أعنی الفقاهة ـ لکونه‏‎ ‎‏مفروغ الوجود عند السائل والمسؤول ، وترکه علی ارتکازه ، فلیس هو بصدد إعمال‏‎ ‎‏التعبّد والإرجاع إلی الفقهاء حتّی یؤخذ بإطلاقه ، بل بصدد بیان القیود الاُخر .‏

‏ولو سلّم کونه بصدد إرجاعه إلی الفقهاء ، لکنّه لیس فی مقام البیان ، بل وزانه‏‎ ‎‏وزان قول الناصح المشفق لصدیقه المریض : «یجب علیک الرجوع إلی الطبیب‏‎ ‎‏وشرب الدواء» ، إلی غیر ذلک من العبائر التی لیس القائل إلاّ بصدد بیان الحکم علی‏‎ ‎‏نحو الإهمال .‏

فتلخّص :‏ أنّه لیس للأدلّة إطلاق لحال التعارض .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 650]]‎

  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 714 ـ 716 ، البیع ، رسالة الاجتهاد والتقلید (تقریرات المحقّق الحائری) الأراکی 2 : 467 ـ 468 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 633 ـ 640 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 637 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 637 .
  • )) تقدّمت الروایات فی الصفحة 618 ـ 619 .
  • )) الظاهر : أنّه کنایة عن مزاولته وممارسته بأخبارهم حتّی یکون بطانة لأسرارهم ، ویعرف الصحیح عن الزائف . [المؤلّف]

انتهای پیام /*