حول کلام المحقّق الأردبیلی وصاحب المدارک فی وجوب التعلّم
ثمّ إنّ المحکی عن الأردبیلی وتلمیذه صاحب «المدارک» هو القول بالوجـوب النفسـی التهیّئی للتعلّم واستحقاق العقوبـة علی ترک نفسـه لا علـی ما أدّی إلیه .
وأورد علیه بعض محقّقی العصر : بأنّه یستلزم منه وجوب المقدّمة قبل وجوب ذیها ، وأنّ تبعیة وجوبها لوجوبه کالنار علی المنار .
وفیه : أنّ اتّصاف التعلّم بالوجوب النفسی التهیّئی لیس بمناط المقدّمیة ؛ لعدم توقّف وجود ذیها علی التعلّم ، بل الوجه فی اتّصافه به ـ علی القول به ـ هو أنّ المولی لمّا رأی أنّ ترک التعلّم موجب لترک الواجب وارتکاب الحرام أحیاناً ، ولیس فیه مناط المقدّمیة حتّی یجب بهذا المناط علی القول بالملازمة ـ وقد عرفت صحّة اتّصاف المقدّمة بالوجوب إذا کان فیه مناط المقدّمیة ؛ وإن لم یتّصف ذوها بالوجوب بعد ـ فحینئذٍ لا مناص عن الأمر به نفسیاً ؛ لسدّ الاحتمال ، کالأمر بالاحتیاط فی الشبهات البدویة .
نعم ، یرد علی المحقّق الأردبیلی وتلمیذه : أنّ ماذهبا إلیه لم یدلّ علیه دلیل ؛ لا من العقل کما هو واضح ، ولامن النقل کما سیوافیک بیان مفاد الأدلّة النقلیة .
أضف إلی ذلک : أنّ الوجوب النفسی التهیّئی لایوجب عقوبة ؛ لعدم ملاکها فیه ؛ فإنّ العقوبة إنّما یصحّ علی ترک ما هو مأمور به نفساً ولذاته ، والواجب
[[page 442]]بالوجوب النفسی التهیّئی إنّما وجب لأجل التحفّظ علی الغیر .
فلا یکون تعلّق الأمر به لأجله حتّی یکون مولویاً ذاتیاً موجباً لاستحقاق العقوبة . مع أنّ إنکار استحقاق العقوبة علی مخالفة نفس الواقع خلاف الإنصاف ، کما مرّ . هذا کلّه حکم العقل .
وأمّا مفاد الآیات والأخبار ، فخلاصة الکلام فیه : أنّه قد یستفاد من أخبار کثیرة متفرّقة فی أبواب متفرّقة أنّ الاجتهاد فی الأحکام وتحصیل مرتبة التفقّه مستحبّ نفسی مؤکّد أو واجب کفائی نفسی .
ویدلّ علی المطلوبیة النفسیة أخبار :
منها : ما ورد فی فضل العلم والعلماء ، کما فی مرسلة الربعی عن أبی جعفـر علیه السلام : «الکمال کـلّ الکمال التفقّـه فـی الدیـن ، والصبر علی النائبـة ، وتقدیـر المعیشة» .
وما روی عن أبی عبدالله علیه السلام : «إنّ العلماء ورثة الأنبیاء» .
وقوله علیه السلام : «العلماء اُمناء الله » .
وقولـه صلی الله علیه و آله وسلم : «مـن سلک طـریقاً یطلب فیه علماً سلک الله بـه طریقـاً إلـی الجنّة» .
وغیرها من «أنّ فضل العالم علی العابد کفضل القمر علی سائر النجوم»
[[page 443]]ممّا لاتعدّ ، وهذه الروایات تعطی کون التفقّه مطلوباً نفسیاً . ولیس من البعید لو قلنا بدلالة طائفة منها علی الوجوب الکفائی ، کما لایبعد استفادته من آیة النفر .
وهاهنا طائفة اُخری یدلّ علی أنّ الجهل وترک السؤال والتعلّم لا یعدّ عذراً ، کما یدلّ علیه مرسلة یونس عن بعض أصحابه قال سئل أبو الحسن علیه السلام : هل یسع الناس ترک المسألة عمّا یحتاجون إلیه ؟ فقال : «لا» .
وصحیحة الفضلاء قالوا : قال أبو عبدالله علیه السلام لحمران بن أعین فی شیء سأله : «إنّما یهلک الناس لأنّهم لایسألون» .
وروایة المجدور الذی غسلوه ولم یمّموه .
وما ورد فی تفسیر قوله تعالی : «فَلِلّٰهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ» «أنّه یقال للعبد یوم القیامة هل علمت ، فإن قال نعم قیل : فهلاّ عملت ، وإن قال لا قیل له : هلاّ تعلّمت حتّی تعمل» .
إلی غیر ذلک ممّا هو ظاهر فی أنّ العلم للعمل .
وهذه الروایات إرشاد إلی حکم العقل من لزوم السؤال والتعلّم لتمامیة الحجّة علی العبد علی فرض ورود البیان من المولی ، ولایدلّ علی الوجوب النفسی ،
[[page 444]]ولا النفسی التهیّئی ؛ لأنّ مفادها تابع لحکم المرشد إلیه ، وهو حاکم بعدم وجوبه نفسیاً . وهاهنا روایات کثیرة لایسع المقام لإیرادها وتوضیح مقاصدها ، وفیما ذکرنا کفایة إن شاء الله تعالی .
[[page 445]]