جواز الترخیص فی بعض أطراف العلم الإجمالی ثبوتاً
أمّا الأوّل : فقد تقدّم أنّ العلم الجازم بوجود تکلیف فی البین خارج عن محطّ البحث ؛ وإن خلط بعض محقّقی العصر بینه وبین العلم بالحجّة .
وحینئذٍ : فلو وقف علی قیام الحجّة بالتکلیف فلا إشکال فی حکم العقل بلزوم الموافقة القطعیة بعد قیامها ؛ لوجوب تحصیل المؤمّن عن العقاب ، وهو لا یحصل إلاّ بالموافقة القطعیة .
وأمّا حکم العقل الدقیق فهو فی البابین واحد ؛ یعنی لا یری الترخیص فی واحد من الأطراف أو جمیعها إذناً فی المعصیة ؛ لأنّ المفروض هو العلم بالحجّة لا بالتکلیف الواقعی .
وأمّا فـی حکم العقلاء فیمکن إبـداء الفرق بین البابین ؛ فإنّ العقلاء لا یرون الإذن فی بعض الأطراف إذناً فی مخالفـة الواقـع وارتکاب الحـرام ، بل إذناً فـی المشتبه بما هـو مشتبه ، وهـو غیر مستنکر عند العقلاء حتّی یوجب انصراف الأدلّـة أو صرفها .
فلو فرض دلیل علی بعض الأطراف فلا موجب لرفع الید عنه فی المقام ،
[[page 203]]بخلاف الإذن فی الأطراف عامّة ؛ فإنّه عندهم مستنکر قبیح یرونه إذناً فی المعصیة ، کما تقدّم .
وبذلک تعرف : أنّ القول بکون العلم الإجمالی علّة تامّة أو مقتضیاً بالنسبة إلی حرمة المخالفة أو وجوب الموافقة إنّما یصحّ فی هذا القسم ـ العلم بالحجّة ـ وعلیه فلا مانع من أن یقال : إنّ العلم الإجمالی علّة تامّة لحرمة المخالفة القطعیة فی نظر العقلاء ؛ بحیث یری العقلاء الإذن فی الأطراف ترخیصاً فی المعصیة . لکنّه مقتضٍ لوجوب الموافقة ـ أی یحکم بلزومها مع عدم ورود رخصة من المولی ـ ولا یستنکر ورودها ، کما لا یستنکر ورودها فی بعض موارد الاشتغال مع العلم التفصیلی ، کالشکّ بعد الفراغ ومضیّ الوقت .
[[page 204]]