المقصد السابع فی الاُصول العملیة

التنبیه الثانی فی حکومة القاعدة علی أدلّة الأحکام الأوّلیة

کد : 147813 | تاریخ : 26/01/1394

التنبیه الثانی فی حکومة القاعدة علی أدلّة الأحکام الأوّلیة

‏ ‏

‏إنّ ما اشتهر بین الأساطین من حکومة قوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لاضرر ولاضرار»‎ ‎‏علی الأحکام الواقعیة‏‎[1]‎‏ إنّما یصحّ علی مختارهم فی توضیح الحدیث وتفسیره .‏‎ ‎‏وأمّا علی المذهب المنصور فهو حاکم علی قاعدة السلطنة فقط ؛ لأنّه ورد لکسر‏‎ ‎‏سورتها ، وأنّ السلطنة علی المال إذا استلزمت الضرر والحرج علی الغیر ، وأوقعه‏‎ ‎‏فی المشقّة والمضیقة غیر جائزة ، ولا نافذة .‏

‏وقد تمسّک بها نفس سمرة فی ردّه لزوم الاستئذان ، فقال : «أستأذن فی‏‎ ‎‏طریقی إلی عذقی ؟ !» وهو ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ بما أنّه سلطان الاُمّة وزعیمها وسائس المجتمع‏‎ ‎‏وقائدها الأکبر ، وبما أنّ حکمه علی الأوّلین حکمه علی الآخرین منع الاُمّة ـ‏‎ ‎‏جمعاء ـ عن الضرر والضرار ، وإیقاع المؤمن فی الضرر والمکروه ، نظیر إیقاع سمرة‏‎ ‎‏أخاه الأنصاری فیه بدخوله فجأة ، وإشرافه علی أهله ممّا کان هو یکرهه وأنّ‏‎ ‎‏السلطنة محدودة بحدّ لایجیء منه الضرر إلی المؤمن .‏

‏وأمّا رفع اللزوم فی المعاملة الضرریة کالغبن ، أو رفع وجوب الوضوء‏‎ ‎‏الضرری وما ضاهاهما ممّا اشتهر بینهم التمسّک به‏‎[2]‎‏ فهو أجنبی عنه علی المختار .‏

فإن قلت :‏ فما الدلیل علی رفع اللزوم فی هذه الموارد ؟ ولو أسقطنا القاعدة‏‎ ‎
‎[[page 547]]‎‏عن الاعتبار فی هاتیک المواضع فما الدلیل علی الخیار وأشباهه ؟ وقد یظهر من‏‎ ‎‏بعضهم : أنّ القاعدة هو الدلیل المنحصر فی بعض الخیارات .‏

قلت :‏ انحصار الدلیل بها ممنوع جدّاً ؛ فإنّ من أوضح موارد النقض علی‏‎ ‎‏المختار إنّما هو خیار الغبن . ولا یلزم من إنکار جریان القاعدة فیه عدم الدلیل علی‏‎ ‎‏الخیار ؛ فإنّ وجود الخیار فی هذه الموارد عقلائی بما هو خیار الغبن ، وأیّ دلیل‏‎ ‎‏أوضح من بنائهم الذی لم یردّه الشارع وجری علی دیدنهم فی أحکام المعاملة‏‎ ‎‏غالباً . ولیس الخیار عندهم لأجل وجود الشرط الضمنی فی المعاملة من مساواة‏‎ ‎‏الثمن والمثمن فی القیمة السوقیة حتّی یکون من قبیل خیار تخلّف الشرط‏‎[3]‎‏ ، کما‏‎ ‎‏ربّما توهّم نظیره فی خیار العیب أیضاً‏‎[4]‎‏ ؛ لأنّ الملاک للرجوع عندهم فی صورة‏‎ ‎‏الغبن بما أنّه مغبون ، وفی العیب بما أنّ المبیع معیب .‏

‏نعم ، بناء العقلاء علی حلّ العقد إذا کان المبیع معیباً ، وأمّا حلّه إذا کان أحد‏‎ ‎‏المتبایعین مغبوناً فیتوقّف جوازه عندهم علی عدم بذل التفاوت ؛ فلو بذل فیسقط‏‎ ‎‏خیاره عندهم . ولا أظـنّ أن یستفاد أزید من ذلک مـن القاعدة لو کانت دلیلاً فی‏‎ ‎‏خیار الغبن ، کما اعترف علیه الشیخ الأعظم وشیخنا العلاّمـة ـ أعلی الله ‏‎ ‎‏مقامهما‏‎[5]‎‏ ـ ونقل عن العلاّمة‏‎[6]‎‏ .‏

والحاصل :‏ أنّ استدلال الأعلام بالقاعدة علی الخیار لا یدلّ علی انحصار‏‎ ‎
‎[[page 548]]‎‏دلیل الخیار علیها ؛ فهذا ابن زهرة یمکن أن یستظهر منه عدم اعتماده علی القاعدة‏‎ ‎‏فی إثبات الخیار ؛ حیث قال ویحتجّ علی المخالف بقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ : ‏«لاضرر‎ ‎ولاضرار»‎[7]‎‏ ، فتأمّل .‏

‏ویظهر من صاحب «الجواهر» أنّه اعتمد فی خیار الغبن علی الإجماع الذی‏‎ ‎‏ادّعاه لا علی القاعدة‏‎[8]‎‏ .‏

وبالجملة :‏ استدلال من استدلّ من الأعاظم من زمن الشیخ إلی أعصارنا‏‎ ‎‏لایدلّ علی الانحصار ، وأنّه لولاه لما أمکن إثبات الخیار .‏

ولو سلّم :‏ فالتالی لایعطی ظهوراً للروایة ؛ فإنّ الظهور العرفی إنّما یقتنص من‏‎ ‎‏مجاریه ، ولیس من طرقه بقاء عدّة من المسائل بلا دلیل ؛ إذ هو لایعطی الظهور‏‎ ‎‏ولا یوجب أن نحکم بخلاف ظاهر الحدیث ، إلاّ أن یقال : إنّ الاستدلال إنّما هو‏‎ ‎‏بفهم المشهور لاغیر ، ولکنّه أیضاً غیر سدید .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 549]]‎

  • )) فـرائـد الاُصـول ، ضمن تـراث الشیخ الأعظـم 25 : 462 ، منیـة الطالب 3 : 405 ، حاشیـة المکاسب ، المحقّق الأصفهانی 4 : 491 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 460 ، منیة الطالب 3 : 379 .
  • )) منیة الطالب 3 : 107 .
  • )) حاشیة المکاسب ، المحقّق الإیروانی 3 : 227 .
  • )) المکاسب ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 18 : 162 ، الخیارات (تقریرات المحقّق الحائری) الأراکی : 181 .
  • )) تذکرة الفقهاء 11 : 70 ـ 71 .
  • )) غنیة النزوع 1 : 224 .
  • )) جواهر الکلام 23 : 41 ـ 42 .

انتهای پیام /*