المقصد السابع فی الاُصول العملیة

فیما أورد المحقّق العراقی علی التمسّک بحدیث « رفع.‏.‏.‏النسیان »

کد : 147888 | تاریخ : 26/01/1394

فیما أورد المحقّق العراقی علی التمسّک بحدیث « رفع. . . النسیان »

‏ ‏

‏هذا توضیح المختار ، ولابدّ من دفع ما استصعبه بعضهم من الإشکالات ؛‏‎ ‎‏حتّی یتّضح الحقیقة بأجلی مظاهرها ، فنقول :‏

منها :‏ أنّ ما هو جزء للصلاة إنّما هو طبیعة الشیء ، والجزئیة من أوصافها .‏‎ ‎‏والنسیان لم یتعلّق بالطبیعـة حتّی یرتفع آثارهـا ، وإنّما تعلّق بوجـودها ، وهـو‏‎ ‎‏لیس جزءً‏‎[1]‎‏ .‏


‎[[page 357]]‎وفیه :‏ أنّ المنسی بالضرورة نفس الطبیعة ؛ بمعنی حضورها فی الذهن . فإن‏‎ ‎‏أراد القائل من تعلّقه بالوجود تعلّقه بالفرد الخارجی فواضح الفساد ؛ وإن کان المراد‏‎ ‎‏إیجاد الطبیعة فهو یرجع إلی ما ذکرنا .‏

ومنها :‏ أنّه إن اُرید من رفع الجزئیة عن الجزء رفعها فی مقام الدخل فی‏‎ ‎‏الملاک فلا شبهة أنّه أمر تکوینی لایقبل الرفع التشریعی .‏

‏وإن اُرید رفعها بلحاظ انتزاعها عن التکلیف الضمنی ففیه : أنّ الحدیث‏‎ ‎‏یختصّ بما لولاه لکان قابلاً للثبوت تکلیفاً أو وضعاً ، والتکلیف الفعلی مرتفع عن‏‎ ‎‏المنسی بعروض النسیان ، بملاک استحالة التکلیف بما لا یطاق ، فالتکلیف مرتفع مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن الحدیث‏‎[2]‎‏ .‏

قلت :‏ إنّ ذلک یناقض مع ما مرّ‏‎[3]‎‏ من القائل من القول بالجزئیة المطلقة فیما‏‎ ‎‏إذا کان لسان الدلیل لسان وضع ، أو لسان تکلیف لکن علی وجه الإرشاد إلی‏‎ ‎‏الجزئیة ، وما نقلناه هناک عن القائل نصّ فی إمکان جعل الجزئیة بالنسبة إلی الغافل‏‎ ‎‏والجاهل ، ولایلزم منه التکلیف بما لایطاق .‏

‏بل ذکر ‏‏رحمه الله‏‏ فی موضع من کلامه : أنّ البحث عن البراءة الشرعیة فی المقام‏‎ ‎‏فیما إذا ثبت لأدلّة الأجزاء والشرائط إطلاق ؛ بحیث لولاه لما کان للبحث عنها‏‎ ‎‏مجال . ولکنّه زعم فی المقام أنّ ثبوت الإطلاق فی حال النسیان یوجب التکلیف‏‎ ‎‏بما لا یطاق‏‎[4]‎‏ . ولعلّه من عثرات ذهنه أو قلمه الشریف .‏


‎[[page 358]]‎ومنها :‏ ما یستفاد من تقریرات العلمین أنّه لیس فی المرکّب إلاّ طلب واحد‏‎ ‎‏متعلّق بعدّة اُمور متباینة ، وینتزع جزئیة کلٍّ من انبساط ذلک الطلب إلی الکلّ ، لا أنّ‏‎ ‎‏جزئیة کلٍّ مستقلّة بالجعل .‏

‏فحینئذٍ : رفع الجزئیة برفع منشأ انتزاعها ؛ وهو رفع التکلیف عن المرکّب ،‏‎ ‎‏فلابدّ من القول بأنّ التکلیف مرفوع عن المرکّب بحدیث الرفع ؛ لتعلّق الرفع بمنشأ‏‎ ‎‏انتزاع الجزئیة . ولایمکن إثبات التکلیف لبقیة الأجزاء ؛ إذ ـ مع کون الطلب‏‎ ‎‏واحـداً ، والمفروض ارتفاعه بارتفاع جزئیة المنسی ـ لا معنی لوجوب البقیة إلاّ‏‎ ‎‏بقیام دلیل خاصّ‏‎[5]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ رفع الجزئیة فی حال النسیان لیس معناه رفع الجزئیة الثابتة بالأدلّة‏‎ ‎‏الأوّلیة ـ رفعاً حقیقیاً جدّیاً ـ لما عرفت : أنّ ذلک من المستحیل فی حقّه سبحانه‏‎[6]‎‏ ،‏‎ ‎‏بل المراد هو الرفع القانونی ؛ بمعنی عدم الجعل من رأس ، وأنّ الإطلاق المستفاد‏‎ ‎‏من الدلیل إنّما کان مراداً بالإرادة الاستعمالیة لا الجدّیة ، وأنّ الناسی والخاطئ‏‎ ‎‏لم یسبق إلیهما التکلیف فی الأزل إلاّ بما عدا المنسی .‏

‏فالتحدید بالبقیة لم یحصل بحدیث الرفع ، وإنّما هو کاشف عن التحدید من‏‎ ‎‏حین تعلّق الأحکام .‏

‏وقد تقدّم أیضاً : أنّ الأمر المتعلّق بالمرکّب له داعویة لکلّ جزء جزء بعین‏‎ ‎‏الدعوة إلی المرکّب‏‎[7]‎‏ . فلو قام الدلیل علی سقوط الجزئیة فی بعض الأحوال یفهم‏‎ ‎
‎[[page 359]]‎‏العرف من ضمّهما بقاء الدعوة إلی المرکّب الناقص والأجزاء غیر المنسیة ، من غیر‏‎ ‎‏فرق بین الجهل بالجزئیة ونسیانها ، فراجع .‏

وممّا ذکرنا یعلم :‏ دفع ما ربّما یقال : إنّ غایة ما یقتضی الحدیث هو رفع بقاء‏‎ ‎‏الأمر الفعلی والجزئیة الفعلیة حال النسیان الملازم بمقتضی الارتباطیة لسقوط‏‎ ‎‏التکلیف عن البقیة مادام النسیان .‏

‏وأمّا اقتضاؤه لسقوط المنسی عن الجزئیة والشرطیة فی حال النسیان لطبیعة‏‎ ‎‏الصلاة المأمور بها رأساً ، علی نحوٍ یستتبع تحدید دائرة الطبیعة فی حال النسیان‏‎ ‎‏بالبقیة ، ویقتضی الأمر بالإتیان بها ، فلا ؛ بداهة عدم تکفّل الحدیث لإثبات الوضع‏‎ ‎‏والتکلیف ؛ لأنّ الحدیث حدیث رفع لاحدیث وضع‏‎[8]‎‏ .‏

توضیح الدفع‏ ـ وإن أوضحنا دفعه فیما سبق ـ أنّ الوضع لیس بید الحدیث ،‏‎ ‎‏وإنّما شأنه الکشف عن عدم تعلّق الإرادة الجدّیة بالجـزء المنسی حال النسیان ؛‏‎ ‎‏وإن تعلّق به الإرادة الاستعمالیة . وأمّا الوضع فالمتکفّل له إنّما هو نفس الأوامر‏‎ ‎‏الإلهیة المتعلّقة بعناوین المرکّبات ، فالبقیة مأمور بها بنفس تلک الأوامر ، ومع رفع‏‎ ‎‏الجزئیة تکون البقیة مصداقاً للمأمور به ، ویسقط الأمر المتعلّق بالطبیعة ، وهـذا‏‎ ‎‏معنی الإجزاء .‏

ومنها :‏ أنّه لابدّ فی التمسّک بحدیث الرفع من کون المرفوع له نحو تقرّر‏‎ ‎‏وثبوت ، فلا یتعلّق الرفع بالمعدومات ؛ وإن تنالها ید التشریع . ورفـع النسیان‏‎ ‎‏لو تعلّق بجزئیة الجزء یکون من نسیان الحکم لا الموضوع ، والحال : أنّ المنسی‏‎ ‎‏نفس الجزء ؛ أی الإتیان به قولاً وفعلاً . ومعنی نسیانـه خلوّ صفحة الوجـود عنه ،‏
‎[[page 360]]‎‏فلا یعقل تعلّق الرفع به ؛ لأنّه معدوم .‏

‏وأیضاً لیس محلّ البحث النسیان المستوعب ونسیان الجـزء فی بعض‏‎ ‎‏الوقت کنسیان أصل المرکّب ، فکما أنّ الثانی لایوجب سقوط التکلیف رأسـاً‏‎ ‎‏کـذلک الأوّل‏‎[9]‎‏ .‏

وفیه :‏ أنّ متعلّق الرفع أمر وجودی ؛ وهـو الجزئیـة حـال نسیان‏‎ ‎‏الموضـوع ، ولا دلیل علی اختصاص الرفع علی نسیان الحکم ، بل یعمّه ونسیان‏‎ ‎‏الموضوع . فالجزء الذی ثبت جزئیته للمرکّب بالأدلّة الأوّلیة مرفوع جزئیته حال‏‎ ‎‏نسیان الموضوع .‏

‏فما هو متعلّق الرفع إنّما هو أمر وجودی ؛ وهو الجزئیة حال نسیان‏‎ ‎‏الموضوع . وکونه غیر ناسٍ للحکم وذاکراً له لایقتضی ثبوت الجزء ؛ من حیث‏‎ ‎‏نسیان الموضوع . وحدیث الرفع یقتضی رفعه من حیث نسیانه للموضوع لا للحکم .‏

‏وأمّا قیاس نسیان الجزء بنسیان أصل المرکّب فمع الفارق ؛ لأنّه مع عدم‏‎ ‎‏الإتیان بالمرکّب لا معنی للإجـزاء ، بخلاف ما لو أتی بما عـدا المنسی ؛ فإنّ‏‎ ‎‏الناقص یصیر مصداق المأمور به ، بعد حکومة الحدیث علی الأدلّة ، فالإتیان به‏‎ ‎‏یقتضی الإجزاء .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 361]]‎

  • )) نهایة الأفکار 3 : 429 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 429 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 344 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 426 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 430 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 226 ـ 227 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 354 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 294 و 354 .
  • )) نهایة الأفکار 3 : 429 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 225 ـ 226 .

انتهای پیام /*