دخول هیئات المشتقّات فی محلّ البحث
وأمّا هیئات المشتقّات فهل هی داخلة فی محلّ البحث مطلقاً ، أو فیه تفصیل ؟ وجهان ، بل وجوه :
ذهب المحقّق العراقی قدس سره إلی أنّه لابدّ فی محلّ البحث من فرض کون الذات التی تلبّست بالمبدأ ممّا یمکن أن تبقیٰ شخصها بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو کون المبدأ ممّا ینقضی عن الذات ، مع بقائها بشخصها .
ضرورة أنّ البحث لا یتمشّیٰ فی هذه المسألة إلاّ مع تحقّق هذا القید فیها ؛ إذ لو کانت الذات التی یکون المشتقّ عنواناً حاکیاً عنها وجاریاً باعتبار تلبّسها بمبدئه باقیة بشخصها ما دامت متلبّسة بالمبدأ وفانیة بانقضائه ، أو أنّ المبدأ الذی اشتقّ منه العنوان الجاری علی الذات باقٍ ببقائها ، لما أمکن النزاع فی أنّ المشتقّ هل هو حقیقة فیخصوص المتلبّس بمبدئه ، أو فی الأعمّ منه وممّن انقضی عنه المبدأ .
ومـن هنا ظهـر : خـروج العناوین الاشتقاقیـة الذاتیـة مثل «الناطـق» و«الضاحک» عـن محلّ النزاع ؛ لأنّ بقاء الهیولیٰ فـی ضمـن الصـور المتواردة علیها لا یحقّق بقاء الـذات التی کانت متلبّسة بالمبدأ ؛ فإنّ شیئیـة الشـیء بصـورته
[[page 32]]النوعیـة ، ومـع فناء تلک الصـورة لا تبقیٰ شـیء یشار إلیه .
وبالجملة : یعتبر فی دخول العناوین فی محلّ البحث وخروجها عنه إمکان فرض الذات بعد انقضاء المبدأ عنها وعدمه ؛ من غیر فرق بین کون ذلک العنوان مشتقّاً من ذلک المبدأ حسب الاصطلاح ، کعنوان العالم من العلم والقائم من القیام ، أم جامداً بحسبه ، کعنوان الزوج والرقّ .
ولذا خرج عن محلّ البحث مثل «الناطق» و«الضاحک» ممّا یندرج تحت عنوان المشتقّ . ودخل فیه ما لا یندرج تحته ، کـ «الزوج» و«الرقّ» .
وفصّل المحقّق الأصفهانی قدس سره بین عنوان لا یطابق له إلاّ ما هو ذاتی ، کالموجود والمعدوم ؛ حیث إنّ مطابقهما بالذات نفس حقیقة الوجود والعدم ، دون الماهیة ؛ فإنّها موجودة أو معدومة بالعرض .
وبین ما یکون بعض مصادیقه ذاتیاً له وبعضها غیر ذاتی له ، کالعالم فإنّ بعض مصادیقه ـ کالله تعالیٰ ـ تکون ذاته بذاته ولذاته مطابقاً لصفاته بلا حیثیة تعلیلیة ولا تقییدیة . وبالنسبة إلیٰ غیره تعالیٰ لا یکون ذاتیاً له .
فقال بخروج الأوّل عن حریم النزاع ، ولا مجال للنزاع فیه ؛ لأنّ مطابق
[[page 33]]الموجود ـ مثلاً ـ نفس حقیقة الوجود لا الماهیة ؛ لأنّها موجودة أو معدومة بالعرض .
بل لا یمکن النزاع فیه حتّیٰ بالإضافة إلی الماهیة ؛ فإنّ الماهیة إنّما توصف بالموجودیة بالعرض ، فما لم یکن الموجود بالذات لا موجود بالعرض ، ومـع ثبوتـه لا انقضاء هناک ، فتدبّر جیّداً .
وأمّا الثانی فقال بوقوعه فی محلّ البحث ؛ لأنّ النزاع فی المفهوم ، وهو غیر مختصّ بما لا زوال له ؛ کی یلغوا النزاع باعتبار ما هو ذاتی له ، انتهی محرّراً .
ویظهر من المحقّق النائینی قدس سره هذا التفصیل أیضاً ، لاحظ «فوائد الاُصول» و«أجود التقریرات» .
ولکن التحقیق یقتضی دخول جمیع هیئات المشتقّات غیر هیئة اسم الزمان فی محلّ النزاع مطلقاً ، من غیر فرق بین کون الصفة منتزعة من نفس الذات ـ کالموجود من الوجود ـ أو لا . وسواء کان المبدأ لازماً للذات ؛ بحیث ینتفی بانتفائه کالممکن ، أو مقوّماً للموضوع کالوجود بالنسبة إلی الماهیة ، أم لا . وکذا لو کانت الصفة منتزعة من مرتبة الذات فی بعض مصادیقه ـ کالعالم بالنسبة إلی الباری تعالیٰ ـ أو لا .
ولا یختصّ النزاع بالذات التی تلبّست بالمبدأ ممّا یمکن أن یبقیٰ شخصها بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو کون المبدأ ممّا ینقضی عن الذات مع بقائها بشخصها .
والسرّ فی وقوع جمیع الهیئات فی محلّ النزاع هو أنّ النزاع فی هیئة المشتقّ ـ أی زنة الفاعل أو المفعول أو غیرهما ـ نفسها فی أیّ مادّة کانت ، لا فی الهیئة المقرونة بالمادّة حتّیٰ یتوهّم ما ذکر .
ومن الواضح أنّ وضع هیئات المشتقّات نوعی ، مثلاً وضعت زنة الفاعل أو زنة
[[page 34]]المفعول ـ وضعاً نوعیاً ـ لاتّصاف خاصّ ، من غیر نظر إلی الموارد وخصوصیات المصادیق . فبطل القول بخروج الناطق والممکن وما أشبههما ممّا لیس له معنون باقٍ بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو لا یکون له انقضاء أصلاً .
وبالجملة : جمیع هیئات المشتقّات یکون محلّ النزاع ؛ لأنّ النزاع فی وضع نوعی هیئاتها أنفسها ، لا فی هیئاتها المقرونة بالموادّ حتّیٰ یتوهّم خروج مثل الناطق والممکن ونحوهما ـ حیث لا یکون هناک معنون باقٍ بعد انقضاء المبدأ عنها ، أو فیما لا یکون لها البقاء ـ عن محلّ النزاع .
فإذن یصحّ النزاع فی زنة الفاعل ـ مثلاً ـ أنّها هل وضعت وضعاً نوعیاً لعنوان لا ینطبق إلاّ علی المتلبّس بالمبدأ فعلاً ، أو لما هو الأعمّ منه وما انقضیٰ عنه .
نعم ، الموضوعات الخارجیة والمصادیق علیٰ قسمین : فقد یکون العنوان والمبدأ لازم ذات جمیعها أو بعضها ، وقد لا یکون لازماً لها کذلک .
ولا یخفیٰ : أنّ ذلک من الاُمور الطارئة علی الموادّ ، وقد أشرنا أنّ الموادّ خارجة عن حریم النزاع ، والنزاع إنّما هو فی زنة الفاعل أو المفعول أو نحوهما فقط ، فتدبّر جیّداً حتّیٰ لا یختلط لدیک ما اختلط علی الأعلام .
[[page 35]]