المقامُ الثّانی : فیما یظهر من کلمات الأصحاب فی محطّ البحث
لا یخفی أنّ کلمات الأصحاب فی محطّ البحث مضطربة: یظهر من بعضهم اختصاص محطّ البحث بالأجزاء، ویظهر من بعضٍ آخر خروج الشرائط الجائیّة من قبل الأمر عن حریم البحث، ویظهر من کیفیّة استدلال الصحیحی لإثبات مرامه وردّ الأعمّی إیّاه کون جمیع الأجزاء والشرائط حتّی الشرائط الجائیة من قبل الأمر داخلة فی حریم البحث، فتری الصحیحی ـ کالُمحقّق الخراسانی قدس سره ـ یتشبّث لإثبات مرامه بقاعدة الواحد؛ وأنّ وحدة الأثر کاشفة عن وحدة مُؤثّره.
ومن الواضح أنّ الأثر إنّما یترتّب علی الصحیح والمُؤثّر الفعلی، وهو الجامع لجمیع الأجزاء والشرائط؛ حتّی الشرائط الجائیة من قِبَل الأمر، لا علی الصحیح الشأنی.
ومثل ردّ الأعمّی علی الصحیحی: بأنـّه لو کان اللّفظ موضوعاً للصحیح یلزم
[[page 278]]أن یکون مفهوم أطلب منک الصلاة هو «أطلب منک مطلوبی»؛ لأنّ الصحیح الفعلی هو المطلوب، ولم یُجب الصحیحی عن الإشکال: بأنّ الشرائط الجائیة من قِبَل الأمر خارجة عن محطّ البحث، وأنّ المراد بالصحیح هو الصحیح شأناً، بل أجاب بطریق آخر.
وکذا ردّ الأعمّی علی الصحیحی: بأنـّه لو کان موضوعاً للصحیح للزم الدور؛ لأنّ الصحّة متوقّفة علی الأمر والطلب، وهو علیها؛ لأن الطلب متوقّف علی موضوعه... إلی غیر ذلک من العبارات، فمن أراد فلیلاحظ «الفصول» وغیره.
فتحصّل ممّا ذکرنا: أنـّه لاضطراب کلمات القوم لا یمکن تحریر محطّ النزاع والبحث کما هو حقّه؛ بنحو یشمل أقوالهم وآراءهم فی ذلک.
ولکن ینبغی تحریر محطّ النزاع ـ وإن لم یظهر منهم ـ فی الأجزاء والشرائط الدخیلة فی المسمّی؛ وذلک لأنّ الشرائط والقیود علی قسمین:
قسم منها دخیل فی ماهیّة المُسمّی، والقسم الآخر شرط فی تحقّق المُسمّی ووجوده فی الخارج، ویُشبه أن تکون الشرائط الآتیة من قِبَل الأمر ومن قِبَل المزاحمات، من شرائط تحقّق المسمّی.
وکذا یُمکن تصویر القسمین فی الأجزاء، لکنّه بنحو خفیّ؛ بأن یقال: إنّ بعض الأجزاء دخیل فی ماهیّة المسمّی وبعضها من شرائط تحقّقها، ویُشبه أن تکون من هذا القسم الأجزاء المستحبّة بناءً علی کونها من أجزاء الفرد، لا أجزاء الماهیّة
[[page 279]]والمسمّی، کما هو أحد الأقوال فی الأجزاء المستحبّة، فعلی هذا القول تکون أجزاء المأمور والماهیّة والمسمّی عبارة عن الأجزاء الواجبة، لکن قد ینضمّ للماهیّة المأمور بها فی الخارج شیء ـ مثلاً ـ یکون المأمور به بانضمام ذلک الشیء فرداً أفضل، مثلا: لو قلنا: بأنّ «السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته» بعد «السلام علینا وعلی عباد الله الصالحین» مستحبّ، فإذا قال: «السلام علینا...» إلی آخره فقد تحقّقت ماهیّة الصلاة المأمور بها، ولکنّه لو انضمّ إلیها «السلام علیکم...» إلی آخره فتصیر صلاته أفضل الأفراد.
فبعدما عرفت أنّ الشرائط والأجزاء علی قسمین، فنقول: إنّ الشرائط الدخیلة فی تحقّق المسمّی، وکذا أجزاء الفرد، خارجة عن حریم النزاع، فالنزاع فی الحقیقة یرجع إلی أنّ أیّ شرط من شرائط المسمّی وأیّاً منها من شرائط تحقّق المسمّی وصحته، والصحیحی یری أنّ جمیعها من شرائط المسمّی والماهیّة، بخلاف الأعمّی، وهکذا بالنسبة إلی الأجزاء.
فتحصّل: أنّ الذی ینبغی تحریره عند البحث فیه هو الذی ذکرنا، وقد عرفت أنـّه لم یکن جمیع الأجزاء والشرائط داخلة فی حریم النزاع، ولکن مع ذلک کلّه، لایمکن إسناد محطّ النزاع بهذا النحو إلی الأصحاب وأساطین الفنّ؛ لأنّ المتراءیٰ من کلماتهم وعباراتهم، أخْذُ جمیع الشرائط ـ حتّی الشرائط الآتیة من قِبَل الأمر ـ وأمّا عنونتهم البحث بهذه الصورة: فهو إمّا لأجل أنـّه لم یکن عندهم محذور فی أخذ مایجیء من قِبَل الأمر فی متعلَّقه، کما نقول به، وسیوافیک وجهه إن شاء الله ، أو غفلوا عن لزوم المحذور فی أخذ الشرائط الآتیة من قبل الأمر، والله العالم بحقیقة کلماتهم.
[[page 280]]