الجهة الثالثة : فی کیفیة وقوع الاشتراک ومنشأ حصوله
ویظهر فیها سرّ وقوع الترادف .
قد یشکل فی وقوع الاشتراک والترادف فی اللغة : بأنّه لأیّ سببٍ وضعت لفظة «العین» مثلاً لسبعین معنیً ، ولم توضع لفظة اُخریٰ إلاّ لمعنیً واحد ، مع أنّ دلالة الألفاظ لم تکن ذاتیة ؟ ولأیّ سببٍ وضعت للأسد أو الجَمَل ـ مثلاً ـ ألفاظ کثیرة ، ولم توضع للإنسان ، مع أنّه أشرف المخلوقات ؟ والاعتبار یساعد وضع ألفاظ کثیرة لما یکون أشرف .
والذی أظنّه فی ذلک : هو أنّ الاُمم ـ ومنهم الأعراب مثلاً ـ کانوا فی ابتداء الأمر طوائف وقبائل منتشرة فی فسیح الأرض لم ترتبط إحداها بالاُخریٰ ، فلم تکونوا مرؤوسی رئیس واحد ومطاع أمیر فارد ، بل کانوا ملوکاً وطوائف متعدّدین ، وکان لکلّ طائفة وقبیلة واضع أو واضعون تخصّها . فوضع کلّ طائفة ألفاظاً لمعانی بمقدار احتیاجاتها إلیٰ تفهیمها وتفهّمها ؛ قلّةً وکثرةً .
ثمّ بعد لحوق الطوائف بعضها ببعض ، ومقهوریة طائفة وقاهریة الاُخریٰ ،
[[page 16]]واختلاط بعضها ببعضٍ مدی الأعوام والقرون ، بل لحوق غیر الأعراب بهم واختلاطهم وامتزاجهم معهم اُورثت وقوع ألفاظ متعدّدة لمعنیً واحد ، أو لفظة واحدة لمعانی متعدّدة .
ویحتمل وجه آخر لحـدوث الاشتراک : وهـو أنّ لفظة واحـدة قد وضعت لمعنیً واحـد ، ولکنّه استعملت ـ مجازاً ـ فی غیر ما وضعت لـه ؛ لعلاقة بینهما أو مناسبة طبیعی حاکمة بینهما ، واستعملت فیها کثیراً إلی أن وصلت حدّ الحقیقة ؛ فحصل الاشتراک .
ویمکن تقریب هذا الوجه بنحوٍ لحصول الترادف أیضاً ، کما لا یخفی .
والحاصل : أنّ وقوع الاشتراک والترادف إمّا لاختلاط الطوائف وامتزاج بعضها ببعض ، أو لکون الاستعمال فی ابتداء الأمر مجازیاً إلی أن صار حقیقیّاً ، أو لکلا الأمرین .
[[page 17]]
[[page 18]]