المقصد السابع فی الاُصول العملیة

هل التخییر فی صورة تعدّد الواقعة بدوی أو استمراری‏؟

کد : 147968 | تاریخ : 27/01/1394

هل التخییر فی صورة تعدّد الواقعة بدوی أو استمراری ؟

‏ ‏

‏الأمر الثالث : إذا تعدّدت الوقائع فهل التخییر بدوی أو استمراری ؟‏

‏الأقوی هو الثانی ؛ لأنّ المکلّف إذا أتی فی الواقعة الثانیة بخلاف الاُولی یعلم‏‎ ‎‏بمخالفة قطعیة وموافقة قطعیة ، ولیس فی نظر العقل ترجیح بینهما ، فصرف لزوم‏‎ ‎‏مخالفة قطعیة لا یمنع عن التخییر بعد حکم العقل بعدم الفرق بین تحصیل تکلیف‏‎ ‎‏قطعاً وترک تکلیف قطعاً .‏

وتوضیحه :‏ أنّ کلّ واقعة : إمّا أن تلاحظ مستقلاًّ بلا لحاظها منضمّة إلی واقعة‏‎ ‎‏اُخری ، فیدور أمر المکلّف فی کلّ جمعة أو کلّ واقعة بین المحذورین ، أو تلاحظ‏‎ ‎‏منضمّة إلی واقعة اُخری ، فیحصل له علمان : العلم بأنّ صلاة الجمعة إمّا محرّمة فی‏‎ ‎‏هذا الیوم أو واجبة فی الجمعة الآتیة ، والعلم بأنّها إمّا واجبة فی هذا الیوم أو محرّمة‏‎ ‎‏فی الجمعة الآتیة .‏

‏فامتثال کلّ علم علی وجه القطع مخالفة قطعیة للعلم الآخر ، مثلاً لو ترک‏‎ ‎‏الجمعة فی الحاضرة وصلّی فـی القادمـة فهو وإن امتثل العلم الأوّل ـ العلم بأنّها‏‎ ‎‏إمّـا محرّمة فی الیوم أو واجبـة فی القادمـة ـ إلاّ أنّـه خالف العلم الثانی ـ‏‎ ‎‏العلم بأنّها إمّا واجبة فی هذا الیوم أو محرّمة فی القادمة ـ کما أنّه لـو عکس‏‎ ‎‏انعکس القضیة .‏

إذا عرفت هذا فنقول :‏ لو کان کلّ واقعـة موضوعاً مستقلاًّ فلا شکّ أنّـه‏‎ ‎‏یجری البراءة ؛ سواء کان ما یختاره عین ما اختاره أو ما یختاره فی القادمة أو لا ،‏‎ ‎‏کما هو واضح .‏


‎[[page 171]]‎‏وأمّا إذا لوحظ الوقائع مجتمعة ومنضمّة فلو کان التخییر بدویاً ـ کأن یکون‏‎ ‎‏فاعلاً فی کلّ الوقائع أو تارکاً ـ فلا یتحقّق مخالفة قطعیة ، کما لا یتحقّق موافقة‏‎ ‎‏قطعیة ، بل یکون محتمل الموافقة والمخالفة .‏

‏وأمّا إذا کان التخییر استمراریاً وکان المکلّف فاعلاً فی واقعة وتارکاً فی‏‎ ‎‏اُخری فیتحقّق موافقة قطعیة ومخالفة قطعیة .‏

‏وبما أنّه لا دلیل علی ترجیح الموافقة والمخالفـة الاحتمالیتین علی‏‎ ‎‏الموافقـة والمخالفة القطعیتین فلا جرم لم یکن وجه للزوم کون التخییر بدویاً‏‎ ‎‏لا استمراریاً . وترجیح الاُولی بانتفاء المخالفة القطعیة فیها معارض بوجود الموافقة‏‎ ‎‏القطعیة فی الثانی .‏

وأمّا ما أفاده بعض أعاظم العصر ‏قدس سره‏‏ بما محصّله : إنّ المخالفـة القطعیـة لم‏‎ ‎‏تکن محرّمة شرعاً بل هی قبیحة عقلاً ، وقبحها فرع تنجّز التکلیف ؛ فإنّ مخالفة‏‎ ‎‏التکلیف الغیر المنجّز لا قبح فیها ، کما لو اضطرّ إلی أحـد الأطراف المعلوم‏‎ ‎‏بالإجمال فصادف الواقع ؛ فإنّه مع حصول المخالفة یکون المکلّف معذوراً ، ولیس‏‎ ‎‏ذلک إلاّ لعدم تنجّز التکلیف .‏

‏وفیما نحن فیه لا یکون التکلیف منجّزاً فی کلّ واقعة ؛ لأنّ فی کلّ منها یکون‏‎ ‎‏الأمر دائـراً بین المحذورین ، وکـون الواقعة ممّا تتکرّر لا یوجب تبدّل المعلوم‏‎ ‎‏بالإجمال ولا خروج المورد عن الدوران بین المحذورین‏‎[1]‎‏ ، انتهی کلامه .‏

ففیه :‏ أنّ عدم تنجّز التکلیف فی المقام لیس لقصور فیه ؛ ضرورة کونه تامّاً‏‎ ‎‏من جمیع الجهات ، وإنّما لم یتنجّز لعدم قدرة المکلّف علی الموافقة القطعیة‏
‎[[page 172]]‎‏ولا المخالفة القطعیة ؛ بحیث لو فرضنا ـ محالاً ـ إمکان الموافقة القطعیة یحکم‏‎ ‎‏العقل بلزومها ، ولو فرض عدم إمکان الموافقة القطعیة لکن أمکن المخالفة القطعیة‏‎ ‎‏یحکم بحرمتها ؛ لتمامیة التکلیف .‏

وبالجملة :‏ التنجیز فیما نحن فیه فرع إمکان المخالفة ، لا أنّ حرمة المخالفة‏‎ ‎‏فرع التنجیز ، فإذا أمکن المخالفة یصیر التکلیف منجّزاً لرفع المانع ؛ وهو امتناع‏‎ ‎‏المخالفة القطعیة .‏

والشاهد علیه :‏ أنّه لو فرضنا قدرة المکلّف علی رفع النقیضین فی الواقعة‏‎ ‎‏الواحدة یحکم العقل بحرمته ، ولیس ذلک إلاّ لعدم القصور فی ناحیـة التکلیف ،‏‎ ‎‏وإنّما القصور فی قدرة العبد ، وفی الوقائـع المتعدّدة یکون العبد قادراً علی‏‎ ‎‏المخالفة ، فیتنجّز التکلیف .‏

‏ ‏

‎ ‎

‎[[page 173]]‎

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 453 ـ 454 .

انتهای پیام /*