إشکال ودفع:
قد استشکل علی هذا: بأنّ غایة ما یقتضیه إطلاق الدلیل هو الظنّ لا الیقین، والظنّ لا یثبت موضوع القاعدة العقلیّة، فلا یمکن أن یُستفاد من إطلاق الدلیل أنّ المؤثّر واحد؛ لأنّ مع الإطلاق یحتمل ـ وجداناً ـ أن یکون الأثر المترتّب علی الصلاة الواجدة لجمیع الأجزاء، غیرَ الأثر المترتّب علی الفاقدة لبعضها.
ولکن یمکن دفعه: بأنـّه علی فرض جریان القاعدة فی أمثال المقام، یکون مُقتضی قاعدة الواحد إثبات التلازم بین وحدتی الصادر والمصدر فقط، فإن لم یحتجَّ فی مورد إلی إحراز وحدة المؤثّر وجداناً ـ کما فیما نحن فیه ـ لکفی.
وبالجملة: القاعدة إنّما تُثبِت أصل الملازمة، وأنـّی لها إثبات أنّ المؤثّر لابدّ وأن یکون محرَزاً بالوجدان؟! وفیما نحن فیه لا نحتاج إلی إحراز وحدة المؤثر وجداناً، بل یکفی إحرازه تعبّداً، فإذا دلّت الأمارة المُعتبرة علی ترتّب الأثر علی طبیعة وماهیّة، فمقتضی إطلاقها أنّ نفس الطبیعة ـ سواء کانت واجدة لجمیع الأجزاء والشرائط، أو فاقدة لبعضها ـ منشأ للأثر.
الإشکال الثانی: أنّ الاشتراک فی الأثر لا یقتضی وحدة المؤثّر هویّة وحقیقة، ولا دلیل علی ذلک، بل الوجدان یقتضی خلافه؛ بداهة اشتراک الشمس مع النار فی الحرارة، ومع ذلک مختلفان بالهویّة. نعم لابدّ وأن یکون بین الشیئین جامع یکون هو المؤثّر لذلک؛ لامتناع صدور الواحد عن الکثیر، ولکن مجرّد ثبوت الجامع بینهما لایلازم اتّحاد هویّتهما؛ لإمکان أن یکونا مختلفی الحقیقة، ومع ذلک بینهما جامع فی بعض المراتب، یقتضی ذلک الجامع حصول ذلک الأثر، فبعدما لم یکن الجامع راجعاً
[[page 289]]إلی وحدة الهویّة، لم یکن هو المسمّی بالصلاة مثلاً؛ لما عرفت من أنّ الأسماء إنمّا تکون بإزاء الحقائق، والمفروض اختلاف حقائق مراتب الصلاة وإن کان بینهما جامع بعید یقتضی أثراً واحداً، فتأمّل.
ثمّ إنّه أورد العلاّمة المُقرِّر رحمه الله علی هذا الوجه: بأنّ الاشتراک فی أثرٍ غیر الاشتراک فی جمیع الآثار، کما هو المدّعی فی المقام، فإنّ الاشتراک فی جمیع الآثار یلازم وحدة الحقیقة.
وفیه: أنـّه لو سُلّم أنّ الاشتراک فی الأثر لا یقتضی وحدة المؤثّر ـ هویّة وحقیقة ـ فی جمیع الموارد، إلاّ أنـّه یمکن استفادة ذلک فیما نحن فیه؛ لأنّ الجامع البعید الذی اعترفتم بأنـّه المنشأ للأثر: إمّا یکون هو المسمّی، أو المسمّی غیر ذلک الجامع، فإن کان المسمّی غیر ذلک الجامع الذی یکون منشأ للأثر، فهو مخالف للأدلّة الدالّة علی أنّ نفس الصلاة قُربان کلّ تقیّ، ومعراج المؤمن ... وهکذا.
وإن کان المُسمّی هو الجامع فیثبت المطلوب، وهو وحدة المؤثّر هویّة وحقیقة.
ثمّ إنّه یمکن دفع ما أورده العلاّمة المقرّر رحمه الله : بأنـّه یمکن أن یقال: إنّه لا یُعلم أنّ المدّعی هو الاشتراک فی جمیع الآثار، والمقدار المعلوم ـ حسبما اقتضاه إطلاق الدلیل ـ هو ترتّب أثرٍ علی نفس طبیعة الصلاة مثلاً.
الإشکال الثالث: أنّ الأثر إنّما یکون مترتّباً علی الصلاة المأتی بها فی الخارج، وهو بعد الأمر بها، والأمر بها إنّما یکون بعد التسمیة، فلا یمکن أن یکون الأثر المتأخّر عن المسمّی بمراتب معرِّفاً وکاشفاً عنه؛ بداهة أنـّه عند تعیین المسمّی لم یکن هناک أثر حتّی یکون وجهاً للمسمّی؛ لأنّ تصوّر الشیء بوجهه، إنّما هو فیما کان الوجه سابقاً فی الوجود علی التصوّر، والمفروض تأخّر الأثر فی الوجود عن تصوّر المسمّی، فکیف
[[page 290]]یمکن جعله معرّفاً للمسمّی؟! فتأمّل.
وفیه: أنـّه لم یرد المحقّق الخراسانی قدس سره جعل ما هو المتأخّر فی رتبة المتقدّم، بل مُراده قدس سره أنـّه یکشف بوحدة الأثر ـ المتأخّر عن المؤثّر وجوداً ـ عن أنّ المؤثّر واحد، وهذا لا امتناع فیه، بل إثباتُ المطلب بطریق الأثرِ والمعلولِ أحدُ قسمی البرهان، ویعبّر عنه بالبرهان الإنّی؛ ألا تری أنّ الموجودات الممکنة متأخّرة عن ذاته تعالی، ومع ذلک تکون آیات دالّة وکاشفة عن وجوده تعالی، ولم یلزم هناک وقوع ماهو المتأخّر فی الرتبة السابقة.
فظهر: أنـّه لا یلزم من القول: بأنّ العلم بوجود أثر واحد عند وجود شیء یکشف عن کون المسمّی واحداً، محذور أصلاً، فتدبّر.
الإشکال الرابع: لو أُخذ الأثر قیداً للمسمّی، لزمه القول بالاشتغال فی الشکّ بین الأقلّ والأکثر الارتباطیّین؛ لصیرورة الشکّ فی جزئیّة شیء للصلاة ـ مثلاً ـ شکّاً فی حصول ما هو قید للمأمور به، ومن المعلوم أنـّه لا مجال للبراءة فی الشکّ فی المحصِّل، مع أنّ المشهور ـ والمحقّق الخراسانی قدس سره منهم ـ قائلون بالبراءة فی الشکّ فی الأقلّ والأکثر الارتباطیّین.
وفیه: أنـّه سیوافیک الکلام فی هذا الإشکال فی القریب العاجل، فارتقب.
[[page 291]]