بحث وتنقیح
لو ترک الفحص فهل یستحقّ العقاب عند المخالفة مطلقاً ـ سواء کان بیان ؛ بحیث لو تفحّص عنه لوقف علیه ، أم لم یکن ـ بل ولو کان هنا طریق علی ضدّ الواقع ؛ بحیث لو تفحّص لوصل إلی هذا الطریق المضادّ للواقع ، أو أنّه یستحقّ العقاب إذا ترک الفحص وخالف الواقع ، ولکنّه لو کان باحثاً عنه لوصل إلی البیان ؟
یحتمل الأوّل ؛ إمّا لأنّه خالف الواقع بلا عذر وحجّة ، ومجرّد وجود الطریق الموصل إلی ضدّ الواقع لایصیر عذراً إذا لم یستند العبد إلیه فی مقام العمل .
[[page 435]]وإمّا لأنّ العقل یحکم بلزوم الاحتیاط عند ترک الفحص ، فهذا الحکم منه یمکن أن یکون بیاناً وحجّة .
وإن شئت قلت : إنّ العقل یحکم علی سبیل التخییر بین الفحص والاحتیاط عند ترکه ، فلو فحص عن مظانّ البیان یجری البراءة العقلیة ؛ لتحقّق موضوعها ـ أعنی عدم البیان ـ ومع ترک الفحص یحکم بالاحتیاط فی المقام ؛ للتحفّظ علی الواقع ، فمخالفته مع حکمه بالاحتیاط یوجب صحّة العقوبة .
ویحتمل الثانی ؛ بأن یقال : إنّ حکم العقل بلزوم الاحتیاط قبل الفحص لیس لأجل التحفّظ علی الواقع مستقلّاً، بل لأجل احتمال ورود البیان فی الکتاب والسنّة ، والمفروض أنّه لم یرد بیان فیهما .
فترک الاحتیاط فی هذه الموارد لایوجب استحقاق العقاب ؛ لأنّ المفروض عدم البیان فی مظانّ وجوده الذی لأجله کان العقل یحکم بالاحتیاط ؛ فضلاً عن وجود الطریق المضادّ للواقع . فاستحقاقه للعقوبة مع ترک الفحص وحکم العقل بلزوم الاحتیاط تابع لوجود بیان واصل من المولی ؛ بحیث لو تفحّص لوصل إلیه .
وأمّا ما ذکرناه من أنّه ترک الواقع بلا حجّة فیمکن أن یدفع : بأنّه إنّما ترک الواقع مع وجود عذر واقعی مغفول عنه ، ومعه لایکون عاصیاً ؛ وإن کان متجرّیاً .
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ العذر الواقعی المغفول عنه غیر الملتفت إلیه لیس بعذر .
والشاهد علیه : أنّه لو فرضنا أنّ شرب التتن کان حراماً واقعاً ، وقام به طریق ، لکنّه لو تفحّص عنه لوقف علی دلیل أرجح منه یدلّ علی حلّیته ؛ بحیث کان له الأخذ بالأرجح حسب القواعد الاجتهادیة ، ومعه لم یتفحّص وشربه وخالفه فلایمکن أن یعدّ وجود الدلیل الراجح عذراً .
والمسألة یحتاج إلی التأمّل وإمعان النظر فی مجال واسع .
[[page 436]]ثمّ إنّه یظهر ممّا ذکرنا من حکم العقل علی استحقاق العقاب علی ترک الواقع الذی ورد البیان له ؛ بحیث لو تفحّص لظفر به : أنّ المنجّز ـ بالکسر ـ هو الاحتمال ، والمنجّز هو الواقع . ومعنی تنجیز الواقع هو صحّة العقوبة علیه عند المخالفة .
وما اُفید فی المقام من أنّ المنجّز ـ بالفتح ـ إنّما هو الطریق ؛ قائلاً بأنّ الواقع غیر فعلی مع عدم وصوله ، وإنّما یصیر فعلیاً بوصوله حقیقة قد تقدّم جوابه ؛ حیث قلنا : إنّ الفعلیة لاتتوقّف علی علم المکلّف وقدرته ، فالواقع منجّز باحتماله .
وأمّا منجّزیة البیان ـ بالفتح ـ فممّا لا محصّل له ؛ لعدم العقاب علی التکالیف الطریقیة .
[[page 437]]