القول فی الإکراه
فإن تعلّق الإکراه علی ترک إیجاد السبب أو ما یعدّ أمراً مقوّماً للعقد فهو کالنسیان .
وأمّا المانع : فلو تعلّق الإکراه بإیجاد مانع شرعی : فإن کان العاقد مضطرّاً اضطراراً عادیاً أو شرعیاً لإیجاد العقد ، والمکرِه یکرهه علی إیجاده فالظاهر جواز التمسّک به لرفع مانعیة المانع فی هذا الظرف ـ علی ما سبق تفصیله فی مبحث النسیان ـ وإن لم یکن مضطرّاً للعقد فالظاهر عدم صحّة التمسّک ؛ لعدم صدق الإکراه .
وأمّا إذا تعلّق الإکراه بترک الجزء والشرط فقد بنینا سابقاً علی صحّة التمسّک بالحدیث علی رفع جزئیته أو شرطیته فی حال الإکراه إذا کان مضطرّاً فی أصل العقد عادة أو شرعاً ، غیر أنّه عدلنا عنه أخیراً .
ومحصّل المختار فیه : عدم جریان الحدیث لرفعهما فی هذه الحالة ؛ لأنّ الإکراه قد تعلّق بترک الجـزء والشرط ، ولیس للترک ـ بما هـو هـو ـ أثر شرعی قابل للرفع غیر البطلان ووجـوب الإعادة ، وهـو لیس أثراً شرعیاً ، بل مـن الاُمـور العقلیة الواضحـة .
فإنّ ما یرجع إلی الشارع لیس إلاّ جعل الجزئیة والشرطیة تبعاً أو استقلالاً ، بناءً علی صحّـة جعلهما أو إسقاطهما ـ کما فی مـوارد النسیان ـ وأمّا إیجاب الإعادة والقضاء بعد عدم انطباق المأمور به للمأتی به فإنّما هو أمر عقلی یدرکه هـو عند التطبیق .
[[page 55]]وتوهّم : أنّ مرجع الرفع عند الإکراه علی ترک جزء أو شرط إلی رفع جزئیته وشرطیته فی هذه الحالة ، کما مرّ توضیحه فی رافعیة النسیان إذا تعلّق بنفس الجزء والشرط .
مدفوع بأنّ المرفوع لابدّ وأن یکون ما هو متعلّق العنوان ؛ ولو باعتبار أنّه أثر لما تعلّق به العنوان ، کالجزئیة عند تعلّق النسیان بنفس الجزء ، وأمّا المقام فلم یتعلّق الإکراه إلاّ بنفس ترک الجزء والشرط ، والجزئیة لیست من آثار نفس الترک . نعم لو کان لنفس الترک أثر شرعی یرتفع أثره الشرعی عند الإکراه .
لا یقال : إنّ وجوب الإعادة مترتّب علی بقاء الأمر الأوّل ، کترتّب عدم وجوبها علی عدم بقائه ، فإذا کان بقاء الأمر کحدوثه أمراً شرعیاً تناله ید الجعل والرفع ، فلا محذور فی التمسّک بالحدیث لنفی وجوب الإعادة .
لأنّا نقول : إنّ وجوب الإعادة لیس أثراً شرعیاً فی حدّ نفسه ، ولا أثراً مجعولاً لبقاء الأمر الأوّل ، بل هو أمر عقلی منتزع ، یحکم به إذا أدرک مناط حکمه .
وما یری فی الأخبار مـن الأمـر بالإعادة فإنّما هـو إرشاد إلی فساد المأتی به وبطلانه .
ویشهد علی ذلک : أنّ التارک للإعادة لا یستحقّ إلاّ عقاباً واحداً لأجل عدم الإتیان بالمأمور به ، لا لترک إعادته . واحتمال العقابین کاحتمال انقلاب التکلیف إلی وجوب الإعادة باطل بالضرورة .
فتلخّص من جمیع ما ذکر : أنّ الإکراه إن تعلّق بإیجاد المانع فیمکن أن یتمسّک بحدیث الرفع لتصحیح المأتی به ، وأمّا إذا تعلّق بترک الجزء والشرط فلا ، کما ظهر الفرق بین نسیان الجزء والشرط وبین ترکهما لأجل الإکراه ، فلاحظ .
[[page 56]]