المقصد الأوّل فی الأوامر

المورد الثانی‏: فیما ینبغی أن یبحث فیه

کد : 148252 | تاریخ : 29/01/1394

المورد الثانی : فیما ینبغی أن یبحث فیه

‏ ‏

‏والکلام فیه یقع فی جهتین :‏

‏الاُولیٰ : فی إمکان تبدیل الامتثال بامتثال آخر بما هو امتثال .‏

‏والثانیة : فی أنّه لو امتنع تبدیل الامتثال مطلقاً ـ کما نقوله نحن ـ فهل یجوز‏‎ ‎‏تبدیل مصداق من الطبیعة التی أتیٰ به المکلّف بعنوان الامتثال بمصداق آخر من تلک‏‎ ‎‏الطبیعة التی کانت مأمورة بها سابقاً ، وسقطت بإتیان مصداقه الأوّل مطلقاً ، أو لا‏‎ ‎‏کذلک ، أو یفصّل بین ما کان الإتیان علّة تامّة لحصول الغرض فلا یجوز ، وبین ما‏‎ ‎‏لم یکن کذلک فیجوز ؟‏

أمّا الجهة الاُولیٰ :‏ فتبدیل امتثال الأمر بما هو هو أمر غیر معقول ـ سواء‏‎ ‎‏حصل الغرض بامتثال الأوّل أم لا ـ وذلک لأنّ ما أتیٰ به أوّلاً إمّا یکون مصداقاً‏‎ ‎‏للطبیعة المأمور بها أم لا ، فعلی الأوّل حصل الامتثال وتمّ اقتضاء الأمر وباعثیته ،‏‎ ‎‏فلم یبق الأمر بعد لیحصل الامتثال به ثانیاً .‏

‏وإن لم یکن مصداقاً للطبیعة المأمور بها ؛ بأن کان فاقداً لجزء أو شرط ـ مثلاًـ‏
‎[[page 297]]‎‏فلم یحصل الامتثال به بعد ، فلم تصل النوبة إلی امتثال آخر .‏

‏فما أفاده المحقّق الخراسانی وشیخنا العلاّمة الحائری من أنّه إذا لم یکن‏‎ ‎‏الامتثال علّة تامّة لحصول الغرض یجوز له تبدیل الامتثال‏‎[1]‎‏ ، فإن أرادا معنی یرجع‏‎ ‎‏إلی الجهة الثانیة فلا مضایقة فیه ، ولکن لا یکون ذلک تبدیل الامتثال بما هو امتثال ،‏‎ ‎‏ووجهه هو الذی ذکرناه .‏

‏وإن أرادا أنّ الأمر باقٍ لبقاء علّته ـ وهو عدم حصول غرض المولیٰ بعد ـ‏‎ ‎‏فمعناه وجوب إتیان الطبیعة ثانیاً وثالثاً ، إلی أن یحصل غرضه ، لا جوازه ، ولا یلتزم‏‎ ‎‏هما به ؛ لأنّ ما یقولان به هو جواز الإتیان ثانیاً ، ولا دلیل یدلّ علیٰ جواز‏‎ ‎‏الإتیان ثانیاً . ولو وجب إتیانه ثانیاً وثالثاً وهکذا فلم یرتبط بمسألة تبدیل الامتثال ،‏‎ ‎‏ویکون ذلک مثال من قال : إنّ الأمر یدلّ علی التکرار ، هذا أوّلاً .‏

‏وثانیاً : أنّ علّیة الغرض للأمر لیست علّیة تکوینیة نظیر علّیة الشمس‏‎ ‎‏للإشراق بحیث یکون هناک أوامر متعدّدة ببقاء الغرض . بل المراد بالعلّیة هنا هی أنّ‏‎ ‎‏الغرض یصیر سبباً لتصوّر المولی الأمر والتصدیق بفائدته حتّیٰ ینتهی إلی أن یأمر‏‎ ‎‏عبده بإتیان الماء .‏

‏وما صار سبباً لأمر المولیٰ عبده بإتیان الماء هو تمکّنه من شرب الماء وتخلیة‏‎ ‎‏العبد بینه وبین الماء . فإن جاءه العبد بقدح الماء ووضعه بین یدیه یکون ممتثلاً لأمره ،‏‎ ‎‏ولکن للعبد قبل أن یشرب المولیٰ تبدیل القدح بقدح آخر . نعم لو کان القدح الآخر‏‎ ‎‏مثل القدح السابق فربّما یُعدّ ذلک لعباً بالمولیٰ أو بأمره .‏

‏ثمّ لو اتّفق هراقته فإن أحـرز العبد بقاء الغـرض الملزم فعلاً یجب إتیانه ثانیاً ،‏‎ ‎‏لکـن لبقاء الغـرض لا لبقاء الأمـر ، کما یظهـر مـن العلمین الخراسانی وشیخنا‏‎ ‎‏العلاّمة الحائـری حیث یـرون أنّ مجـرّد بقاء الغـرض یکون علّة موجـدة‏
‎[[page 298]]‎‏للأمـر ، فلو لـم یأت یعاقب علیه . نعم لو کان العبد غافلاً عن غرض المولیٰ أو لم‏‎ ‎‏یحرز بقاء الغرض فغیر معاقب .‏

‏وبالجملة : الغایة والغرض فی أمر المولیٰ عبده بإتیان الماء إنّما هو إحضاره لدیٰ‏‎ ‎‏مولاه بحیث یتمکّن من شربه ، وقد حصل حسب الفرض . وأمّا الغرض الأقصیٰ‏‎ ‎‏ـ وهو رفع عطش المولیٰ ـ فلا یعقل أن یکون غرضاً لفعل العبد ، نعم هو یترتّب علیٰ‏‎ ‎‏فعل العبد والمولیٰ کلیهما .‏

‏فظهر ممّا ذکرنا : أنّ معنیٰ علّیة الغرض للأمر والبعث لیس معناه وجود الأمر‏‎ ‎‏مهما کان الغرض موجوداً ـ کما یراه العلمان ـ بل یصیر سبباً لتصوّر المولیٰ والتصدیق‏‎ ‎‏بفائدته حتّیٰ ینتهی إلی أمر المولیٰ . فلو أتی العبد ولم یحصل غرض المولیٰ فله تبدیله‏‎ ‎‏بمصداق آخر ، لکن لا بما أنّه مأمور به ، بل لبقاء الغرض ، وکم فرق بینهما ! فتدبّر .‏

‏ ‏

ذکر وتعقیب

‏ ‏

‏ثمّ إنّ المحقّق العراقی ‏‏قدس سره‏‏ ذکر فی امتناع تبدیل الامتثال بامتثال آخر بیاناً‏‎ ‎‏حاصله : أنّ الفعل الذی یکون متعلّقاً لأمر المولیٰ إمّا یکون بنفسه مشتملاً علیٰ غرض‏‎ ‎‏الآمر ، فیکون تحقّقه فی الخارج علّة تامّة لحصول غرضه ، فیسقط أمره بانتفاء علّته‏‎ ‎‏الغائیة .‏

‏أو لا یکون مشتملاً علی الغرض الداعی ، بل یکون مقدّمة لتحصیل غرضه‏‎ ‎‏الأصلی الداعی إلی الأمر به .‏

‏وهو علیٰ نحوین : فتارة یکون فعل المکلّف مقدّمة لفعل نفسه المشتمل علی‏‎ ‎‏الغرض الأصلی النفسی ، کسائر مقدّمات الواجب کالوضوء بالنسبة إلی الصلاة .‏

‏واُخریٰ یکون مقدّمة لفعل المولی الذی أمره بذلک الفعل . وهذه أیضاً علیٰ‏‎ ‎‏قسمین : فتارة یکون مقدّمة لفعل المولی الجوارحی ، کأمر المولیٰ بإحضار الماء‏
‎[[page 299]]‎‏لیشربه . واُخریٰ یکون مقدّمة لفعله الجوانحی ، کأمره إیّاه بإعادة صلاته جماعة‏‎ ‎‏لیختار أحبّ الصلاتین إلیه .‏

‏فإذا کان التکلیف بهذه الأفعال الخاصّة بلحاظ کونها مقدّمة إمّا لبعض أفعاله‏‎ ‎‏الاُخریٰ أو لفعل المولیٰ ، فلا یجوز تبدیل الامتثال بامتثال آخر مطلقاً ؛ سواء قلنا‏‎ ‎‏بوجوب مطلق المقدّمة ، أو بوجوب خصوص المقدّمة الموصلة :‏

‏أمّا علی الأوّل ففی غایة الوضوح ؛ لأنّ الأمر یسقط بالامتثال الأوّل ، ومعه لا‏‎ ‎‏یتصوّر الامتثال الثانی لیکون بدلاً عن الأوّل ، فإنّ الامتثال موضوعه الأمر وقد سقط‏‎ ‎‏بالامتثال الأوّل .‏

‏وأمّا علی الثانی ـ کما هو الحقّ ـ فواضح أنّ ما یفعله المکلّف فی مقام الامتثال‏‎ ‎‏إنّما یتّصف بالوجوب المقدّمی إذا أوصل المولی إلیٰ غرضه الأصلی النفسی ، فالفعل‏‎ ‎‏الآخر الذی فعله العبد امتثالاً لأمر المولیٰ غیر متّصف بالوجوب لعدم الإیصال . فإذا‏‎ ‎‏أحضر العبد ماءین أحدهما بعد الآخر امتثالاً لأمر المولیٰ بإحضار الماء ، فشرب‏‎ ‎‏المولیٰ أحدهما ، کان هو المتّصف بالوجوب المقدّمی دون الآخر . والصلاة المعادة‏‎ ‎‏جماعةً هی التی تکون متّصفة بالوجوب ، دون ما صلاّه فرادیٰ ؛ لأنّها التی ترتّب‏‎ ‎‏علیها فعل جانحة المولیٰ ؛ وهو اختیارها فی مقام ترتّب الثواب علی إطاعته .‏

‏فاتّضح : عدم معقولیة تبدیل الامتثال بامتثال آخر ؛ لأنّ الفعل الموصل هو‏‎ ‎‏الذی یتحقّق به الامتثال ، دون غیره ، انتهیٰ ملخّصاً‏‎[2]‎‏ .‏

وفیه أوّلاً :‏ أنّه لو تمّ ما أفاده یلزم أن یکون جمیع الواجبات النفسیة واجبات‏‎ ‎‏غیریة مقدّمیة ، بلحاظ أنّها مقدّمات لحصول الأغراض ـ ومنها القرب من المولیٰ ـ‏‎ ‎‏ولا یلتزم بذلک أحد ، حتّیٰ هو ‏‏قدس سره‏‏ .‏

‏بیان الملازمة : هو أنّه علیٰ مذهب العدلیة یکون تشریع جمیع الأحکام‏
‎[[page 300]]‎‏لأغراض مترتّبة علیها ؛ ولذا یقال : «إنّ الواجبات الشرعیة ألطاف فی الواجبات‏‎ ‎‏العقلیة» فجمیعها مقدّمات لحصول الأغراض العقلیة ، فجمیع الواجبات النفسیة‏‎ ‎‏واجبات غیریة ، وهو کما تریٰ .‏

وثانیاً :‏ أنّه لو التزم أحد بکون جمیع الواجبات واجبات مقدّمیة ، ولکن لا یتمّ‏‎ ‎‏ما أفاده ‏‏قدس سره‏‏ أیضاً ؛ وذلک لأنّ معنی الوجوب المقدّمی هو رشح الإرادة من ذی المقدّمة‏‎ ‎‏إلیٰ مطلق المقدّمة أو المقدّمة الموصلة ، من باب الملازمة بین وجوب المقدّمة ووجوب‏‎ ‎‏ذیها کما یقولون ، وذلک فیما یمکن توجّه وجوب ذی المقدّمة علی المکلّف ، وفیما إذا کان‏‎ ‎‏ذو المقدّمة تحت اختیار المکلّف لا فیما لم یکن کذلک .‏

‏وواضح : أنّ الغرض الأقصیٰ فیما نحن فیه ـ وهو رفع عطش المولیٰ ـ لم یکن‏‎ ‎‏تحت اختیار المکلّف وقدرته حتّیٰ تقع تحت دائرة الطلب ، بل فعل المولیٰ واختیاره‏‎ ‎‏متوسّط بین فعل العبد وحصول الغرض .‏

وبالجملة :‏ غرض الأقصیٰ فی المقام ـ وهو رفع عطش المولیٰ ـ متوقّف علیٰ‏‎ ‎‏فعلین : فعل من العبد ؛ وهو تخلیة العبد الماء بینه وبین مولاه ، وفعل المولیٰ ؛ وهو إراقة‏‎ ‎‏الماء فی حلقه ، وواضح أنّ فعل المولیٰ لم یکن تحت اختیار العبد ، فلا یمکن أن یکون‏‎ ‎‏رفع عطش المولیٰ واجباً علی العبد ؛ فلابدّ وأن یتعلّق الأمر بنفس المقدّمة من غیر‏‎ ‎‏لحاظ الإیصال .‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ وجوب المقدّمة الموصلة ـ علی القول به ـ من باب الملازمة‏‎ ‎‏بین وجوب المقدّمة ووجوب ذیها ، وذلک إنّما یکون فی مورد یمکن توجّه التکلیف‏‎ ‎‏بذی المقدّمة علی المکلّف ، وفیما نحن فیه لم یکن مقدوراً علیه ، بل یکون لإرادة المولیٰ‏‎ ‎‏دخالة فی ذلک فأنّی لوجوب المقدّمة ، ولا یعقل أن تکون المقدّمة واجبة علیه مع عدم‏‎ ‎‏وجوب ذیها علیه .‏

‏ولا یخفیٰ : أنّ هذا لا ینافی وجوب الإتیان لتحصیل الغرض ؛ لأنّه کم فرق بین‏
‎[[page 301]]‎‏کون شیء واجباً لتحصیل غرض ، وبین وجوبه لکونه مقدّمة لواجب ؛ لأنّ الثانی‏‎ ‎‏یوجب تعلّق الوجوب بذیها ، بخلاف الأوّل فتدبّر .‏

وبعبارة ثالثة :‏ لو قلنا بأنّ جمیع الواجبات بلحاظ کونها مقدّمات لحصول‏‎ ‎‏أغراض ـ کالقرب من المولیٰ مثلاً ـ واجبات مقدّمیة ، ویکون ذلک فیما إذا أمکن العبد‏‎ ‎‏تحصیل الغرض حتّیٰ یصحّ تکلیف المولیٰ به ، وأمّا فیما إذا لم یمکن العبد تحصیل‏‎ ‎‏الغرض ، بل یتخلّل إرادة الغیر فیه فلا یمکن تعلّق التکلیف به ، کما فیما نحن فیه ؛ فإنّ‏‎ ‎‏رفع عطش المولیٰ أو اختیار أحبّهما إلیه لا یکون تحت اختیار العبد ، فلا یمکن أن‏‎ ‎‏یقال : إنّ المقدّمة بقید الإیصال إلیٰ حصول الغرض واجبة علیه مع تخلّل إرادة الغیر‏‎ ‎‏فی البین .‏

‏ولا فرق فی ذلک بین القول بکون المقدّمة الموصلة عبارة عن الحصّة الملازمة‏‎ ‎‏لحصول ذیها کما أفاده هذا المحقّق ‏‏قدس سره‏‎[3]‎‏ ، أو غیرها کما یراه شیخنا العلاّمة‏‎ ‎‏الحائری ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ .‏

‏نعم ، یمکن أن یقال بوجوبها بعنوان الشرط المتأخّر ؛ وهی التی یتعقّبها اختیار‏‎ ‎‏المولیٰ من دون تقیّد ، فلا یکون الواجب علیه المقدّمة الموصلة ـ ولو بنحو القضیة‏‎ ‎‏الحینیة ـ علیٰ نحو الإطلاق حتّیٰ یلزم علیه تحصیل القید ، بل الواجب علیه هو‏‎ ‎‏المشروط بالشرط المتأخّر .‏

‏فإذا أتیٰ بها وتعقّبها اختیار المولیٰ یکون واجباً ، وإن لم یتعقّبها اختیار المولیٰ‏‎ ‎‏یکشف ذلک عن عدم وجوبها علیه ، فحینئذٍ یخرج عن موضوع تبدیل الامتثال .‏‎ ‎‏وهـذا أشبه شیء باشتراط صحّـة صوم المرأة المستحاضة بأغسال اللیلة الآتیة ،‏‎ ‎‏فتدبّر جیّداً .‏

‎ ‎

‎[[page 302]]‎

  • )) کفایة الاُصول : 107 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 78 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 263 ـ 264 .
  • )) بدائع الأفکار 1 : 389 .
  • )) درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 119 .

انتهای پیام /*