المقصد السابع فی الاُصول العملیة

اعتبار الفحص فی الشبهات الحکمیة

کد : 147854 | تاریخ : 26/01/1394

اعتبار الفحص فی الشبهات الحکمیة

‏ ‏

أمّا الشبهات الحکمیة :‏ فشرط جریانها فیها هو الفحص .‏

‏واستدلّوا علیه بالأدلّة الأربعة :‏

فمنها : العقل ،‏ ویقرّر حکمه فی المقام بوجوه :‏

الأوّل :‏ أنّ تمام الموضوع لحکمه فی قبح العقاب بلا بیان وإن کان هو البیان‏‎ ‎‏الواصل إلی المکلّف ؛ إذ نفس وجوده فی نفس الأمر بلا وصول منه إلیه لایرفع‏‎ ‎‏قبحه ، إلاّ أنّ المراد من الإیصال لیس إلاّ الإیصال المتعارف بین الموالی والعبید ،‏‎ ‎‏ورئیس الدولة وتابعیها ؛ أعنی الرجوع إلی المواضع والمحالّ المعدّة لبیان القوانین‏‎ ‎‏والأحکام ، التی شرّعها صاحبها لمن یجب له اتّباعها والعمل بها .‏

‏وهو یختلف حسب اختلاف الرسوم والعادات والأمکنة والأزمنة ، ولیس هو‏‎ ‎‏الیوم إلاّ الکتب والزبر الحاویة لبیان المولی وأمره ونهیه .‏

‏وقد جری رسم المولی سبحانه علی إبلاغ أحکامه إلی نبیّه ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ ، وهو قد‏‎ ‎‏بلّغ إلی أوصیائه ، وهم قد بلّغوا ما اُمروا به حسب وسعهم . وقد ضبطها ثلّة جلیلة‏‎ ‎‏من أصحابهم وملازمیهم ومن یعدّ بطانة لعلومهم وأسرارهم ، وقد بلغ تلک الزبر‏‎ ‎‏الکریمة والصحف المبارکة عن السلف إلی الخلف حتّی وصل إلینا . فمن الواجب‏‎ ‎‏علینا الرجوع إلیها للوقوف علی وظائفنا ، فلو ترکنا الفحص والتفتیش لسنا‏‎ ‎‏معذورین فی ترک التکالیف ، فلو عاقبنا المولی لا یعدّ عقابه عقاباً بلا بیان‏‎[1]‎‏ .‏


‎[[page 425]]‎وربّما یورد علیه :‏ بأنّ الأحکام الواقعیة إنّما یتّصف بالمنجّزیة إذا کانت‏‎ ‎‏متّصفة بالباعثیة والمحرّکیة ، وهی لا تتّصف بالباعثیة بوجودها الواقعی ، بل‏‎ ‎‏بوجودها العلمی لا الاحتمالی ؛ لأنّه لیس کاشفاً عن الواقع قطعاً .‏

‏فإذا توقّفت باعثیة الأحکام علی کونها منکشفاً ـ انکشافاً تامّاً ـ توقّفت‏‎ ‎‏منجّزیتها علیه ؛ إذ الواقع بنفسه لیس بمنجّز ولا باعث ، بل هو باعث وکاشف لدی‏‎ ‎‏العلم وانکشافه .‏

‏وعلیه : فاحتمال التکلیف لیس باعثاً ولا منجّزاً ، کما أنّ احتماله لیس‏‎ ‎‏مساوقاً لاحتمال الباعث والمنجّز ؛ لما عرفت أنّ الباعثیة والمنجّزیة إنّما یعرضان له‏‎ ‎‏عند الوقوف علی التکلیف لا قبله .‏

‏فحینئذٍ : فاحتمال وجود التکلیف فی المواضع المعدّة للبیان لیس بباعث‏‎ ‎‏ولا منجّز ، ومعه کیف یجب الفحص ؟ فإنّ وجوبه فرع الباعث والمنجّز ، واحتماله‏‎ ‎‏لیس مساوقاً لاحتمال المنجّز‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ ما ذکر مغالطة محضة ؛ إذ فیه ـ مضافاً إلی ما عرفت من أنّ الباعث‏‎ ‎‏والمحرّک لیس إلاّ مبادئ الحاصلة فی نفوس المکلّف ؛ حتّی فی صورة العلم ، کما‏‎ ‎‏وافاک تفصیله ـ أنّ فی المقام فرقاً بین المنجّزیة والباعثیة ؛ فإنّ تنجّز الحکم کفعلیته‏‎ ‎‏لا یتوقّف علی العلم به ؛ فإنّ معنی التنجّز لیس إلاّ کون الحکم تامّاً من قِبَل المولی‏‎ ‎‏قابلاً للإجراء ، وکون مخالفتها موجباً للعقاب .‏

‏والمفروض حصول هـذه الاُمور من قبله ؛ سواء اتّصفت بالباعثیة أم لا ،‏‎ ‎‏والعقل یحکم بأنّ العبد لیس معـذوراً فی مخالفـة المولی إذا بیّن تکالیفـه فـی‏‎ ‎‏صحیفة واقعة بین یدیه . ولیس له الاعتـذار بأنّ التکلیف لیس بوجـوده الواقعی‏
‎[[page 426]]‎‏باعثاً ومنجّزاً ، ولا داعـی لی إلی تحصیل الکلفـة . فنفس الاحتمال منجّـز لـدی‏‎ ‎‏العقل والعقلاء .‏

‏علی أنّ لازم ذلک عدم اتّصافه بالتنجّز إذا بلغه التکلیف عن طریق معتبر غیر‏‎ ‎‏العلم ؛ فإنّ التکلیف الواقعی لیس بباعث ، فلیس بمنجّز .‏

‏ومجرّد معلومیة الأمارة لایوجب انکشاف التکلیف عقلاً حتّی یتّصف لأجله‏‎ ‎‏بهما ، مع أنّه واضح البطلان .‏

الثانی من وجوه حکم العقل :‏ ما أفاده بعض الأعیان من المحقّقین ‏‏قدس سره‏‏ وهو أنّ‏‎ ‎‏الاقتحام قبل الفحص خروج عن رسم العبودیة وزیّ الرقّیة فیما إذا کان التکلیف لا‏‎ ‎‏یعلم عادة إلاّ بالفحص ، فالاقتحام بلا فحص ظلم علی المولی .‏

‏والفرق بین هذا الوجه وما سبق : هو أنّ العقوبة علی الوجه السابق إنّما هی‏‎ ‎‏علی مخالفة التکلیف الواقعی المنجّز ، وعلی الثانی علی الإقدام بلا فحص ؛ لأنّه‏‎ ‎‏بنفسه ظلم وملاک لاستحقاق العقوبة ؛ سواء خالف الواقع أولا ، کما فی التجرّی .‏

‏فمناط صحّة العقوبة هو تحقّق عنوان الظلم ، لا مخالفة التکلیف الواقعی حتّی‏‎ ‎‏یقال : إنّها قبیحة بلا بیان . فعقاب المولی عبده علی مخالفة التکلیف الواقعی قبیح‏‎ ‎‏وظلم ، کما أنّ إقدام العبد أو ترکه بلا فحص ظلم علی المولی . ولکلٍّ حکمه .‏

‏نعم ، التحقیق : أنّ الظلم لا ینطبق علی الإقدام ، بل علی ترک الفحص عن‏‎ ‎‏التکلیف الذی لا یعلم عادة إلاّ به‏‎[3]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ عنوان الظلم لا ینطبق علی عنوان ترک الفحص بالذات ، ولو انطبق‏‎ ‎‏علیه فإنّما هو بلحاظ احتمال المخالفة . ولو سلّمنا ـ کما هو المفروض ـ جریان‏
‎[[page 427]]‎‏قبح العقاب بلا بیان ، وأنّ التکلیف الواقعی علی فرض وجوده غیر مؤثّر ، وأنّ العبد‏‎ ‎‏فی سعة منه فلا معنی لانطباق عنوان الظلم علیه .‏

‏والحاصل : أنّ العقل بعد ما حکم بعدم القبح فی مخالفة التکلیف الواقعی علی‏‎ ‎‏فرض وجوده فلا یصیر ترک الفحص منشئاً لانطباق عنوان الظلم علیه ؛ إذ لا معنی‏‎ ‎‏لأن یصیر التکلیف الذی لا قبح فی مخالفته منشئاً لتحقّق عنوان الظلم والتجرّی .‏

‏وما أفاده : من أنّ لکلّ من مخالفة التکلیف الواقعی وترک الفحص حکمه‏‎ ‎‏ممنوع بعد ما عرفت : أنّ تحقّق عنوان الظلم متفرّع علی کون الواقع منجّزاً ، وما‏‎ ‎‏لیس منجّزاً لا قبح فی مخالفته ، فلیس فی ترک فحصه ظلم .‏

‏وممّا ذکرنا یظهر النظر فیما أفاده : من أنّ الظلم لا ینطبق علی الإقدام ، بل‏‎ ‎‏علی ترک الفحص ؛ لأنّ ترک الفحص لیس ظلماً مع الاحتیاط فی مقام العمل ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الفحص وعدمه لاموضوعیة لهما ، وإنّما الفحص لأجل التحفّظ علی الواقع ، بل‏‎ ‎‏الظلم ینطبق علی الإقدام المحتمل کونه مخالفة للمولی .‏

الثالث من وجوه حکم العقل :‏ أنّ المکلّف الواقف الملتفت یعلم إجمالاً‏‎ ‎‏بالضرورة بأنّ للمولی سبحانه تکالیف وواجبات ومحرّمات یطلبها منه ولا یرضی‏‎ ‎‏بترکه ، ومع هذا العلم الإجمالی یصیر المقام من الشکّ فی المکلّف به ، وهو لیس‏‎ ‎‏مجریً للبراءة ، وإنّما مجراه هو الشکّ فی التکلیف‏‎[4]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ البحث فی شرائط جریان البراءة ـ بعد تسلیم کون المقام مجری‏‎ ‎‏لها ، وتسلیم أنّ الشکّ فیه شکّ فی التکلیف لا فی المکلّف به ـ فالاستدلال بما ذکر‏‎ ‎‏خروج عن موضوع البحث .‏


‎[[page 428]]‎نعم ، نوقش فیه بوجهین :

‏الأوّل :‏‏ بأنّه أخصّ من المدّعی ؛ فإنّ المدّعی وجوب الاستعلام عن المسائل ؛‏‎ ‎‏کان هنا علم إجمالی أم لا ، والدلیل یوجب الفحص قبل استعلام جملة من الأحکام‏‎ ‎‏بمقدار یحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فیه ؛ لانحلال العلم الإجمالی بذلک .‏

الثانی :‏ أنّه أعمّ منه ؛ لأنّه هو الفحص عن الأحکام فی خصوص ما بأیدینا‏‎ ‎‏من الکتب ، والمعلوم بالإجمال هو الأحکام الثابتة فی الشریعة مطلقاً ، والفحص عن‏‎ ‎‏تلک الکتب لایرفع أثر العلم الإجمالی‏‎[5]‎‏ .‏

وناقش بعض أعاظم العصر فی الوجهین ، فقال :

‏أمّا فی الوجه الأوّل : فإنّ استعلام مقدار من الأحکام یحتمل انحصار المعلوم‏‎ ‎‏فیها لایوجب الانحلال ؛ إذ متعلّق العلم تارة یتردّد من أوّل الأمر بین الأقلّ والأکثر ،‏‎ ‎‏کما لو علم بأنّ ما فی هذا القطیع من الغنم موطوء ، وتردّد بین العشرة والعشرین ،‏‎ ‎‏واُخری یکون المتعلّق عنواناً لیس بنفسه مردّداً بین الأقلّ والأکثر من أوّل الأمر ،‏‎ ‎‏بل المعلوم هو العنوان بما له من الأفراد الواقعیة ، کما لو علم بموطوئیة البیض من‏‎ ‎‏هذا القطیع ، وتردّدت بین العشرة والعشرین .‏

‏ففی الأوّل ینحلّ العلم الإجمالی دون الثانی ؛ فإنّه لا ینحلّ بالعلم التفصیلی‏‎ ‎‏بمقدار یحتمل انحصار المعلوم بالإجمال فیه ، بل لابدّ من الفحص التامّ عن کلّ‏‎ ‎‏محتمل ؛ لأنّ العلم یوجب تنجّز متعلّقه بما له من العنوان .‏

‏وما نحن فیه من هذا القبیل ؛ لأنّ المعلوم بالإجمال هی الأحکام الموجودة‏‎ ‎‏فیما بأیدینا من الکتب ، ولازم ذلک هو الفحص التامّ .‏


‎[[page 429]]‎‏ألا تری أنّه لیس للمکلّف الأخذ بالأقلّ لو علم اشتغاله لزید بما فی‏‎ ‎‏الطومار ، وتردّد بین الأقلّ والأکثر ، بل لابدّ له من الفحص من الطومار ، کما علیه‏‎ ‎‏بناء العقلاء ، وما نحن فیه من هذا القبیل .‏

‏وأمّا فی الوجه الثانی : فلأنّه وإن علم إجمالاً بوجود أحکام فی الشریعة أعمّ‏‎ ‎‏ممّا بأیدینا من الکتب إلاّ أنّه یعلم إجمالاً أنّ فیما بأیدینا أدلّة مثبتة للأحکام‏‎ ‎‏مصادفة للواقع بمقدار یحتمل انطباق ما فی الشریعة علیها ؛ فینحلّ العلم الإجمالی‏‎ ‎‏العامّ بالعلم الإجمالی الخاصّ ویرتفع الإشکال ویتمّ الاستدلال بالعلم الإجمالی‏‎ ‎‏بوجوب الفحص‏‎[6]‎‏ ، انتهی کلامه .‏

وفیما ذکره مواقع للنظر :

‏منها :‏‏ أنّه لافرق فی الانحلال بین تعلّق العلم بشیء یتردّد من أوّل الأمر بین‏‎ ‎‏الأقلّ والأکثر ، وما إذا تعلّق العلم بعنوان لیس بنفسه مردّداً بینهما من أوّل الأمر ، بل‏‎ ‎‏المعلوم هو العنوان بما له من الأفراد الواقعیة ، لکن الأفراد تردّدت بینهما .‏

‏وجه عدم الفرق : أنّ ما ذکره إنّما یصحّ لو لم یکن العنوان ممّا ینحلّ بواسطة‏‎ ‎‏انحلال تکلیفه ، وأمّا المنحلّ بانحلاله ، کالعالم إذا تعلّق به وجوب الإکرام بما له من‏‎ ‎‏الأفراد الواقعیة ، وتردّدت الأفراد بین الأقلّ والأکثر فلا محالة ینحلّ العلم الإجمالی‏‎ ‎‏بالعلم التفصیلی . ومثله البیض من الغنم إذا کان مصبّ التکلیف ، وتردّد أفراده بین‏‎ ‎‏الأقلّ والأکثر .‏

‏نعم ، لو کان نسبة العنوان إلی المعنون نسبة المحصّل إلی المحصّل لوجب‏‎ ‎‏الاحتیاط بلا إشکال ، لکن المفروض عدمه .‏

ومنها :‏ أنّه لو سلّمنا ما ذکره من الفرق فإنّما هو فیما إذا کان متعلّق التکلیف‏
‎[[page 430]]‎‏بالذات هو العنوان ؛ بحیث یکون العنوان بنفسه ذا أثر شرعی ، وأمّا إذا تعلّق العلم‏‎ ‎‏بما لیس بذی أثر أصلاً ـ کما فی المقام ـ فلا ؛ فإنّ العلم وإن تعلّق بأحکام موجودة‏‎ ‎‏فی الکتب التی بأیدینا إلاّ أنّه من العناوین المشیرة إلی ذوات الأحکام الواقعیة ،‏‎ ‎‏وأمّا ما ذکر من العنوان فلیس إلاّ محلاًّ لها ، من غیر دخالة لها .‏

‏فحینئذٍ : فلا یتنجّز الواقع علینا بهذا العنوان ، ولایکون الأحکام بذلک العنوان‏‎ ‎‏مورداً للتکلیف ، ولایکون مانعاً عن الانحلال .‏

‏فالعلم الإجمالی المؤثّر متعلّق بنفس الأحکام بوجودها الواقعی ، ویتردّد من‏‎ ‎‏أوّل الأمر بین الأقلّ والأکثر ، وینحلّ إلی التفصیلی والشکّ البدوی .‏

‏نعم ، لو تنجّز علینا الواقع بما له من العنوان ؛ بحیث یکون المنجّز ـ بالفتح ـ‏‎ ‎‏هو الحکم المقیّد بعنوانه المتعلّق للعلم لکان ذلک مانعاً عن الانحلال .‏

‏وممّا ذکر یظهر حال المثالین ؛ فإنّ عنوان البیض لیس ممّا یتعلّق به التکلیف ،‏‎ ‎‏ولیس الواقع منجّزاً علینا بهذا العنوان حتّی یکون العلم المتعلّق به منجّزاً له بهذا‏‎ ‎‏العنوان ، ویکون مانعاً عن الانحلال ، وإنّما هو عنوان عرضی ومن الاُمور الاتّفاقیة‏‎ ‎‏المقارنة لما هو متعلّق التکلیف لبّاً ؛ أعنی الموطوء .‏

‏فحینئذٍ : لو قلنا بمقالته ـ من أنّه إذا تعلّق بعنوان بما له من الأفراد الواقعیة ،‏‎ ‎‏وأغمضنا عمّا ذکرنا من انحلاله لانحلال التکلیف المتعلّق به ـ یجب الاحتیاط فی‏‎ ‎‏کلا المثالین ؛ لتعلّق الحکم بالموطوء ، لا لتعلّقه بعنوان البیض من الغنم .‏

ومنها :‏ أنّ ما ذکره فی الوجه من انحلال العلم الإجمالی العامّ بالعلم‏‎ ‎‏الإجمالی الخاصّ غیر صحیح علی مختاره ؛ فإنّ العلم تعلّق بالأحکام الواقعیة بما‏‎ ‎‏فی الکتب مطلقاً ، أو الأحکام الصادرة عن الله سبحانه . فإذا فرضنا : أنّ تعلّق العلم‏‎ ‎‏بالعنوان منجّز لعامّة الأفراد الواقعیة لما صحّ جعل العلم الثانی موجباً لانحلال العلم‏
‎[[page 431]]‎‏العامّ ، بعد تنجیزه کلّ ما له فرد واقعی ، إلاّ أن یحصل القطع بالإحاطة بتمام أفراده .‏

ومنها :‏ أنّ ما ذکره من أنّه إذا تعلّق العلم باشتغال الذمّة بما فی الطومارلیس‏‎ ‎‏للمکلّف الأخذ بالأقلّ خارج من مصبّ البحث ؛ فإنّه من الشبهات الموضوعیة التی‏‎ ‎‏تعرّض ‏‏قدس سره‏‏له فیما بعد ، واختار وجوب الفحص‏‎[7]‎‏ .‏

‏وسیوافیک لزوم الفحص فی الشبهات الموضوعیة فی الموارد التی لایحتاج‏‎ ‎‏حصول العلم بالموضوع إلی مقدّمات کثیرة ، بل یحصل بأدنی إمعان النظر ، وإن لم‏‎ ‎‏یکن علم إجمالی ، فانتظر .‏

ثمّ إنّ بعض محقّقی العصر‏ أجاب عن أخصّیة الدلیل بأنّه یتّجه لو کان متعلّق‏‎ ‎‏العلم الإجمالی مطلقاً ، أو کان مقیّداً بالظفر به علی تقدیر الفحص ، ولکن کان‏‎ ‎‏تقریب العلم الإجمالی هو کونه بمقدار من الأحکام علی وجه لو تفحّص ـ ولو فی‏‎ ‎‏مقدار من المسائل ـ لظفر به . وأمّا لو کان تقریبه بما ذکرناه من العلم بمقدار من‏‎ ‎‏الأحکام فی مجموع المسائل المحرّرة علی وجه لو تفحّص فی کل مسألةٍ تکون‏‎ ‎‏مظانّ وجود محتمله لظفر به فلایرد إشکال‏‎[8]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّه مجرّد فرض لایمسّ الواقع ؛ فإنّ ادّعاء العلم بأنّ فی کلّ مسألة‏‎ ‎‏دلیلاً إلزامیاً لو تفحّصنا لظفرنا به ممّا هو مخالف للوجدان ، وکأنّه بصدد دفع‏‎ ‎‏الإشکال بأیّ وجه ممکن ؛ طابق الواقع أولا .‏

والتحقیق :‏ ما سبق‏‎[9]‎‏ من أنّ الاستناد فی لزوم الفحص إلی العلم الإجمالی‏‎ ‎‏خروج عمّا هو موضوع للبحث ؛ فإنّ البحث إنّما هو بعد صلاحیة المقام للبراءة ،‏
‎[[page 432]]‎‏والبحث فی شرائط جریانها . ومعنی الاستناد إلی العلم الإجمالی کون المقام غیر‏‎ ‎‏صالح للبراءة ، وأنّ المجری مجری الاشتغال .‏

‏ولو أغمضنا عنه : فلا شکّ أنّ العلم ینحلّ مع التفحّص فی أبواب الفقه ؛ إذ لا‏‎ ‎‏علم إجمالی إلاّ بأحکام بنحو الإجمال ، وهو ینحلّ بالتفحّص بالضرورة .‏

ثمّ إنّ القوم قد استدلّوا علیه بالإجماع‎[10]‎‏ ، ولکنّه لا یفید فی المقام شیئاً ؛ إذ‏‎ ‎‏المسألة عقلیة واضحة ؛ إذ من المحتمل جدّاً أن یکون مستند المجمعین حکم العقل‏‎ ‎‏الواضح الباتّ .‏

وأمّا الاستدلال بالآیات والأخبار :‏ فسیوافیک لبّ القول فیهما عن قریب‏‎ ‎‏إن شاء الله ‏‎[11]‎‏ . هذا کلّه فی الشبهات الحکمیة .‏

‎ ‎

‎[[page 433]]‎

  • )) اُنظر فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 278 .
  • )) نهایة الدرایة 4 : 406 ـ 407 .
  • )) نهایة الدرایة 4 : 405 ـ 406 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 414 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 414 ـ 415 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 279 ـ 280 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 471 ـ 472 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 302 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 428 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 412 .
  • )) یأتی فی الصفحة 443 ـ 445 .

انتهای پیام /*