الفصل الخامس فی أنّ الأمر بالشیء هل یقتضی النهی عن ضدّه أم لا
اختلفوا فـی أنّ الأمـر بالشیء هـل یقتضی النهی عـن ضدّه أم لا ؟ علی أقـوال ، ثالثها التفصیل بین الضـدّ العامّ والضـدّ الخاصّ ؛ بالاقتضاء فـی الأوّل دون الثانی .
قبل الشروع فی ذکـر عُمد الأقوال فی المسألـة وما استدلّوا به لمذهبهم ، نقول : إنّ مسألـة الضـدّ مـن المسائل الاُصولیة العقلیـة ، کما یظهر مـن استدلال المحقّقین منهم للاقتضاء مـن ناحیـة الاستلزام أو المقدّمیـة ، وکما یظهر مـن منکری الاقتضاء إنکار الاستلزام أو المقدّمیة . فالمراد بالاقتضاء فی عنوان البحث ما هو المترائی منه ؛ وهو الاستلزام .
وتوهّـم لفظیـة المسألـة ـ من استدلال بعضهم لذلک بإحـدی الدلالات الثلاث ـ ضعیف غایتـه ، لا ینبغی الالتفات إلیه ؛ لأنّ الأقوال المُعتنیٰ بها فی
[[page 255]]المسألـة بین مثبت للاستلزام أو المقدّمیة ، وبین منکرهما . ولا یصغی إلی کلّ ما قیل أو یمکن أن یقال فیها .
فلا نحتاج إلی ما تجشّم به المحقّق الخراسانی قدس سره لإرادة المعنی العامّ من الاقتضاء فی عنوان المسألة حیث قال : المراد بـ «الاقتضاء» فی العنوان أعمّ من أن یکون بنحو العینیة أو الجزئیة أو اللزوم من جهة التلازم بین طلب أحد الضدّین وطلب ترک الآخر أو المقدّمیة .
وذلک لأنّ إرادة المعنی الأعمّ مـن الاقتضاء بعیدة . مـع أنّـه لا یکاد یمکن إرادة الجامع الحقیقی بینها . فلو اُرید الجامع بینها فإنّما هو فی أمر انتزاعی .
فلابـدّ مـن غمض النظر وإسقاط الأقوال والوجـوه التی تکون ظاهـر الفساد ـ کاحتمال أن یکون الاقتضاء بنحـو العینیـة أو التضمّن ـ وقصر النظر إلی الوجـوه والأقـوال المعتنی بها فـی المسألـة ، وهـی ـ کمـا أشرنا ـ تـدور مـدار الاستلزام والمقدّمیـة ؛ فإذن الاقتضاء بمعناه مـن الاستلزام . فظهر : أنّ هـذه المسألـة ، مسألـة اُصولیة عقلیة .
ولا یخفی : أنّه یترتّب علیها آثار وبرکات فی الشرع والشریعة ، بخلاف مسألة الملازمة بین وجوب الشیء ووجوب مقدّمته ؛ فإنّها قلیلة . مثلاً : لو اُمر بالتیمّم فی ضیق الوقت ولم یتیمّم بل توضّأ أو اغتسل ، فیقع البحث فی صحّة وضوئه أو غسله ؛ فإن قلنا بأنّ الأمر بالشیء یقتضی النهی عن ضدّه فیقع وضوؤه أو غسله باطلاً ، وإلاّ فلا ، وهکذا . . . کما سیظهر لک قریباً .
[[page 256]]فظهر : أنّ المراد بـ «الاقتضاء» فی عنوان البحث ، الاستلزام ولو بنحوٍ من المسامحة . ولک تبدیل عنوان البحث إلی أنّ : «الأمر بالشیء هل یستلزم النهی عن ضدّه ؟» ، أو إلی أنّ : «إرادة الشیء هل یستلزم إرادة ترک ضدّه أم لا ؟» والعبارات مختلفة والأمر واضح ، فالخطب سهل .
ثمّ إنّ للضدّ إطلاقات ؛ لأنّه یطلق تارة ویراد منه الترک الذی یسمّی بالضدّ العامّ ، ویطلق اُخری ویراد منه أحد الأضداد الخاصّة بعینه ، ویطلق ثالثة ویراد منه أحد الأضداد الوجودیة لا بعینه .
ولکن الذی وقع البحث عنه کثیراً وممّا ینبغی الالتفات إلیه ویکون مطرحاً للأنظار ، هو الضدّ الخاصّ ؛ لأنّه تراهم یعبّرون : أنّ الأمر بالشیء فوراً ـ کالأمر بإزالة النجاسة عن المسجد مثلاً ـ هل یقتضی ویستلزم النهی من الشارع عن ضدّه الخاصّ ـ کالصلاة مثلاً ـ أم لا ؟
[[page 257]]