المقصد السابع فی الاُصول العملیة

ضابط الشبهة غیر المحصورة

کد : 147931 | تاریخ : 26/01/1394

ضابط الشبهة غیر المحصورة

‏ ‏

‏وقد ظهر ممّا أوضحنا من مقالة شیخنا العلاّمة ـ أعلی الله مقامه ـ أنّ ما هو‏‎ ‎‏الضابط فی الشبهة غیر المحصورة أن تکون کثرة الأطراف بمثابة لا یعتنی العقلاء‏‎ ‎‏باحتمال کون الواقع فی بعض الأطراف فی مقابل البقیة ؛ لضعف الاحتمال لأجل‏‎ ‎‏الکثرة‏‎[1]‎‏ .‏

‏وقد نقل شیخنا الأعظم ‏‏قدس سره‏‏ کلمات فی ضابطها عن الأعلام‏‎[2]‎‏ ، غیر أنّه لا یهمّ‏‎ ‎
‎[[page 247]]‎‏الباحث ؛ لأنّ الدلیل الوحید ما عرفت من بناء العقلاء ودلالة الأخبار ، ولیس عنوان‏‎ ‎‏غیر المحصور واقعاً فی مصبّ روایة حتّی نتکلّف لبیان حدّه .‏

ثمّ إنّه یظهر من بعض أعاظم العصر ضابطاً آخر ؛‏ فقال ما هذا حاصله : إنّ‏‎ ‎‏ضابطها أن تبلغ الأطراف حدّاً لا یمکن عادة جمعها فی الاستعمال ؛ من أکل‏‎ ‎‏وشرب ، فخرج العلم بنجاسة حبّة من حقّة ؛ لإمکان استعمال الحقّة ، مع أنّ نسبتها‏‎ ‎‏إلی الحقّة تزید عن نسبة الواحد إلی الألف .‏

‏فلیس العبرة بکثرة العدد فقط ؛ إذ ربّ کثیر تکون الشبهة فیه محصورة ،‏‎ ‎‏کالحقّة من الحنطة . کما لا عبرة بعدم تمکّن الجمع فقط ؛ إذ ربّما لا یتمکّن عادة مع‏‎ ‎‏أنّ الشبهة محصورة ، ککون أحد الأطراف فی أقصی بلاد المغرب ، بل لابدّ من‏‎ ‎‏الأمرین : کثرة الأطراف ، وعدم التمکّن العادی من الجمع .‏

‏وبهذا تمتاز الشبهة الغیر المحصورة عمّا تقدّم فی المحصورة ، من أنّه یعتبر‏‎ ‎‏فیها إمکان الابتلاء بکلّ واحد من أطرافها ؛ فإنّ إمکان الابتلاء بکلّ واحد غیر‏‎ ‎‏إمکان الابتلاء بالمجموع . فالشبهة الغیر المحصورة ما تکون کثرة الأطراف بحدّ‏‎ ‎‏یکون عدم التمکّن فی الجمع فی الاستعمال مستنداً إلیها .‏

‏ومن ذلک یظهر حکمها ؛ وهو عدم حرمة المخالفة القطعیة وعدم وجوب‏‎ ‎‏الموافقة القطعیة :‏

‏أمّا عدم الحرمة : فلأنّ المفروض عدم التمکّن العادی منها .‏

‏وأمّا عدم وجـوب الموافقـة القطعیة : فلأنّ وجوبها فرع حرمـة المخالفـة‏‎ ‎‏القطعیة ؛ لأنّها هی الأصل فی باب العلم الإجمالی ؛ لأنّ وجوب الموافقة القطعیة‏‎ ‎‏یتوقّف علی تعارض الاُصول فی الأطراف ، وتعارضها یتوقّف علی حرمـة‏‎ ‎‏المخالفـة القطعیة ، فیلزم من جریانها فی جمیع الأطراف مخالفة عملیة للتکلیف ،‏
‎[[page 248]]‎‏فإذا لم تحرم المخالفـة القطعیة لم یقع التعارض بین الاُصول ، ومعه لا یجب‏‎ ‎‏الموافقـة القطعیة‏‎[3]‎‏ .‏

وفیه أمّا أوّلاً :‏ فإنّ المراد من عدم التمکّن من الجمع فی الاستعمال إن کان هو‏‎ ‎‏الجمع دفعة فیلزم أن یکون أکثر الشبهات المحصورة غیر محصورة .‏

‏وأمّا إن کان أعمّ منها ومن التدریج ـ ولو فی مدّة طویلة من سنین متمادیة ـ‏‎ ‎‏فلابدّ من تعیین ذلک الزمان الذی لا یمکن الجمع التدریجی بین الأطراف فیه ، بل‏‎ ‎‏یلزم أن یکون أکثر الشبهات محصورة ؛ إذ قلّما یتّفق أن لا یمکن الجمع بین‏‎ ‎‏الأطراف ، ولو فی ظرف سنین . فتکون الشبهة علی هذا الضابط محصورة ، وهذا ممّا‏‎ ‎‏لا یمکن الالتزام به .‏

‏فإن قلت : إنّ ارتکاب جمیع الأطراف ممّا لا یمکن غالباً ؛ ولو تدریجاً فی‏‎ ‎‏سنین متمادیة ؛ لفقدان بعض الأطراف . علی أنّ تأثیر العلم الإجمالی فی‏‎ ‎‏التدریجیات محلّ بحث .‏

‏قلت : إنّ خروج بعض الأطراف بعد تنجیز العلم غیر مؤثّر . ولا یضرّ بتنجیز‏‎ ‎‏العلم الإجمالی فی بقیة الأطراف .‏

‏مع أنّک قد عرفت : أنّ البحث ممحّض فی کون الشبهة غیر محصورة ، مع‏‎ ‎‏قطع النظر عن الجهات الاُخر من فقدان بعض الأطراف‏‎[4]‎‏ . علی أنّ تأثیر العلم فی‏‎ ‎‏التدریجی من حیث الاستعمال ممّا لا إشکال فیه ، وفی التدریجی من حیث الوجود‏‎ ‎‏أیضاً مؤثّر علی الأقوی .‏


‎[[page 249]]‎وأمّا ثانیاً :‏ فلأنّ مورد التکلیف إنّما هو کلّ فردٍ فردٍ ، والمفروض قدرته علیه ،‏‎ ‎‏لا الجمع بین الأطراف حتّی یقال بعدم قدرته علی الجمع ، وما هو مورد للتکلیف‏‎ ‎‏فالمکلّف متمکّن من الإتیان به ؛ لتمکّنه من کلّ واحد ، والمکلّف به غیر خارج عن‏‎ ‎‏محلّ ابتلائه ، وما لا یکون متمکّناً منه ـ أعنی الجمع ـ فهو غیر مکلّف به . وأمّا‏‎ ‎‏حکم العقل بالجمع أحیاناً فهو لأجل التحفّظ علی الواقع ، لا أنّه حکم شرعی .‏

‏وبالجملة : أنّ المیزان فی تنجیز العلم الإجمالی هو فعلیة التکلیف وعدم‏‎ ‎‏استهجان الخطاب ، والمفروض أنّ مورد التکلیف یکون محلّ الابتلاء ؛ لتمکّنه من‏‎ ‎‏استعمال کلّ واحد ؛ وإن لم یتمکّن من الجمع فی استعمال .‏

‏وبذلک یظهر حرمة المخالفة الاحتمالیة بارتکاب بعض الأطراف ـ فضلاً عن‏‎ ‎‏القطعیة ـ لفعلیة الحکم ، وعدم استهجان الخطاب ؛ لکون مورد التکلیف مورداً‏‎ ‎‏للابتلاء .‏

‏وبذلک یظهر النظر فیما أفاده ؛ من عدم حرمة المخالفة القطعیة وعدم وجوب‏‎ ‎‏الموافقة القطعیة ؛ لأجل تفرّع الثانیة علی الاُولی .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 250]]‎

  • )) راجع ما تقدّم من کلامه فی الصفحة 243 .
  • )) فرائد الاُصول ، ضمن تراث الشیخ الأعظم 25 : 268 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 117 ـ 119 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 242 .

انتهای پیام /*